فبرايريات: لا بأس

تساؤلات في رسومات اليوميات.

بدأت كتابة فبراير من اليوم الرابع، كتبت حينها ما حدث ويمكنني أن ألقي عليه اسم الشرارة. أعتقد بأن الأمور أخذت بالسير إلى الطريق المنحدرة، لم أكن أتعامل بعقلانية بما يكفي وكان الجنون يمسك زمام الأمور، كتبت كثيرًا، كتبت وكتبت وكتبت! كنت بحاجة لكل هذا.. كتبت رسائل وفي دفتر يومياتي وفي الملاحظات وفي كل مكان، كما لو أريد إفراغ رأسي كاملًا، حدثٌ جديد يؤكد لي بأن الثرثرة كتابةً هي طريقتي الأولى في التعاطي مع الأمور. كنت غزيرة وكثيفة ومندلقة للحد الذي لا أفهمه، لم يكن لدي ما يمنعني من إيصال ما أريد فوريًا ولحظيًا، وبالطبع أنا لست مع هذه الطريقة ولكن لم أملك الصبر الذي يحثني للانتظار ولو لدقائق، ليست طريقتي أو على الأقل ليست للدرجة التي وصلت إليها، وهذا لا يؤكد لي سوى أني لم أكن على ما يرام مع هذا الموضوع على وجه الخصوص، حاولت تهدئة نفسي ولكني لم أنجح، لا بأس هي أكثر ما كنت أردده، مضت الأيام سريعًا ولا أبالغ إن قلت بدت علي أشبه ما يكون بالآثار الجانبية لأعراض الانسحاب ههههه، حذفت تطبيقات التواصل لبضعة أيام، لازمني دفتر يومياتي أكثر من المعتاد، والتزمت الصمت كثيرًا، بمعنى آخر انكمشت، أعلم بأن كلامي يبدو مبالغة لكن هذا ما أقوله دومًا حول صدق ما أشعر به وأعيشه، بعيدًا جدًا عن العقل والمنطق… العفوية والصدق كانا سيدا كل المواقف.

افتكرت نصًا كتبته ذات يوم عنوانه غرق التجاوز ، ومع اختلاف دوافع الكتابة لكن طريقتي في التجاوز واحدة:

أعلم أني أستغرق وقتًا طويلًا في التجاوز، أغرق فيما أريد مغادرته إلى الدرجة التي تمكنني لاحقًا من الرحيل بهدوء وسلام دون إلحاح بالعودة. العودة تعني أن جزءًا ما زال يريد أو ينتمي، حزنًا لم يأخذ وقته، كلمة لم تقال، محاولة عبور سريعة وفاشلة أو تنهيدة عالقة. استيعاب قرار الرحيل ليس بالأمر السهل، لكن ما يهوّنه عليّ يقيني التام وإدراكي بأنه مرحلة لن تدوم مهما طالت وآلمتني. تواجدي وسط موجة مضطربة برفقة وعي عالي أمر مؤلم، أختزله في شعوري الخالص بالحزن. حزن صافي دون شوائب من أي مشاعر أخرى، والحزن ثقيل على النفس أتخيل تواجده المركز في قلبي، يثقله ويهوي به.

خرجت الأمور عن السيطرة، وهذه حال متطرفة لا أصل إليها إلا في مرحلة متقدمة، أصل لأقصاي بكل جنوني ثم أعود بالتدرج إلى حيث كنت، حينها أخرج عن كل شيء وأبقى في دوامة الأسئلة لم لا؟ ما المانع؟ ما أسوأ ما سيحدث؟ وكمية لا بأس بها من التناقضات كنتيجة حتمية للفورية التي أسكنها أو تسكنني، ما زالت الأسئلة والحيرة حاضرة لكن بوتيرة أقل إذ بدأت الأمور تتضح شيئًا فشيئًا، لاحظت ماما وصديقاتي انكماشي، وما عساي أن أقول؟ لا شيء بالطبع وكنت أعيد السبب بتهكم إما للأعراض المصاحبة لتجاوز الثلاثين أو لأني نضجت أو أي سبب بعيد كل البعد عن الحقيقة. فبراير كان شهرًا دون مشاركة مقارنة بالشهور السابقة، وأقصد هنا مشاركة يومياتي وبالتحديد ستوري سناب وإذا عرف السبب بطل العجب وهو غياب الدافع بالنسبة لي، حاولت المقاومة وكسر شرط (الوجود) بسنابات لا داع لها، وأنا بذلك عدت إلى 2020م وما قبلها. لا مشكلة لدي بذلك المهم ألا أتوقف عن التوثيق بصرف النظر عن المشاركة.

خرجت من هذه (العامين إلا شهرين) بالكثير حول مشاعل، أشياء لم أكن لأعرفها لولا خوضي هذه التجربة، كنت فعلًا متفاجئة من تفاصيل كثيرة ومحاولات الفهم هي العامل المشترك، ثم كومة من الأسئلة، كانت فترة أشبه ما تكون بالتنقيب وسبر أغوار العميق، بجوار ما حدث في العامين هذه أصلًا، أشبه ما كنت تحت مجهر أحاول فهم مشاعل من خلال ما تعبره. في أحيان كثيرة أنا أفهم، لكن هذا الفهم خلاف ما أريد أو أتمنى، فتأتي الانتكاسة، أعلم بأني في لحظات كثيرة بدوت (متناقضة) أو (غير مفهومة) بينما كنت أملك تفسيرًا أو دافعًا لكل ما يحدث، وأنا هنا لا أتحدث عن مشاعل وحدها، ما يدهشني أني أعي جيدًا تبعات الظروف، لكن تأتي لحظة يغدو فيها هذا الفهم وكأنه حائط يعيق الوصول، فتحدث انتكاسة جديدة! نحن نفهم لكننا في المقابل نريد! خرجت كذلك بأن لا يشترط أن يكون هناك مخطئ، إنما سياق الظروف والأحوال وطرق الاتصال لا تخدم بحال! ونستوعب أن ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، حتى مع وجود العذوبة، والفهم والمراعاة، والاستيعاب… أهو الطمع؟ طمع بمزيد من الجمال؟ ربما. الشيء المزعج الوحيد بالنسبة لي هو أن ماذا لو بعد كل هذا لم أُفهم كما أنا، ولا أعلم لم هذا الهاجس؟ ربما الأمل

وكأن فبراير بكل هذا قدم لي اليقين ذاك الذي يُقطع به الشك، اليقين الذي أستطيع الاتكاء عليه بدلًا من التذبذب في لدن الشك، حتى وإن كان يقينًا خلاف الذي أريده وأتمناه لكنه على الأقل (يقين) وواحدة أخرى من: لا بأس مشمش، لا بأس. أتوقع بانتهاء فبراير تهدأ الأمور، تعود الأيام لوتيرتها الروتينية الخالية من كل تلك المحاولات.

وفي الجهة الأخرى من فبراير، قرأت: مذكرات العمى/ رحلة عبر الظلام. وبدأت: يهود بلا مال + السطحيون: ما تفعله شبكة الإنترنت بأدمغتنا. عدت للخياطة والتطريز ومحاولات حياكة حقائب قماشية والتلوين، شهر مليء بالكثير من الصور والكتابة والهواجيس، وبضع لقاءات، وفي المدرسة قضينا يومين من أجمل ما يكون، يوم التأسيس بمشاركة الطالبات وآخر يوم مفتوح للمعلمات فقط، فبراير كان شهرًا خاليًا من المشي والخطوات! ماذا أيضًا؟ بدأت أسلوب كتابة مختلف ويبدو أني متورطة بعض الشيء، الأول أسلوب موسوعي والثاني وصفي تسويقي.

اختم بما قالته روضة الحاج وكأنها كتبته عن لساني بعد كل تلك الثرثرة:

لا بأسَ
ليست تلك آخرَ طعنةٍ
فلكم أمضَّتنا مُدىً
ورماحُ
ولكم خُذلنا في الذين نحبهم
وتعاورتنا في الطريقِ جراحُ!
لا بأسَ
قد تعتادُ يا قلبي الذي
أعياه رغمَ بيانِه الإفصاحُ
فاصمتْ فقد يُنجيك حرفٌ أبكمٌ
ويجيرك الإضلالُ
لا الايضاحُ
أتعبتني وتعبتَ
هذا عمرُنا يذوي
متى يا صاحبي نرتاحُ؟

هواجيس الطريق

في الصباح وأنا في طريقي إلى المدرسة، وبينما أعيش حالة الخدر تلك التي تلي الاستيقاظ وتسبق اليقظة وكعادتي أتأمل كل ما حولي، لفتني اسم شركة غذائية تقدم مخبوزات اسمها (سائغ) وأراه اسم ذكي ومعبر.

١١:٤٠ص شعور الخفة مصاحب لهذا اليوم، الانعتاق من أمر ما مهما صغر يبقى له تأثيره على مزاجك، والأهم على حدود تفكيرك خلال يومك، وهذا ما أشعر به حتى بعد مرور ساعات فقط. هذه القشة التي قصمت ظهر البعير😊

مسودة لم تكتمل.

سنوات أربع

أمس الخميس صباحًا، بينما كنت جالسة في فناء المدرسة غارقة في جمال الطقس وأجواء الاحتفال بيوم التأسيس وصلني تنبيه من WordPress:

إذًا ها نحن -أنا والمدونة- وصلنا إلى السنة الرابعة! أنا التي كنت أحذف المدونة قبل إكمالها الشهر الأول، هذه المرة بقينا. أربع سنوات و318 منشور و9 مسودات. قلتها سابقًا وأكررها الآن وكل عام، قرار المدونة من أجمل قراراتي، أن يكون لي عالمي الهادئ أكتب فيه ما يحلو لي دون أي اعتبارات تؤخذ، خط زمني تراكمي هذا والله يعني لي الكثير. أحمل مشاعر خالصة تجاه مدونتي، هي باختصار لها من اسمها الكثير: مكاني القصيّ.

وللعابرين من هنا، سلام عليكم، على من يتابع، يقرأ، يعلق أو يبعث برسالة، شكرًا لكم. وبينما أكتب مسودة هذه التدوينة وصلتني رسالة لطيفة على تويتر، كتب في جزء منها:

المهم أكتب إليك بعد أن قرأت إحدى تدويناتك وأنا أنتظر (ادخرت آخر فصل من الكتاب الذي رافقني للمطار) وكنت سعيدة بأن أرى أحدًا يكتب أفكارًا تعكس بعض ما أفكر فيه أو تصف شعورًا مرّ علي بالاضافة لبعض التشابه بيننا أصولنا في منطقة جازان أو العمر فأنا في سن الثلاثين معك وأشياء أخرى قرأتها في حسابك أو مدونتك جعلتني أتمنى أن أراك يومًا ما.

هنا احتفالية صغيرة بالسنة الأولى للمدونة (2020)، وهنا السنة الثالثة (2022)، أما السنة الثانية (2021) يبدو سقطت سهوًا لكن بالعودة إلى تدوينات شهر فبراير من 2021 وما كنت أعبر خلاله أتفهم جيدًا عدم التفافي إلى عُمر مدونتي حينها.

وعن التدوين والمدونات تقول ريتا خوري في كتابها أسرار صغيرة:

نكتب اليوميات لأنفسنا، ولا أعرف حقيقة ما الذي يدعوني لاستبدالها بهذا الموقع المعرض للقراءة من قبل أشخاص افتراضيين.

وأنا أقول يا ريتا كان هذا السؤال هو ما يمنعني من الاحتفاظ بمدونة شخصية، ولاحقًا بعدما قلبت حياتي رأسًا على عقب نتيجة نص كتب هنا، كم تبدو العبارة مضحكة؟ أو كم تحمل من السخرية؟ لكنها واقعية. بعد كل ما حصل، فقدت رغبة طرح أسئلة أو كما قلت أخذ أي اعتبارات في الحسبان، أكتب وحسب هذا كل ما في الأمر. والحمدلله لم أفقد رغبتي في الكتابة وإلا جننت!

.

بين أحدين

اليوم الأحد أجلس إلى مكتبي في المدرسة وأكتب في دفتر يومياتي كل ما يدور في رأسي، أكتب لأن كل أحد لدي بين ثمانين إلى تسعين دقيقة قبل بدء ماراثون الحصص، ولأني لم أكتب يومياتي لأسبوع كامل، التقت سطور الأحد الخامس من فبراير بسطور الأحد الثاني عشر. المعنى الذي تحمله سطور اليوم هو النقيض لما كتبته الأحد الماضي، حتى على مستوى الشعور الذي وصفته. يبقى السؤال الظاهر: لماذا؟ وتلتف معه كل الحيرة الكامنة في نفسي. ثم تأتي بعدها المواساة، لا بأس مشاعل. أفكر في كل ما كان، ما حدث، ما كتب، ما أرسل، ما قيل.. ويعود السؤال من جديد: لماذا؟

لا بأس أن نعبر تناقضات، وحيرة، وغباء، المهم على الأقل أنا أعلم بأن جزءًا صادقًا كان يلازمني، صدق شعوري، وصدق تصرفاتي وإن بدت حمقاء، لا شيء كالكتابة في حالة كهذه، بل والكتابة باستفاضة. الأمر حين أفكر فيه، أراه مجمع لكل ضد وضده، بسيط ومعقد، واضح ومبهم، ثم يظهر مرة أخرى سؤال: لماذا؟ وكأن به تختم كل محاولات الفهم، أو كما يقول محمد عبدالوهاب: كل ده كان ليه؟ لكن حقًا، لماذا كل هذه التعقيدات؟ والصعوبات؟ في حين أن الأمر أبسط بكثير؟ لماذا لا يكون الوضوح سيد الموقف؟ عجيب..

استغرقت في الأمر كثيرًا؟ بالطبع! إذ لا أحد يمد يده هناك في الجهة الأخرى، إضافة إلى ما حدث مؤخرًا وهو مما لا يقبل…اممممم، على كل حال، الأحد الحالي نقيض للأحد السابق، لنرى كيف سيكون الأحد القادم إن أراد الله.

على الهامش: ركض اليوم لم يكن عاديًا! حصة ٣ -مناوبة فسحة- حصص ٤-٥-٦!

ينايريات: روتين

من هنا وهناك:

استيقظت اليوم باكرًا وكان الطقس باردًا لذا تناولنا وجبة الفطور من أمام البحر، وطوال الأيام الثلاثة الأولى من فبراير كنت أفكر في كتابة ملخص لشهر يناير، كالعادة كانت تأتيني الأفكار بل والعبارات كاملة جاهزة ورأسي على المخدة، لا طاقة لي حتى إلى كتابتها في ملاحظة الجوال.

مع بداية العام، أضفت بعض الأفكار إلى روتيني، منها ما هو يومي، وآخر أسبوعي أو شهري، الإضافة الأولى تتعلق بكتابة ملخص عند انتهاء كل شهر ميلادي، شرط ألا أبدأ الكتابة فعليًا إلا بعد انتهاء الشهر تمامًا. والجميل في الكتابة أننا من خلالها نعطي الأشياء حجمًا إضافيًا لما هي تشغله في الواقع، بمجرد أن فكرنا الكتابة عنها. مررت بتدوينات لأشخاص يكتبون تماما كما أريد، كل حدث صغير وعادي وعابر في أيامهم قادرين على تحويله إلى نص بديع، دون مبالغة: يمارسون الكتابة عن كل وأي شيء! عن الأشخاص والمواقف والكتب والحوارات والخيبات والأفكار والمشاهد والاقتباسات …. إلخ. هذا ما أردته، وكتبت فقرات حوله في رسائلي، حتى بالعودة إلى دفاتر يومياتي، تظهر وتتكرر هذه الرغبة، وهذا ما حصل في يناير، كتبت عدد جيد من النصوص القصيرة في دفتر يومياتي، يغلب عليها أسلوب الوصف، ما زلت بحاجة للكتابة أكثر، لاقتناص كل ما يمكن توسيعه في كتابة تضفي عليه لمسة أعذب!

تجاوزت معظم الأسبوع الأول من يناير، ولم أكتب يومياتي إلا في اليوم السادس مختصرة كل ما حصل، الثالث من يناير احتوى أكثر الأشياء التي رغبتها منذ عشرين شهرًا والحمدلله، الأمر أشبه بحلم لكنه حلم واقعي. وهنا يجدر بي ذكر ما فعلته، بداية أنا لا أحب التوكيدات بفكرتها الخالصة ولا أنتمي إطلاقًا لهذا النوع من التفاعل مع الحياة، حتى أني وبكل صراحة بحثت عن حكم شرعي حولها، الأمور العقائدية مخيفة بعض الشيء، بدأت كتابة بعض مما أردده، كان الأمر محاولة إمساك بما أقوله لنفسي دومًا، الكتابة قيد وتذكير، كنت بحاجة لإعادة سماع بعض القناعات.. كتبتها وأعدت قراءتها، العجيب أن لهذا أثر جيد، أرى أساسه (التذكر) عرّضت رأسي لما هو مغيب فكانت هناك استجابة جيدة.

كتبت رسالة طويلة واحدة، بدأتها وأنهيتها خلال الأسبوعين الأخيرة من الشهر، كانت مسودة طويلة.. لكن بقاؤها كثيرًا على غير العادة جعلني أرغب في حذف أجزاء منها واختصار أخرى، ما زال يدهشني فعل المشاركة، كيف ولماذا نرغب في مشاركة شخص دون غيره؟ غريب عجيب أمر الإنسان.

يناير يعني عودتي للقراءة، قرأت خلاله مجموعة من الكتب بشهية واسعة، النص والحياة ثم ماركوفالدو ثم قراءات من أجل النسيان ثم لن تتكلم لغتي وأخيرًا إعادة قراءة كتاب أسرار صغيرة. بدأت كذلك فكرة عمل قائمة في تطبيق Google maps للأماكن التي أذهب إليها بالطبع ليست كلها إنما المميز منها مع تقييمها وكتابة شيء قصير جدًا. مشيت في يناير كثيرًا، تطبيق الخطوات يخبرني بالجزء الذي يكون الجوال برفقتي، قاربت على 140 ألف خطوة، بمعدل 5000 يوميًا، لكني بالتأكيد أمشي ضعفها.

لحظات لا تنسى:

وصفها يختصرها، هي لحظة واللحظة لغويًا: الوقت القصير بمقدار لحظ العين. لكنها لحظة تحمل معنى يفوقها طولًا وعمقًا، وهنا بعضها وليس كُلها.

  1. في الحادي عشر كتبت: وفي غمرة شعوري المثقل تلقيت اتصالًا من — عند الساعة 7:51م حول — كان الاتصال كالماء للظمآن.
  2. في السادس عشر كتبت: طلب اتصال، ثم نص جميل ومكالمة لـ 18د حركة تعني لي الكثير، وجاءت في وقتها.
  3. العشرون: كنت في مقهى وكتبت كما لو أنها المرة الأولى التي أواجه فيها نفسي، ساعة من الكتابة وصفتها: المكان هادئ نسبيًا، على الأقل استطعت كتابة وتفريغ كل الزحمة والفوضى التي ملأت رأسي لأيام، ما زلت أكتب وأظنني سأستغرق مزيدًا من الوقت، ملئت دفتري بالكثير من علامات الاستفهام، هذه الأسئلة هي وأفكارها ما رافقني في جميع أوقاتي طوال الأسبوعين الماضية، وبالتحديد أثناء قيادة السيارة، كنت -على غير العادة- لا أريد الاستماع إلى بودكاست أو موسيقى، لا أريد أي صوت سوى رأسي! أو كما يقول ساراماغو: لا شيء من أي شيء. انتهت فترة (التخمير) وحان وقت إخراجها للنور، كتابتها، مواجتها والوصول إلى نقاط ترضي جميع الأطراف (أنا وأفكاري*ضحكة*) على الرغم من كونها فترة مليئة بالأسئلة، لكن في الجهة الأخرى.. هي فترة هادئة، لا انتظارات ولا توقعات، إنما لحظات وأيام لتعاش، وهذا فضل عظيم فالحمدلله دائمًا وأبدا.
  4. في الثالث والعشرون: كتبت نصًا في لحظة شعور كثيف، لحظة مختلطة من غضب وخيبة حولتهما إلى نص أدبي كتب بطريقة لا أعلم كيف وصلت إليها، أعجبتني جدًا إلى الحد الذي يمنعني من مشاركتها في أي مكان!!! قبل هذا اليوم كنت بحاجة للاطمئنان، ولاتصال لا من أجل تبادل أي شيء سوى الحال والأخبار! وحماسي واندفاعي كانا واضحين… ثم صار واتصلت، وبعدها ماذا؟ أُغلقت المكالمة في وجهي 🙂 لحظة عصية عن الفهم! حاولت إعادة صياغة ما حصل، ربما مشكلة في الشبكة، أو انتهت بطارية الهاتف أو حدث أمر ما… لم أرغب فهم ما حصل فعلًا! ولا أريد الإسهاب لأني حتمًا سأقول ما (يزعّل) فالأمر لا يبرر لو كنت أنا لقلت ببساطة: معليه بس حابة أقفل! أي شيء به لمسة ذوق أو أدب أو احترام، قد أتفهم لكن هذه المرة بالذات أصبت بخيبة لشعوري الذي يسبق هذا الاتصال، أتفهم لكن الزعل موجود، وعوضًا عن أي فعل كتبت ما يمكنني تصنيفه إلى أجمل ما كتبت منذ فترة طويلة جدًا. نص جميل بفكرته وهو لا يشبه الحدث في شيء إنما أشبه ما يكون بانتقام لي بطريقة أدبية هههههههه.

شخصيات:

كان على خلاف ما اعتدنا عليه من البشر، يجذبه إغلاق الأبواب والنوافذ الموصلة إليه، وإعادة القادمين إليه رجوعًا قسريًا إلى حيث أتوا، يشعرهم بثقلهم وغرابتهم التي هي ربما انعكاسًا لشعور ما يسكنه. الأكيد رغم كل هذا، أن ما هو عليه الآن، ليست نسخته الأصلية، أكاد أجزم بأن هناك نسخة أفضل مخبئة في مكان ما، قد تكون الظروف تحول دون ظهورها، لكن حتمًا موجودة.

2022

دفاتر يوميات 2022 كاملة.

هذا العام على وجه الخصوص أود كتابته مختصرًا ولمرة واحدة، لأني مقتنعة بأنه مختلف وإن قلت هذا عن أعوام أو سنوات سابقة، إلا أنه مختلفًا فعلًا وقولًا، ولأني أريد بهذه الكتابة إغلاق ذكر ما كنت أردده تبريرًا لما صار. سأكتب دون تخطيط، وعليه قد يلحق نشرها الكثير من التعديلات.
قرأت معلومة قديمة عن الفرق بين العام والسنة لغويًا، مفادها بأن لفظ سنة يطلق على الأيام الصعبة والشديدة بخلاف العام عادة ما يقصد به الخير واللطف. وهنا ظهر سؤال ماذا يمكنني أن أطلق على 2022؟

2022 عام احتوى كل ما يمكن أن يحتويه أي عام لكنه كان يقفز بين الأقطاب، متذبذبًا، ومتأرجحًا، ومتناقضًا، يتراوح بين الشيء وضده. لذا لابد من كتابته واختصاره اختصارًا مفصلًا على جميع الأصعدة. رأيت فيه النور بعد العتمة، والفرج بعد الضيق، والوصول بعد الضياع، عشت كل شيء مزدوجًا، لم يأت أيًّا كان إلا ويجر خلفه نقيضه.


نفسيًا وهو الأهم:
بالكتابة عن 2022 لابد من التعريج أولًا على 2021 حيث ذروة التخبطات، والصدمات، واليأس، كانت سلسلة من الخيبات الموجعة، وهي كذلك لا لذاتها إنما لمسببها. لا يسعني الحديث عن 2021 باستفاضة، لكن ما حدث فيها أساس وجوهر ما بعدها، ظلاله امتدت واحتوت جزءًا كبيرًا من 2022. بدأتُ الحديث عن الجانب النفسي لأنه أكثر ما شغل بالي وفكري وكل محاولات فهمي كانت حوله، ولأن أثره امتد على كامل حياتي دون استثناء أو تجاوز. الإشارة الأولى وما تأكدت منه دومًا أن هناك خطب ما، أنا لست مشاعل التي أعرفها، لا يوجد استقرار نفسي، لا يوجد ذلك الهدوء الذي اعتدت عليه في نفسي ولا فكري، لم أكن في أحسن حالاتي ولم أجد إلى ذلك سبيلا إلا مؤخرًا. ما استغربته حقًا، النفسية الحادة وإن لم تظهر، لكني أعيشها داخليًا، وكثرة التناقضات وسرعة حدوثها، والتخبطات، والترددات، والتراجعات، ولفترة ليست قصيرة حتى أفسرها بأمر عارض، لا بل كادت أن تكون سمة، كنت كالطفل في بداية سيره، يمشي لكن سقطوه أكثر من خطواته، ومشيه غير ثابت، ويبدو غير متأكد من الخطوة التالية أين ستكون. كنت أحاول على الدوام الإمساك بطرف خيط يقودني إلى الصواب، إلى العودة، كنت بحاجة للفهم. مضت مدة وأنا على هذا الحال، وربما أسوأ، إلى أن توصلت إلى أن ما أمر به ببساطة هو صدمة نفسية، نعم. هذا هو ما اقتنعت به، وبناء على ذلك بدأت العودة للوراء ولملمت خيوط ما كان، هنا رأيت بوادر نور *وتهدينا الحياة أضواء في آخر النفق*، التقيت رشا وأفضت كل واحدة بما لديها، اقترحت لي جلسة مجانية مع مركز يقدم استشارات نفسية، لم أتردد لأن هذه الخطوة لابد منها الآن أو لاحقًا، مقتنعة تمامًا بأني إن لم أعالج نفسيتي بطريقة صحيحة حتمًا سيبقى عالقًا بها كل ما كان، سيبقى كنتوء وإن توارت عن الأنظار وهذا بالطبع ما لا أريده، لا أرغب لاحقًا بترديد: تنكئين الآن جرحًا كنت أحكمت وصيده! لا أرغب أن أتحاشى أشخاص أو كلمات أو مواقف لأني ما زلت عالقة بجرح تسببه لي، لا أحبذ الهروب، أحب المواجهة بهدوء ودون آثار جانبية. حجزت موعدًا للقاء المجاني، بدأنا الحديث.. شكرتني في البداية على اتخاذي الخطوة، ثم في أول اللقاء طلبت مني تخمين ما أمر به، قلت لها تبعات صدمة نفسية، ومضى اللقاء ما يقارب أربعين دقيقة، قالت لي في آخره: مشاعل، أنا في أول اللقاء شكرتك لاتخاذك خطوة، الآن أشكرك لأن تشخيصك صحيح 100% أشكرك مرة ثانية لوعيك بما تمرين به! أتذكر جيدًا، سردت لها كل ما أعتقده سببًا ونتيجة، القديم والجديد، لكن القديم أقل حدة، هي أمور روتينية كلنا نمر بها، إنما الجديد هو محور كل شيء، في الحقيقة، لم أتخذ بعد هذا اللقاء أي خطوة علاجية منتظمة مع أخصائية أو غيره، لكن ربما أكون قد قفزت خطوات نحو التشافي، السر يكمن في معرفة العلّة، في التشخيص، والأهم عدم الاكتفاء بردمها دون معالجتها، لأنها ستظل باقية هناك ولن تجعل منك شخصك المفضل لنفسك والذي تعرفه جيدًا، سيكون شعور الغربة مرافق ومزعج. والأمر برمته أشبه بارتداء نظارات بعدسات مختلفة، أول العام كانت عدسة معتمة ترافقها رؤية غير واضحة وبمرور الوقت كانت تتبدل هذه العدسات، مرور الوقت كان كفيل بالتحسن لكن هذه المرة لم يكن وحده يكفي. أنا الآن لست كما كنت في أول 2021 ولا أول أو منتصف 2022. مع جميع ما سبق كان يلزمني كغيري الاستمرار في مهام الحياة الأساسية والرئيسية والمضافة! تأثرت جودة عملي في المدرسة، وتأثرت دراستي في المستويات الأخيرة، وقبل هذا شعوري الداخلي كان مزعج، هناك شيء في غير محله، كنت منزعجة وأحاول التخفيف، وكان ينقصني الفهم، فهم ما أمر به، أسبابه ومحاولة تحليله. كانت فترة صعبة، ليست أصعب من 2021 لكنها لم تكن سهلة على الإطلاق، الحمدلله انقضت ووصلت إلى الجهة الأخرة سالمة بأقل الأضرار.


على الصعيد الشخصي:
كانت سنة زاخرة بالتجارب، خضت خلالها ثلاث تجارب عمل جديدة ومختلفة، إحداها لم تستمر إلا ما يقارب سبعة أسابيع وهي أكثرهم غرابة، كانت مرهقة لدرجة متقدمة، وبانتهائها بدأت تجربة أخرى في مجال مفضل، وختامها كان مع تجربة البيع في معرض الكتاب. اجتماعيًا، انكمشت كثيرًا واقتصر تواصلي كما لم يحدث من قبل إلى دوائري الأقرب والأصغر، أي ما يقارب ثمان صديقات، لم يكن ممكنًا بجوار جميع ما سبق أن أوسّع حياتي الاجتماعية لتشمل أكثر من المقربات، هن اللواتي أكون معهم بكل عفويتي وطبيعتي، ولعلمهم بما أمر به، يُختصر الكثير. في الشهور الأخيرة استعدت بعضًا من قدراتي الاجتماعية، ووسعت اللقاءات، استطعت خوض حوارات ومحادثات طويلة إلا أن الجزء الأكبر كان كما قلت لأقل وأقرب وأصغر دوائري وهو الأنسب. تخرجت والحمدلله، ولا أنسى رحلة حضور حفلة التخرج إلى الرياض برفقة زينب، بحد ذاتها تجربة عميقة، ماذا يعني أن أسافر وحدي مع صديقتي إلى الرياض من أجل حضور حفل تخرج؟ جربت مقاهي وأنواع قهوة جديدة في جدة، وقرأت كتبًا ممتعة، عشت لحظات عميقة من امتنان تجاه أشياء عدة، كثير منها متعلق بالتعلم أو التعليم، استعدت كذلك حبي لحضور مناقشات كتب، وملتقيات أدبية، وورش عمل. والأجمل هو روتين الإجازات المطولة برفقة غرفة المعلمات، فقدت أغلى ناسي وأهلي، جدي لوالدتي رحمه الله وجبر قلوبنا، اشتقت إليه كثيرًا، ولكن هذا حال الحياة! أضيف إلى فهمي الكثير حول الرزق بأشكاله المتعددة، والتسليم لله في جميع أمور حياتي شرط ألا يكون تسليمًا ظاهرًا، إنما بمعناه العميق وفهمه السليم، يأتي بعد ذلك الرضا. *لحظة تذكر* نعم، 2022 مميزة لأنها السنة التي دخلت فيها إلى عالم الثلاثين، كذلك الأمر مع 2023 هي السنة الأولى التي أبدأها بعمر الثلاثين. بالنسبة لدفاتر يومياتي، لم أكتب الكثير، لم أكتب يوميا، لكن كتبت الأهم، كتبت تفكيري، حيرتي، تساؤلاتي، غضبي، مشاعري، ضياعي، وصولي، لذا هي ظاهريًا قليلة، مجرد دفترين، إلا أنهما أحتويا زبدة السنة كما يقولون، ركزت على التوثيق بالصور ومقاطع الفيديو القصيرة، لدي منها ما يوثق أهم لحظاتي وأقلها أهمية على حد سواء.

ماذا بعد؟ بالطبع هناك الكثير ولكن هذا ما أتذكره الآن أو أود كتابته. وكما ذكرت بالأعلى، بهذه التدوينة سأقف عن ذكر أي ظروف مررت بها كمبرر لما طرأ علي من تغيرات. يكفي!

على الهامش:

بعدما انتهيت من كتابة هذه التدوينة، وجدت أنها تشبه المقالات الموسوعية التي عملت على كتابتها مؤخرًا، أمر طبيعي، ومضحك بعض الشيء.


سنة هادئة، هانئة أتمناها للجميع.

معرض الكتاب الدولي بجدة_ 2022

صورة البداية مع حقيبتي وصورة الختام مع رفوف المدى، ويبقى ما بينهما للذكرى.

أخيرًا ها أنا ذا أكتب عن معرض الكتاب بجدة 2022، وهو ما يستحق الكتابة عنه إذ جاء مختلفًا هذه المرة، أولًا: لأنه أول معرض يقام بعد توقف استمر عامين بسبب جائحة كورونا، فآخر معرض بجدة كان سنة 2019. ثانيًا: لأني كنت خلاله المشترية إضافة إلى البائعة، خضت تجربة (بائعة كتب) لمدة عشرة أيام في دار المدى العراقية. ثالثًا: لأنه أقيم في موقع جديد (جدة سوبر دوم). كانت تجربة مكثفة عشتها بتفاصيلها، لكني لم أكتب عنها في دفتر يومياتي لأني كنت أعود مرهقة بعد يوم طويل ممتد منذ السابعة صباحًا إلى حوالي الحادية عشرة مساء، دوام في المدرسة وبعدها انطلاقة إلى المعرض.

أن أجرب بيع كتب، تجربة كاملة، تحمل في طياتها كل ما يمكن لبائع الكتب فعله، من التحدث إلى الزبائن إن صحت تسميتهم أو القرّاء، وتقديم اقتراحات، بعضهم يطلب اقتراحات وآخرين يكتفوا بقوائمهم، وبينهما من يلقي نظرة لا أكثر، وهناك من يخرج قائمة كتب ويغادرها بصمت، ومن يعدك بأن يعود لاحقًا، بعضهم يعود وأكثرهم يختفي، وتأكدت من أن بيع الكتب أو ملاقاة الجمهور يحتاج إلى مهارات إضافية، في الحقيقة كل مهنة لها مهاراتها الخاصة بها، والبائع بحاجة إلى طول بال لا قبله ولا بعده، وبائع الكتب على وجه الخصوص لأن فئة (المستثقفين) يحتاجون إلى حقيبة أخلاق إضافية تحملها برفقتك، عشرة أيام رأيت خلالها عجب العجاب، كما بالطبع كان هناك الجانب الأكبر هو الأجمل والألطف. أكرر مواجهة جمهور واسع أمر مرهق رغم الجمال الذي يحتويه!

اكتفيت في البداية بإخبار دائرتي الأصغر عن هذه الخطوة، وكنت أوثق يومياتي على ستوري سنابتشات عوضًا عن كتابة كل يوم فكما قلت كان الأمر مرهق للحد الذي منعني من الكتابة، ولأني لا أريد لهذه الأيام أن تذهب دون ما يبقيها فكان توثيقًا بالصور ومقاطع الفيديو القصيرة، وحتى مع عدم إخباري كانت سلسلة لقاءات لم أتوقعها، هي الأخرى وثقتها على تويتر، لم يمضي يوم دون لقاء واحد على الأقل. جميعهم دون معرفة مسبقة ودون تخطيط باستثناء من هم في ستوري سناب: زينب – رحاب – فطوم.

تجربة جمعت كل ما أحب فكانت كل تلك اللقاءات وما بينها أكثر، لم تكن لقاءات عادية، بالرغم من أن معظمها إن لم يكن كلها خاطفة سريعة، إلا أنها تعني لي الكثير بما شملته من (شهقات) وحوارات ونقاشات وضحكات. سعيدة جدًا وممتنة لكمّ اللطف الذي وصلني طوال تلك الأيام، ولكن لا أظني أرغب في تكرارها.

وأما عن حصيلة الكتب فقد خرجت بحصيلة واسعة، كنت أسير دون قائمة في معظم الأوقات، قليلة العناوين التي اخترتها لأنها ضمن قائمتي، يمكنني القول بأنها حصيلة غنية وتبقى لفترة جيدة أقل ما يكون إلى المعرض القادم بحول الله، غالبًا سأكتفي بها إلا إن اضطررت لكتاب تحت فكرة ما.

على الهامش:
حاولت كتابة مسودة عن التجربة خلال تواجدي في المعرض ولم أخرج سوى بالنص التالي أضعه دون تعديل:
أكتب الآن من اليوم الثالث لمعرض الكتاب الدولي بجدة، أجلس أمام طاولة البائع في دار المدى جناح V20، هذه الدورة للمعرض مميزة بالنسبة لي ولأسباب عدة، الأول أنه بعد انقطاع دام سنتين بسبب كورونا، آخر معرض حضرته كان 2019م، والسبب الثاني هو أني بائعة أو مسوقة لا أعلم ما المسمى الدقيق لجناح دار المدى طوال أيام المعرض، أي أني أحضر إلى المعرض كل يوم بحقيبتي الخاصة بالمعارض، أزور الجناح أول ثم أجد أقرب مخرج للحصول على جولة مطولة في المعرض كاملًا. أتواجد في الفترة المسائية، أي بين الرابعة إلى الحادية عشر أو أقل بقليل، اليوم وصلنا إلى اليوم الثالث..

وثبة

لصورة الطائر، قلت: كطائر وحيد، يفتعل الطيران.


أكتب الآن بعد مضي خمسة أسابيع على آخر تدوينة، لكن الأمر مختلف بالنسبة لدفتر يومياتي حيث كتب 22 صفحة، عدد صفحات جيد إذا ما أخذنا في الاعتبار كثافة ما احتوته. أكتب الآن، من صباح الأثنين في غرفتي لأننا نتمتع بالإجازة الفاصلة بين الفصل الدراسي الأول والفصل الدراسي الثاني، ونحن سكان جدة قد بدأت إجازتنا بيوم نسبق به باقي المملكة، كان لنا استثنائنا الخاص تبعًا للظروف المناخية وحالة مطرية غزيرة، أضافت إلى إجازتنا يوم الخميس، كما أن فوز المنتخب على الأرجنتين يوم الثلاثاء جعل الأربعاء إجازة، وعليه بدأت إجازة سكان جدة قبل الموعد المحدد بيومين.

قررت مع بدء إجازتي اعتزال تطبيقات التواصل الاجتماعي، وبالتحديد: سنابتشات – تويتر – انستقرام. لا لشيء، سوى لمزيد من التركيز كما أنني أرغب بالتقليل من المشاركة خصوصًا في سنابتشات على الرغم من أن المتواجدين في قصتي الخاصة لا يتجاوز عددهم العشرة أشخاص. أعتقد من الجيد الابتعاد بين الحين والآخر عن زخم التعرض لكل تلك التطبيقات، والإجازة فترة جيدة لذلك.

محاولاتي في استرجاع، أو تكوين روتين جديد ما زالت مستمرة، ينقصني التكيف مع ثبات أيامي الجديد، لكن الأسابيع الماضية احتوت على محاولات العودة للقراءة المنتظمة، و لمتابعة المسلسلات والأفلام، والبرامج الوثائقية، والمشي يوميًا، وضبط النظام الغذائي، وتنظيم أوقات النوم، وحفظ القرآن، خلق روتين ممتع وبسيط هو ما أسعى له دائمًا، الأمر الذي لا أعتقد بأني سأملّ منه في يوم ما، وهو بالضرورة مقياس لصحتي النفسية، إذ أني متى ما توقفت عن ضبط تفاصيل أيامي، أدرك وجود خطب ما.

بدأت -أخيرًا- قراءة الحرب والسلم مع مجموعة في تويتر، ما زلت متأخرة عنهم ويلزمني الانتهاء من المجلد الأول قبل يوم الأحد القادم حيث البداية المقررة للمجلد الثاني، وتمكنت بفضل الله التبرع بالدم للمرة السادسة، واحتفلت مع رحاب بالإنجازات الصغيرة التي لا يراها أحد، جربت قهوة V60 ليومين بعدها كاد قلبي أن يغادر صدري وتأكدت هذا النوع لا يناسبني، وعدت لفقرة وثائقي الجمعة، وجربت كتابة نصوص سردية بناء على كلمة واحدة، وخرجت أكثر من مرة خلال الفترة الماضية: ريم، واللقاء الأول المنتظر. زينب، وخلود، وآمال، ورحاب. ومشاوير من نوع: طريق طويلة + قائمة أغاني مفضلة + مشروب ساخن وامشي إلى أن يشاء الله، ورحلتين مرة مع الطالبات وأخرى للمعلمات فقط وكلتاهما كانت منعشة! كذلك حضرت ورشة عمل: كيف تعد كتابك للنشر؟ من تنظيم أدب مع هيئة الأدب والنشر والترجمة، وقضيت أوقات عائلية جيدة جدًا بالتحديد مع والدتي وجدتي حفظهما الله، ولا أنسى بداية جمال الطقس في جدة هذا وحده يعدل المزاج، ويسمح بالحصول على جرعات مكثفة من البحر، عدت إلى موكا كيان من جديد، الصدفة العجيبة أنها كانت إدمان الفترة نفسها من السنة الماضية بالاعتماد على تذكيرات سنباتشات.

قبل يومين، مضت سنتين على الحدث الذي غير حياتنا، على الانتقالة الكبرى، ودائمًا أنظر إليها من الجانب النفسي، أنا الآن أفضل بمراحل كبيرة قفزت قفزات واسعة عما كنته وما صرته، استعدت جزءًا كبيرًا من نفسية مشاعل وتعاطيها مع الحياة. كتبت في تويتر: إن كنت سأصف/ أكتب عن ٢٠٢٢، هي سنة استشفاء من أثر تبعات ٢٠٢٠، وأنا التي اعتقدت بأني (تجاوزت)، لأواجه خلالها (أغرب) حالات نفسية مركبة/ معقدة مررت بها. مجرد التفكير بالموضوع لمحاولة كتابته، يملأني حيرة واستغراب. أرى بأني نفسيًا داخليا كنت (هشة) كما لم أكن من قبل، وانعكس على تفكيري وتعاطي مع الأمور. لكن كيف استطعت مواجهة كل تلك المصاعب؟ كيف كنت أفصل بين مشاعل وبين ما يلزمني فعله مواجهته بكل تلك القوة؟ كان الاستمرار في الأعمال الروتينية العادية: دوام – جامعة أشبه بالعقاب. لم أكن في معظم الأحيان مشاعل، لا نفسيًا ولا فكريًا، هكذا باختصار. والآن من هنا، وبنظرة بانورامية: أنا في حالة دهشة حقيقية، وتعجب مما كنت عليه. نسخة جديدة ومختلفة من مشاعل خاصة بـ ٢٠٢١- وجزء من ٢٠٢٢.

كل ما أحرص عليه في الفترة الحالية، هو اللطف والامتنان وكل ما يقود إليهما، ألا تفقد الأمور المتكررة لذتها وجمال ما تحمله من معاني عظيمة. أكتب في دفتر يومياتي كل ما يشعرني باللطف من كلمات أو مواقف، وكذلك الحال مع الامتنان. والتروي والصبر أفضل ما يمكن أن يهديه المرء لنفسه، وقبلهما الوعي بذاته، وأن يكون بمعزل عن تأثير الناس من حوله في قناعاته، مبادئه ورؤيته للحياة، والموازنة بين المرونة والصلابة النفسية. لا يهم أن نتعثر، لكن ألا نسقط على الإطلاق، تبدو عبارات معلبة لكني شعرت بها وما زلت وسأبقى. ولهذا كتبت: نمر بظروف ومواقف وأشخاص يتركوا أثرهم فينا، يمكن نضعف وتنهز عندنا شغلات كثيرة، نتفاجئ ونحتار! لكن معليه.. مؤقتًا ولفترة قصيرة، هذي ضريبة درس محترم وعلامة فارقة في شخصياتنا. المهم إنها تبقى شيء مؤقت وعابر، ونرجع بعدها لطبيعتنا واللي كنا عليه.

على الهامش:
31 يوليو: استغرقَ عمرًا في انتظار لمحة بينما هو يستحق التفاتة كاملة.
10 نوفمبر: لا تنتظر لمحة أو التفاتة ممن لا يراك، لا تنتظر شيئًا على الإطلاق. التفت أنت لمن يراك.

من تجربة لأخرى

صارت كتابة يومياتي أسبوعية أكثر من يومية إلا مع بضع لحظات تدفعني للكتابة حينها.
سرد أحداث الأسبوع كاملة دفعة واحدة، يحفز الذاكرة للإمساك بما تود إبقاءه مدة أطول، على الأقل إلى آخر الأسبوع، لكن في المقابل هناك لحظات تتفلت كانت ستبقى لو كتب كل يوم بيومه.

أعود للأسابيع السابقة، ليست بعيدة عن اليوم، ستة أسابيع فقط وأرى اختلاف ما كتبته فيها عن اليوم بما قد يصل إلى الضد. عشت كما قلت سابقًا تجربة مختلفة تمامًا جعلت أيام عملي تمتد من السادسة صباحًا وحتى السابعة مساء ثم حدثني عن تبعات ذلك نفسيًا وذهنيًا وجسديا! لم يكن الأمر سهلًا على الإطلاق تجاوزت صعوبته ما افترضته قبل البداية، وصرت أعاني من إرهاق متصل وقلة نوم ورأس مثقل وصمت يحيط بمعظم إن لم تكن كل أوقاتي ومزاج حاد، كتبت أثناء ذلك في دفتر يومياتي الكثير، كنت بحاجة للكلام لكن حلقي يؤلمني وإرهاقي يمنعني من خوض أي محادثات وإن وجدت نفسي في واحدة منها أختصرها إلى أقصر ما يمكن. باختصار لم أكن مشاعل وخفت من ذوباني إن استمرت هذه التجربة لفترة أطول كما لم أكن أرغب في المغادرة فورًا، أردت البقاء إلى وقت مناسب. لن أنكر، كان هناك لطفًا يخفف علي في لحظات عابرة، لكنه لا يقارن بحجم ما عانيته.

عدت لقراءة ما كتبته لأقارن ووجدت بأن قلة نومي والإرهاق هما أكثر ما تكرر خلال تلك الفترة كاملة.
في يوم كتبت:
تحديث 8:56م الحياة صعبة جدًا ولوصف أدق، الحياة وما فعلته في نفسي يجعلها صعبة، أسبوع سيء وحاد على الصعيد النفسي والجسدي، نومي سيء فقط 5 ساعات في اليوم ومهام كثيرة في كل الأوقات ومن كل الجهات، جهد مضاعف تجاه كل شيء. أكتب وأنا مثقلة ومحبطة وشعوري متضخم جدًا.
وبعد أربعة أسابيع مما نقلته أعلاه كتبت:
تبدو الحياة صعبة مؤخرًا بالنسبة لي، هي هكذا منذ أن بدأنا الفصل الأخير والذي يعود إلى آخر 2020م. عاد شعوري بمدى صعوبتها منذ بداية الفصل الدراسي الحالي وذلك لأني………. نتيجة لكل هذا أشعر أني تحت ضغط عال!
هذا بعض مما كتبته أثناء الستة أسابيع الماضية، كل ما أقوله الآن هو الحمدلله أن الله أنجاني من غير حول مني ولا قوة، كنت أعي أثر ما أعيشه على حياتي كاملة، على شخصيتي ونفسيتي وصحتي ومزاجي ورأسي، النوم وحاله السيء هو سيد الهموم وانعكاسه يغطي كل يومي فيزيد الطين بلة، كنت أفكر في الأضرار الجانبية، فيما سأفقده من قراءة ومشاهدة وأوقات راحة وهوايات مع استمرار الوضع الحالي، وما الذي يمكنه أن يتغير أو يحدث وهل يمكنني العودة بعد انتهاء كل هذا؟ لم تكن النهاية حاضرة إلا كطيف فكرة دون إجراء متخذ.

كان هذا حالي إلى نهاية الأسبوع الماضي وبالتحديد يوم الأربعاء 12 أكتوبر. أما الآن، أكتب من الجهة الأخرى، من تجربة جديدة ومختلفة تمامًا، ساقها الله لي بأفضل ما يمكن. بوادر هذه التجربة كانت من منتصف أغسطس لكنها لم تصل إلا في منتصف أكتوبر، ربما تأخرت لأدرك جيدًا قيمتها ومعناها أمام ما خضته من قبل. عاد خطي في دفتر يومياتي إلى حجمه الطبيعي بعد أن كان كبيرًا جدًا يمثل حجم غضبي وحزني، وعادت الكلمات متقاربة إلى ما كانت عليه بعد كل تلك المسافات الفاصلة بينها، هذه أولى علامات التحسن التي لمستها وأنا أكتب أسبوعي السابق. سبحانه جل في علاه يبدل الحال بين ليلة وضحاها. ممتنة لله لدرجة لم أصل إليها من سنوات، هذه النقلة ما زلت أستشعرها وأعيشها من أعمق نقطة في قلبي. ما عشته لن يكون عابرًا وأحتاج على الأقل ستة أسابيع أخرى أوازن بها ما مضى، بالطبع سأخرج منها بمعاني تبقى دروسًا في حياتي، أحتاج إلى تأملها ومن ثم كتابتها. ما أود قوله الآن هو ضرورة أن يدرب الإنسان نفسه على مهارة (المرونة النفسية) ولا شيء أرغب في إضافته إلى وقت لاحق.

تجربة غزيرة وكثيفة والحمدلله دائمًا وأبدا.

للأربعاء حلوته

-1-
عاد للأربعاء حبه القديم، بسبب تجربة جديدة أخوضها منذ ستة أسابيع صرت أنتبه أكثر لوصول الأربعاء كما لو أن قدومه إعلانًا لبدء نهاية أسبوعي وعاد بذلك ظهور حبه الكامن فينا منذ أن كان لسنوات هو آخر أيام العمل قبل أن يسحب الخميس البساط من تحته.

كتبت حينها في دفتري:
هذا الأسبوع ثقيل جدًا، أجلس الآن أمام نافذة كبيرة في مقهى جديد لا أعرفه سوى أني كتبت في تطبيق خرائط جوجل: مقهى. ليظهر لي أقربهم يبعد ٣د.

مقهى جديد أجلس فيه وحدي بمعنى لا رفقة معي كذلك أنا (الزبونة) الوحيدة، طلبت قهوة سوداء ثقلها من ثقل أيام هذا الأسبوع. القهوة المرة (السوداء) ليست سيئة، لأول مرة أشعر بذلك وتبدو مرارة الأيام قد غلبتها!

-2-

دفتر يومياتي الحالي أكتب فيه منذ أول مايو، يعني منذ أربعة أشهر ونصف. طالت مدة استخدامي له عن الوقت المتوقع والذي عادة ما يستغرقه كل دفتر أن يكفي يوميات شهرين إلى ثلاثة. مع ذلك غطى فترة مختلفة وممتلئة بأحداث أساسية ومهمة على رأسها تخرجي وتجربة مميزة أعيشها كما قلت منذ خمسة أسابيع. إذا استمريت بنفس وتيرة الكتابة، فأتوقع أن يكمل شهرين إضافية. أخيرًا، هذا القلم مفضل ⭐️ جاءني هدية من فطوم، أحضرتْ لي منه اثنين وبحثت عنه لكني لم أجده، لم يكن بحثًا جادًا لأن لدي آخر احتياطي.