التقطتُ الصورة كعادتي المفضلة في الرد عن سؤال اطمئنان هو كذلك مفضل بالضرورة.
تشير الساعة الآن إلى العاشرة من مساء الاثنين، بعد يوم طويل ومرهق جدًا. وهذه المرة هو كذلك إلى الحد الذي أتخيل فيه كل حرف من (طويل – مرهق) يقف ممشوقًا يتباهى بأداء دوره على أكمل وجه في مسرحية أيامي، مجسدًا بكل اتقان كل معنى يمكن أن يتضمن هاذين الوصفين. بدأ يومي مثل أي يوم عمل، ولمزيد من الدقة: مثل أي اثنين، وهو يقتبس بعضًا من ثقل الأحد الذي لا يضاهيه ثقل لكنه أقل حدة وأكثر ازدحامًا، على أية حال.. كنت أريد اقتباسًا أتوارى خلفه يمثلني ويختصر حالي وأريح به رأسي من محاولة الكتابة، لكنها حال مركبة، تستدعي كتابة نص تملأه الفوضى وكومة جيدة من الأشياء وضدها، تمامًا كحال رأسي والأفكار تحوم بين جنباته لا تأبه سوى بتسجيل حضورها، لا بل حضورها الكثيف.
هذه المرة لا أريد الإسهاب في وصف أيامي، أميل لإبقاء بعضها لي وحدي، لكن اليوم وأمس حصل بهما ما يسترعي انتباهي ويستهلك مزاجي ويدفعني دفعًا مثقلًا للتأمل والفهم، ويؤكد لي أن لا ذنب يصلنا من وراء الصمت في كثير من الأحيان.. بخلاف الكلام!
وأنا بكتابتي هذه كما يقول سلطان السبهان: أريد ولا أريد وصوت نار بأفكاري، وغيم ما أغرّه.
هنا محاولة لتوثيق ما مررت به من انزعاج يزاحم هدوء أيامي وما أشعر به، كما يجدر بي الإشارة إلى أن شعور الانزعاج يمثل أقلية لكني خرجت منه بالكثير لذا أمسكت به، ولأني في غمرة انشغالي وتنقلاتي، استشعرت عظيم نعم الله، فالحمدلله دائمًا وأبدًا.
استيقظت ونظرت إلى جوالي بعين واحدة، تشير الساعة إلى السابعة صباحًا ودقيقتين، استيقظت قبل المنبه الأول بنصف ساعة، ودون قرار مسبق قررت الغياب. أكملت نومي إلى الثامنة والنصف، وكل ما فعلته بعد ذلك هو أني خرجت من غرفتي إلى الصالة. غياب غير مخطط له لكن كنت بحاجة إليه، أحمل معي كتاب (فلسفة التجرد الرقمي) أينما ذهبت، ومنذ الأول من أبريل عدت وحذفت جميع تطبيقات التواصل إلا واتساب وتليقرام، أيامي في رمضان مزدحمة بطريقة غريبة، لا ليست مزدحمة بل محشوة، ورأسي يلازمه صداع أو دوار طوال الوقت، وأنا غارقة بين تحضير الدروس وكتابة المقالات، كما لو أن حياتي قائمة على هاتين المهمتين فقط! اليوم كان لدي موعد في عيادة، لم أدرك أنه في وقت حرج من اليوم سوى في الصباح، موعدي عند تمام الثامنة مساء، لا بأس بموعد هكذا لكن ليس في مساء رمضان! لأنه يلزمني الخروج من البيت على أقل تقدير الساعة 7:45م وهنا تكون ذروة دوخة ما بعد الفطور، وقبلها لابد من الاستعداد -_- لا أعلم أين كان عقلي حين سألتني الموظفة قبل أسبوعين: يناسبك الساعة 8م في رمضان؟ وأجبتها بكل حماس: ايوة مناسب! لا بأس، أكتب الآن وقد انتهيت منه، وبالمنسابة وصلت عند الاستقبال بالضبط عند الساعة 7:59م وانتظرت خمس دقائق قبل وصول موظفة الاستقبال الأولى.
خرجت بعدها والخمول الناتج عن الإرهاق يتسرب إلى جسمي، وجدت عربة للشاي فأخذت كوبين، لا أعلم الثاني لمن؟ ولكن عندما وصلت البيت رأيت خالي الكبير، سلمت عليه وناولته كوب الشاي، كان من نصيبه.
رمضان غير مناسب للدراسة، أو من جهتي.. غير مناسب للتدريس، الأمر مرهق مهما حاولنا تلطيفه، والطالبات في سبات عميق وإن كانت أعينهن مفتوحة، حاضرات دون أذهانهن! طريق العودة صار تحديًا مع مقاومة النوم، ولا محاولات تجدي مع تنظيم الأخير، مهما حاولت لا يستمر إلا يوم واحد ويعود كل شيء إلى الفوضى، الساعات تركض بغرابة، لا أعلم كيف نصل إلى منتصف كل يوم بهذه السرعة؟ إضافة إلى أن الجميع يريد ويطلب إنجاز مهام، وأنا؟ أشعر أني أدور في دائرة مغلقة مملوءة بمهام عمل لا نهائية، لا وقت لي كما هي العادة، أقضيه بفعل ما أحب. رمضانات ما قبل الدراسة كانت أفضل بكثير، أقل فوصى وساعات كافية لكل شيء.
تلازمني هواجيس جديدة هذه الأيام، من تلك التي تظهر في كل وقت وحين، ليست ثقيلة.. على العكس بل خفيفة وممتعة، بها الكثير من التأمل والامتنان. وماوس لابتوبي المربع الماثل أمام لوحة المفاتيح، تسرب الملل إليه عبر مؤشري اليمين واليسار، وصرت استغرق بضع ثوان إضافية وأنا أقنعهم بالعمل! ولا أحبذ الماوس الخارجي، ماذا أيضًا؟ حصلت على كوب جديد هدية من خالي، صورته له وأنا أشرب به شاي بحبق.
بدأ مارس بإجازة ما بين الفصلين -الثاني والثالث- وكانت إجازة بيتوتية يغلب عليها الهدوء، لكن مزاجي لم يكن في أحسن حالاته.. وبهذا الحال انقضى الأسبوع الأول من مارس، ولم أكتب من يوميات هذا الأسبوع سوى شذرات.
جاء الأسبوع الثاني وقد اشتركت في مسابقة الترجمة بالجامعة الإلكترونية، واجتزت الثلاث مراحل الأولى، اختبار ثم ترجمة نص من العربية إلى الإنجليزية ثم ترجمة نص من الإنجليزية إلى العربية، لم أنتقل للنهائيات لكن ما اجتزته أسعدني حقًا. مازال حينها تفكيري مضطربًا وينعكس هذا جليًا على مزاجي، فأدخل في صمت مطبق، لاحظت صديقاتي في غرفة المعلمات وماما من قبلهم، هناك شيء ما يا مشاعل؟ وأنا أشبه ما يكون الأمر باختفاء أجزاء من مشاعل، إلى أن وصلنا للأسبوع الثالث، عندها قررت لابد من كتابة كثيفة أستدعي بها كل ما حدث فأخرجه كتابة لأول مرة وبها تكون الأخيرة، قررت أن أكتب دون استثناءات، أعيد ما حدث كاملًا، وبالطبع هذه الكتابة جلبت معها جميع المشاعر المرافقة، وازدادت نفسيتي سوء، لكن بصمت…. كتبت بين 15 مارس إلى 19 مارس 5 رسائل تكاد تكون من أطول ما كتبت، كتبت وكتبت وكتبت لازمتني المسودات طوال وقتي وقلت كل شيء يخالجني، ووالله دون مبالغة كأني بانتهائي ضغطت زرًا كاتمًا لكل تلك الأفكار مع ما يرافقها من مشاعر، بالطبع ليس اختفاء تام إنما جزء كبير، دهشت! وصار مرور الأيام من بعدها إنما تحسنًا وقربًا إلى مشاعل وطبيعتها. كنت أفكر -هواجيس الطريق- هل فعلًا الكتابة تفعل كل هذا؟ ثم تذكرت بأنها على الأقل تفعل معي، فأنا لا أحسن التحدث كما أفعل في الكتابة، وبها ومن خلالها يمكنني قول الكثير. المهم والأهم أن الأسبوعين الأخيرة من مارس كانت بمثابة استعادة ضبط المصنع لمشاعل، عدت لكتابة يومياتي بكثافة، وعدت إلى مزاجي ونفسيتي الطبيعية أو أقرب ما يكون لها، كانت تلك الكتابة تفريغ مما كان يلازمني، تحررت من عبء مثقل وأجمل شيء هو ملاحظتي للتحسن، كيف استيقاظي كل يوم يفرق عن الذي يسبقه. وفي الجهة الأخرى كتبت في دفتر يومياتي بتاريخ 20 مارس:
أرى أن القدرة على الكتابة باستفاضة، القدرة على استحضار كل ذلك الألم والوجع بكل ما يحمله من مشاعر مكثفة، يعني أن شوطًا كبيرً قد قُطع.
تكمن الفكرة في أنه يستحيل استمرار الغرق في دائرة الأفكار واستحضار ما صار والزيادة والتكرار! ثم التأثير على مزاجي وأيامي وأوقاتي! لابد من التوقف وكسر هذه الدائرة لأنها ببساطة لن تقف وستستمر في الدوران… والعمر مرة واحدة.
قرار التوقف عن التعامل مع هذه الأفكار والمشاعر يحفظ الكثير من الوقف ويحافظ على المزاج بأفضل حال ممكنة، الحياة مرة واحدة واللحظات التي تمر لا تعود.. والشعور له أن يكون في أفضل حالاته.
باقي أنتبه لعملي سواء المدرسة أو سياق، وأنتبه لصلاتي والأذكار والقرآن ونومي وشرب لماء والأكل والقراءة والترجمة والمشاهدات وقبل كل هذا الدعاء (رسمت قلب)
أريد الغرق في المعاني أكثر، وعودة الهدوء، الروقان، طول البال، التروي….
_____________________________
زادت كلماتي المنطوقة في اليوم، قضيت أوقاتًا أطول مع ماما والأهل، عدت لكتابة قوائم المهام اليومية، نظمت نومي، باقي الأكل والرياضة (مع رمضان الوضع سلطة حبتين)
لا تعلم حجم شعوري بالامتنان وأنا أنتبه لأدق التفاصيل التي استشعر من خلالها أني فعلًا (تشافيت) السر كله يكمن في التفاصيل الصغيرة، في سيل الأفكار ونوعها، في كلامي الداخلي مع نفسي، في حواراتي مع غيري، في تقبلي لقضاء يوم جديد والذهاب للعمل وملاقاة الناس وووو … هذه الأشياء هي مشاعل لكني فقدتها من هول من مررت به، الآن أنا أستعيدني ولكن نسخة معدلة مزيدة ومنقحة، سعيدة جدًا بهذه العودة وبالشعور المرافق لها. أن تعود إليك والله هذا شيء عظيم، فالحمدلله على ما كان وما سيكون، الحمدلله دامًا وأبدًا.
في المعجم: آخِر: مقابل الأول، عكس الأول. كلمة: اللفظةُ الدَّالةُ على معنًى مفرد بالوضع.
كما يظهر هي كلمة مختصرة بمعنى واضح، إلا أني سلبتها معناها وضده، في كل مرة كنت أكتبها لشخص بعينه، أتركها غارقة في بحر الحروف، عالقة بين كل المعاني إلا معناها، في المنتصف تبتعد عن ضدها (الأول)، ولا تقترب من الأخير، تبقى ضائعة، دائمًا ما تجد لها (وجودًا) في مكان ما إنما ليس أينما يفترض لها أن تكون، وما أقسى أن تكون موجودًا في (الخطأ) مكانًا أو توقيتًا، والأسوأ كلاهما.
في كل مرة أكتبها: آخر، ما إن أنتهي من كتابة الراء حتى تبدأ في ركضها، تحاول اللاحق، تحاول الوصول إلى الجهة الأخرى حيث معناها الكامن بين حروفها، أثناء ذلك، يصلني ضحك كل الكلمات! إذن هم يعلموا بقصتها، يدركوا جيدًا ضياعها ومحاولاتها، وكثرة استخدامها دون فائدة، مسلوبة المعنى والقوة.
ألحقتها بكلمات عدة، علّها تساعدها في العودة إلى جوهرها فكانت: آخر تلويحة – آخر رسالة – آخر محاولة، صارت أصوات الضحك أعلى! وبقيت هي على حالها. لم أكتف بهذا، أرفقتها بي، ربما أكون مرشدتها فقلت: آخر مرة، لمرات عدة، لكني أعود! آخ تطورت الحالة، والحمدلله، بالنسبة لي لا أحد يعلم سواه، وإلا كنت سمعت ضحكاتهم تمامًا كما سمعتها كلمتي المسلوبة.
كان كل هذا متكئًا على أمر واحد: استثناء، حتى طال هذا الاستثناء أفعالي وكلماتي، فأقول آخر مرة، لمرات وأعود، لم يكن لآخر مفعولها على الإطلاق، لم يظهر حزمها أو صرامتها، لا يتعدى الأمر كونها هدنة قصيرة، ولا أعلم من فينا يقنع الآخر، أكتبها لتقتنع بأنها المرة الأخيرة فعلًا، أم تقنعني بأنها ستمثل معناها خير تمثيل؟ بعد كل مرة أستعين بها، كان كلانا ينظر إلى الآخر مبتسمًا على عدم جدوى استخدامها وتكرارها المتكرر حشوًا في معنى الحياة، إلى أي حد هذا مضحك؟
لكن يبدو لي كما تشير التقارير الصادرة مؤخرًا، أنها في طريقها إلى معناها، دون ركض هذه المرة، وقريبًا جدًا ستصل، وسيكون لـ آخِر معناها السليم، تجربة قاسية خاضتها، متميزة بذلك عن كل الكلمات، لا بأس فالتجارب تصقل وكانت هذه الجولة من نصيب كلمة آخِر.
بدأت كتابة فبراير من اليوم الرابع، كتبت حينها ما حدث ويمكنني أن ألقي عليه اسم الشرارة. أعتقد بأن الأمور أخذت بالسير إلى الطريق المنحدرة، لم أكن أتعامل بعقلانية بما يكفي وكان الجنون يمسك زمام الأمور، كتبت كثيرًا، كتبت وكتبت وكتبت! كنت بحاجة لكل هذا.. كتبت رسائل وفي دفتر يومياتي وفي الملاحظات وفي كل مكان، كما لو أريد إفراغ رأسي كاملًا، حدثٌ جديد يؤكد لي بأن الثرثرة كتابةً هي طريقتي الأولى في التعاطي مع الأمور. كنت غزيرة وكثيفة ومندلقة للحد الذي لا أفهمه، لم يكن لدي ما يمنعني من إيصال ما أريد فوريًا ولحظيًا، وبالطبع أنا لست مع هذه الطريقة ولكن لم أملك الصبر الذي يحثني للانتظار ولو لدقائق، ليست طريقتي أو على الأقل ليست للدرجة التي وصلت إليها، وهذا لا يؤكد لي سوى أني لم أكن على ما يرام مع هذا الموضوع على وجه الخصوص، حاولت تهدئة نفسي ولكني لم أنجح، لا بأس هي أكثر ما كنت أردده، مضت الأيام سريعًا ولا أبالغ إن قلت بدت علي أشبه ما يكون بالآثار الجانبية لأعراض الانسحاب ههههه، حذفت تطبيقات التواصل لبضعة أيام، لازمني دفتر يومياتي أكثر من المعتاد، والتزمت الصمت كثيرًا، بمعنى آخر انكمشت، أعلم بأن كلامي يبدو مبالغة لكن هذا ما أقوله دومًا حول صدق ما أشعر به وأعيشه، بعيدًا جدًا عن العقل والمنطق… العفوية والصدق كانا سيدا كل المواقف.
افتكرت نصًا كتبته ذات يوم عنوانه غرق التجاوز ، ومع اختلاف دوافع الكتابة لكن طريقتي في التجاوز واحدة:
أعلم أني أستغرق وقتًا طويلًا في التجاوز، أغرق فيما أريد مغادرته إلى الدرجة التي تمكنني لاحقًا من الرحيل بهدوء وسلام دون إلحاح بالعودة. العودة تعني أن جزءًا ما زال يريد أو ينتمي، حزنًا لم يأخذ وقته، كلمة لم تقال، محاولة عبور سريعة وفاشلة أو تنهيدة عالقة. استيعاب قرار الرحيل ليس بالأمر السهل، لكن ما يهوّنه عليّ يقيني التام وإدراكي بأنه مرحلة لن تدوم مهما طالت وآلمتني. تواجدي وسط موجة مضطربة برفقة وعي عالي أمر مؤلم، أختزله في شعوري الخالص بالحزن. حزن صافي دون شوائب من أي مشاعر أخرى، والحزن ثقيل على النفس أتخيل تواجده المركز في قلبي، يثقله ويهوي به.
خرجت الأمور عن السيطرة، وهذه حال متطرفة لا أصل إليها إلا في مرحلة متقدمة، أصل لأقصاي بكل جنوني ثم أعود بالتدرج إلى حيث كنت، حينها أخرج عن كل شيء وأبقى في دوامة الأسئلة لم لا؟ ما المانع؟ ما أسوأ ما سيحدث؟ وكمية لا بأس بها من التناقضات كنتيجة حتمية للفورية التي أسكنها أو تسكنني، ما زالت الأسئلة والحيرة حاضرة لكن بوتيرة أقل إذ بدأت الأمور تتضح شيئًا فشيئًا، لاحظت ماما وصديقاتي انكماشي، وما عساي أن أقول؟ لا شيء بالطبع وكنت أعيد السبب بتهكم إما للأعراض المصاحبة لتجاوز الثلاثين أو لأني نضجت أو أي سبب بعيد كل البعد عن الحقيقة. فبراير كان شهرًا دون مشاركة مقارنة بالشهور السابقة، وأقصد هنا مشاركة يومياتي وبالتحديد ستوري سناب وإذا عرف السبب بطل العجب وهو غياب الدافع بالنسبة لي، حاولت المقاومة وكسر شرط (الوجود) بسنابات لا داع لها، وأنا بذلك عدت إلى 2020م وما قبلها. لا مشكلة لدي بذلك المهم ألا أتوقف عن التوثيق بصرف النظر عن المشاركة.
خرجت من هذه (العامين إلا شهرين) بالكثير حول مشاعل، أشياء لم أكن لأعرفها لولا خوضي هذه التجربة، كنت فعلًا متفاجئة من تفاصيل كثيرة ومحاولات الفهم هي العامل المشترك، ثم كومة من الأسئلة، كانت فترة أشبه ما تكون بالتنقيب وسبر أغوار العميق، بجوار ما حدث في العامين هذه أصلًا، أشبه ما كنت تحت مجهر أحاول فهم مشاعل من خلال ما تعبره. في أحيان كثيرة أنا أفهم، لكن هذا الفهم خلاف ما أريد أو أتمنى، فتأتي الانتكاسة، أعلم بأني في لحظات كثيرة بدوت (متناقضة) أو (غير مفهومة) بينما كنت أملك تفسيرًا أو دافعًا لكل ما يحدث، وأنا هنا لا أتحدث عن مشاعل وحدها، ما يدهشني أني أعي جيدًا تبعات الظروف، لكن تأتي لحظة يغدو فيها هذا الفهم وكأنه حائط يعيق الوصول، فتحدث انتكاسة جديدة! نحن نفهم لكننا في المقابل نريد! خرجت كذلك بأن لا يشترط أن يكون هناك مخطئ، إنما سياق الظروف والأحوال وطرق الاتصال لا تخدم بحال! ونستوعب أن ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، حتى مع وجود العذوبة، والفهم والمراعاة، والاستيعاب… أهو الطمع؟ طمع بمزيد من الجمال؟ ربما. الشيء المزعج الوحيد بالنسبة لي هو أن ماذا لو بعد كل هذا لم أُفهم كما أنا، ولا أعلم لم هذا الهاجس؟ ربما الأمل
وكأن فبراير بكل هذا قدم لي اليقين ذاك الذي يُقطع به الشك، اليقين الذي أستطيع الاتكاء عليه بدلًا من التذبذب في لدن الشك، حتى وإن كان يقينًا خلاف الذي أريده وأتمناه لكنه على الأقل (يقين) وواحدة أخرى من: لا بأس مشمش، لا بأس. أتوقع بانتهاء فبراير تهدأ الأمور، تعود الأيام لوتيرتها الروتينية الخالية من كل تلك المحاولات.
وفي الجهة الأخرى من فبراير، قرأت: مذكرات العمى/ رحلة عبر الظلام. وبدأت: يهود بلا مال + السطحيون: ما تفعله شبكة الإنترنت بأدمغتنا. عدت للخياطة والتطريز ومحاولات حياكة حقائب قماشية والتلوين، شهر مليء بالكثير من الصور والكتابة والهواجيس، وبضع لقاءات، وفي المدرسة قضينا يومين من أجمل ما يكون، يوم التأسيس بمشاركة الطالبات وآخر يوم مفتوح للمعلمات فقط، فبراير كان شهرًا خاليًا من المشي والخطوات! ماذا أيضًا؟ بدأت أسلوب كتابة مختلف ويبدو أني متورطة بعض الشيء، الأول أسلوب موسوعي والثاني وصفي تسويقي.
اختم بما قالته روضة الحاج وكأنها كتبته عن لساني بعد كل تلك الثرثرة:
لا بأسَ ليست تلك آخرَ طعنةٍ فلكم أمضَّتنا مُدىً ورماحُ ولكم خُذلنا في الذين نحبهم وتعاورتنا في الطريقِ جراحُ! لا بأسَ قد تعتادُ يا قلبي الذي أعياه رغمَ بيانِه الإفصاحُ فاصمتْ فقد يُنجيك حرفٌ أبكمٌ ويجيرك الإضلالُ لا الايضاحُ أتعبتني وتعبتَ هذا عمرُنا يذوي متى يا صاحبي نرتاحُ؟
أمس الخميس صباحًا، بينما كنت جالسة في فناء المدرسة غارقة في جمال الطقس وأجواء الاحتفال بيوم التأسيس وصلني تنبيه من WordPress:
إذًا ها نحن -أنا والمدونة- وصلنا إلى السنة الرابعة! أنا التي كنت أحذف المدونة قبل إكمالها الشهر الأول، هذه المرة بقينا. أربع سنوات و318 منشور و9 مسودات. قلتها سابقًا وأكررها الآن وكل عام، قرار المدونة من أجمل قراراتي، أن يكون لي عالمي الهادئ أكتب فيه ما يحلو لي دون أي اعتبارات تؤخذ، خط زمني تراكمي هذا والله يعني لي الكثير. أحمل مشاعر خالصة تجاه مدونتي، هي باختصار لها من اسمها الكثير: مكاني القصيّ.
وللعابرين من هنا، سلام عليكم، على من يتابع، يقرأ، يعلق أو يبعث برسالة، شكرًا لكم. وبينما أكتب مسودة هذه التدوينة وصلتني رسالة لطيفة على تويتر، كتب في جزء منها:
المهم أكتب إليك بعد أن قرأت إحدى تدويناتك وأنا أنتظر (ادخرت آخر فصل من الكتاب الذي رافقني للمطار) وكنت سعيدة بأن أرى أحدًا يكتب أفكارًا تعكس بعض ما أفكر فيه أو تصف شعورًا مرّ علي بالاضافة لبعض التشابه بيننا أصولنا في منطقة جازان أو العمر فأنا في سن الثلاثين معك وأشياء أخرى قرأتها في حسابك أو مدونتك جعلتني أتمنى أن أراك يومًا ما.
هنا احتفالية صغيرة بالسنة الأولى للمدونة (2020)، وهنا السنة الثالثة (2022)، أما السنة الثانية (2021) يبدو سقطت سهوًا لكن بالعودة إلى تدوينات شهر فبراير من 2021 وما كنت أعبر خلاله أتفهم جيدًا عدم التفافي إلى عُمر مدونتي حينها.
وعن التدوين والمدونات تقول ريتا خوري في كتابها أسرار صغيرة:
نكتب اليوميات لأنفسنا، ولا أعرف حقيقة ما الذي يدعوني لاستبدالها بهذا الموقع المعرض للقراءة من قبل أشخاص افتراضيين.
وأنا أقول يا ريتا كان هذا السؤال هو ما يمنعني من الاحتفاظ بمدونة شخصية، ولاحقًا بعدما قلبت حياتي رأسًا على عقب نتيجة نص كتب هنا، كم تبدو العبارة مضحكة؟ أو كم تحمل من السخرية؟ لكنها واقعية. بعد كل ما حصل، فقدت رغبة طرح أسئلة أو كما قلت أخذ أي اعتبارات في الحسبان، أكتب وحسب هذا كل ما في الأمر. والحمدلله لم أفقد رغبتي في الكتابة وإلا جننت!
اليوم الأحد أجلس إلى مكتبي في المدرسة وأكتب في دفتر يومياتي كل ما يدور في رأسي، أكتب لأن كل أحد لدي بين ثمانين إلى تسعين دقيقة قبل بدء ماراثون الحصص، ولأني لم أكتب يومياتي لأسبوع كامل، التقت سطور الأحد الخامس من فبراير بسطور الأحد الثاني عشر. المعنى الذي تحمله سطور اليوم هو النقيض لما كتبته الأحد الماضي، حتى على مستوى الشعور الذي وصفته. يبقى السؤال الظاهر: لماذا؟ وتلتف معه كل الحيرة الكامنة في نفسي. ثم تأتي بعدها المواساة، لا بأس مشاعل. أفكر في كل ما كان، ما حدث، ما كتب، ما أرسل، ما قيل.. ويعود السؤال من جديد: لماذا؟
لا بأس أن نعبر تناقضات، وحيرة، وغباء، المهم على الأقل أنا أعلم بأن جزءًا صادقًا كان يلازمني، صدق شعوري، وصدق تصرفاتي وإن بدت حمقاء، لا شيء كالكتابة في حالة كهذه، بل والكتابة باستفاضة. الأمر حين أفكر فيه، أراه مجمع لكل ضد وضده، بسيط ومعقد، واضح ومبهم، ثم يظهر مرة أخرى سؤال: لماذا؟ وكأن به تختم كل محاولات الفهم، أو كما يقول محمد عبدالوهاب: كلدهكانليه؟ لكن حقًا، لماذا كل هذه التعقيدات؟ والصعوبات؟ في حين أن الأمر أبسط بكثير؟ لماذا لا يكون الوضوح سيد الموقف؟ عجيب..
استغرقت في الأمر كثيرًا؟ بالطبع! إذ لا أحد يمد يده هناك في الجهة الأخرى، إضافة إلى ما حدث مؤخرًا وهو مما لا يقبل…اممممم، على كل حال، الأحد الحالي نقيض للأحد السابق، لنرى كيف سيكون الأحد القادم إن أراد الله.
على الهامش: ركض اليوم لم يكن عاديًا! حصة ٣ -مناوبة فسحة- حصص ٤-٥-٦!
استيقظت اليوم باكرًا وكان الطقس باردًا لذا تناولنا وجبة الفطور من أمام البحر، وطوال الأيام الثلاثة الأولى من فبراير كنت أفكر في كتابة ملخص لشهر يناير، كالعادة كانت تأتيني الأفكار بل والعبارات كاملة جاهزة ورأسي على المخدة، لا طاقة لي حتى إلى كتابتها في ملاحظة الجوال.
مع بداية العام، أضفت بعض الأفكار إلى روتيني، منها ما هو يومي، وآخر أسبوعي أو شهري، الإضافة الأولى تتعلق بكتابة ملخص عند انتهاء كل شهر ميلادي، شرط ألا أبدأ الكتابة فعليًا إلا بعد انتهاء الشهر تمامًا. والجميل في الكتابة أننا من خلالها نعطي الأشياء حجمًا إضافيًا لما هي تشغله في الواقع، بمجرد أن فكرنا الكتابة عنها. مررت بتدوينات لأشخاص يكتبون تماما كما أريد، كل حدث صغير وعادي وعابر في أيامهم قادرين على تحويله إلى نص بديع، دون مبالغة: يمارسون الكتابة عن كل وأي شيء! عن الأشخاص والمواقف والكتب والحوارات والخيبات والأفكار والمشاهد والاقتباسات …. إلخ. هذا ما أردته، وكتبت فقرات حوله في رسائلي، حتى بالعودة إلى دفاتر يومياتي، تظهر وتتكرر هذه الرغبة، وهذا ما حصل في يناير، كتبت عدد جيد من النصوص القصيرة في دفتر يومياتي، يغلب عليها أسلوب الوصف، ما زلت بحاجة للكتابة أكثر، لاقتناص كل ما يمكن توسيعه في كتابة تضفي عليه لمسة أعذب!
تجاوزت معظم الأسبوع الأول من يناير، ولم أكتب يومياتي إلا في اليوم السادس مختصرة كل ما حصل، الثالث من يناير احتوى أكثر الأشياء التي رغبتها منذ عشرين شهرًا والحمدلله، الأمر أشبه بحلم لكنه حلم واقعي. وهنا يجدر بي ذكر ما فعلته، بداية أنا لا أحب التوكيدات بفكرتها الخالصة ولا أنتمي إطلاقًا لهذا النوع من التفاعل مع الحياة، حتى أني وبكل صراحة بحثت عن حكم شرعي حولها، الأمور العقائدية مخيفة بعض الشيء، بدأت كتابة بعض مما أردده، كان الأمر محاولة إمساك بما أقوله لنفسي دومًا، الكتابة قيد وتذكير، كنت بحاجة لإعادة سماع بعض القناعات.. كتبتها وأعدت قراءتها، العجيب أن لهذا أثر جيد، أرى أساسه (التذكر) عرّضت رأسي لما هو مغيب فكانت هناك استجابة جيدة.
كتبت رسالة طويلة واحدة، بدأتها وأنهيتها خلال الأسبوعين الأخيرة من الشهر، كانت مسودة طويلة.. لكن بقاؤها كثيرًا على غير العادة جعلني أرغب في حذف أجزاء منها واختصار أخرى، ما زال يدهشني فعل المشاركة، كيف ولماذا نرغب في مشاركة شخص دون غيره؟ غريب عجيب أمر الإنسان.
يناير يعني عودتي للقراءة، قرأت خلاله مجموعة من الكتب بشهية واسعة، النص والحياة ثم ماركوفالدو ثم قراءات من أجل النسيان ثم لن تتكلم لغتي وأخيرًا إعادة قراءة كتاب أسرار صغيرة. بدأت كذلك فكرة عمل قائمة في تطبيق Google maps للأماكن التي أذهب إليها بالطبع ليست كلها إنما المميز منها مع تقييمها وكتابة شيء قصير جدًا. مشيت في يناير كثيرًا، تطبيق الخطوات يخبرني بالجزء الذي يكون الجوال برفقتي، قاربت على 140 ألف خطوة، بمعدل 5000 يوميًا، لكني بالتأكيد أمشي ضعفها.
لحظات لا تنسى:
وصفها يختصرها، هي لحظة واللحظة لغويًا: الوقت القصير بمقدار لحظ العين. لكنها لحظة تحمل معنى يفوقها طولًا وعمقًا، وهنا بعضها وليس كُلها.
في الحادي عشر كتبت: وفي غمرة شعوري المثقل تلقيت اتصالًا من — عند الساعة 7:51م حول — كان الاتصال كالماء للظمآن.
في السادس عشر كتبت: طلب اتصال، ثم نص جميل ومكالمة لـ 18د حركة تعني لي الكثير، وجاءت في وقتها.
العشرون: كنت في مقهى وكتبت كما لو أنها المرة الأولى التي أواجه فيها نفسي، ساعة من الكتابة وصفتها: المكان هادئ نسبيًا، على الأقل استطعت كتابة وتفريغ كل الزحمة والفوضى التي ملأت رأسي لأيام، ما زلت أكتب وأظنني سأستغرق مزيدًا من الوقت، ملئت دفتري بالكثير من علامات الاستفهام، هذه الأسئلة هي وأفكارها ما رافقني في جميع أوقاتي طوال الأسبوعين الماضية، وبالتحديد أثناء قيادة السيارة، كنت -على غير العادة- لا أريد الاستماع إلى بودكاست أو موسيقى، لا أريد أي صوت سوى رأسي! أو كما يقول ساراماغو: لا شيء من أي شيء. انتهت فترة (التخمير) وحان وقت إخراجها للنور، كتابتها، مواجتها والوصول إلى نقاط ترضي جميع الأطراف (أنا وأفكاري*ضحكة*) على الرغم من كونها فترة مليئة بالأسئلة، لكن في الجهة الأخرى.. هي فترة هادئة، لا انتظارات ولا توقعات، إنما لحظات وأيام لتعاش، وهذا فضل عظيم فالحمدلله دائمًا وأبدا.
في الثالث والعشرون: كتبت نصًا في لحظة شعور كثيف، لحظة مختلطة من غضب وخيبة حولتهما إلى نص أدبي كتب بطريقة لا أعلم كيف وصلت إليها، أعجبتني جدًا إلى الحد الذي يمنعني من مشاركتها في أي مكان!!! قبل هذا اليوم كنت بحاجة للاطمئنان، ولاتصال لا من أجل تبادل أي شيء سوى الحال والأخبار! وحماسي واندفاعي كانا واضحين… ثم صار واتصلت، وبعدها ماذا؟ أُغلقت المكالمة في وجهي 🙂 لحظة عصية عن الفهم! حاولت إعادة صياغة ما حصل، ربما مشكلة في الشبكة، أو انتهت بطارية الهاتف أو حدث أمر ما… لم أرغب فهم ما حصل فعلًا! ولا أريد الإسهاب لأني حتمًا سأقول ما (يزعّل) فالأمر لا يبرر لو كنت أنا لقلت ببساطة: معليه بس حابة أقفل! أي شيء به لمسة ذوق أو أدب أو احترام، قد أتفهم لكن هذه المرة بالذات أصبت بخيبة لشعوري الذي يسبق هذا الاتصال، أتفهم لكن الزعل موجود، وعوضًا عن أي فعل كتبت ما يمكنني تصنيفه إلى أجمل ما كتبت منذ فترة طويلة جدًا. نص جميل بفكرته وهو لا يشبه الحدث في شيء إنما أشبه ما يكون بانتقام لي بطريقة أدبية هههههههه.
شخصيات:
كان على خلاف ما اعتدنا عليه من البشر، يجذبه إغلاق الأبواب والنوافذ الموصلة إليه، وإعادة القادمين إليه رجوعًا قسريًا إلى حيث أتوا، يشعرهم بثقلهم وغرابتهم التي هي ربما انعكاسًا لشعور ما يسكنه. الأكيد رغم كل هذا، أن ما هو عليه الآن، ليست نسخته الأصلية، أكاد أجزم بأن هناك نسخة أفضل مخبئة في مكان ما، قد تكون الظروف تحول دون ظهورها، لكن حتمًا موجودة.
حلل عبدالسلام بنعبد العالي في كتابه قراءات من أجل النسيان، جائحة كورونا تحت عنوان (سنة القطيعة) تحليلًا عميقًا، يبدو لمن عايشها كما لو كان مراجعة شاملة لتلك الفترة بتجاربها المختلفة. وقال أنها ذكرته برواية الطاعون، وهي مما حرصت على قراءته خلال الفترة الأخيرة من الجائحة. 🤝
يقول عن الرواية: ❞ كان للجائحة، ككلٍّ ما يترتَّب عن تجدُّد العلاقة بالموت، وَقْعٌ شديدٌ على «الوضع» الأنطلوجي للفرد، ذكَّرنا بما كانت شخوص رواية الطاعون لألبير كامو تطرحه من أسئلة. لا عجب أن ترتفع مبيعات تلك الرواية عند الجائحة، بشكل مدهش سواء في فرنسا أو في إيطاليا. فهي كانت تصوِّر مختلف أشكال ردود الفعل ❝
يصف بنعبد العالي سنة جائحة كورونا بأنها كانت سنة ذات تحولات جذرية على مستويات عدة، بحيث أعدنا النظر في الكثير من الثوابت، إلى الحد الذي يمكننا أن نصفها بالقطيعة ومعنى هذه المفردة كما وصفها: هي لحظة انفصال العلم عمّا قبل تاريخه.
يعدد بعد ذلك كل ما لحقه هذا التغيير، أولًا: المؤسسات التعليمية والإدارية، وأن الجائحة عجّلت وعممت تطورهما المتوقع لكنه كان مؤجلًا إلى حين ظهور الجائحة والتي بدورها أتاحت لنا فرصة التعلم دون الحاجة للذهاب إلى مدارسنا، والأمر ذاته مع الأعمال الإدارية. على هامش هذه الفقرة، يجدر بي ذكر أني استفدت بشكل شخصي من التغير الحاصل للمؤسسات التعليمية والإدارية، فالتعليمية كنت بين دورين أثناء الجائحة، إذ أتممت فترة من تعليمي الجامعي كما كنت في الجهة الأخرى معلمة أشرح لطالباتي، حينها كنت معلمة للصف الرابع الابتدائي والثاني متوسط، وهناك بعيدًا عن التعليم، شرعت بقضيتين في المحكمة، بدأتهما وانتهيت منهما وجميع الجلسات كانت عند بعد!
ثانيًا: تحدث عن الثقة في المعرفة العلمية والتي أصابها خلل كما يرى، إذ اهتزت الثقة بمصداقية العلم، وظهر عوضًا عنها اللايقين العلمي، وتضارب التأويلات واختلاف آراء العلماء، وخص بالذكر العلوم الطبية، والتي يرى أنها فقدت شيئًا من هيبتها، وصارت حديث الجميع، والكل يدلي بدلوه -رأيه- كيفما يريد حول طبيعة الفايروس، انتشاره أو حتى علاجه.
ثالثًا: وسائل الاتصال، يرى بنعبد العالي أنها المستفيد الأكبر من الجائحة، كانت أشبه ما تكون بالجندي المجهول، وصفها بأنها المنقذ المعوّل عليه في تخفيف حدة ما نزل، تحول كل شيء بوجودها إلى (عن بعد) تعليم وعمل. كما أنها خففت من العزلة وحافظت للأفراد قدرتهم على التعبير إذا ما فقدوا قدرتهم على الحراك والانتقال.
رابعًا: يذكر أن الجائحة أنعشت دور (الدولة) بالعموم، وأوضحت أنها المسؤولة عن رعاية حياة المواطن، وعن الحياة الاجتماعية بأبعادها كاملة، وتحول هاجس الدول إلى الهدف الأول: هاجس الصحة. وأمام فايروس كورونا برز دور المصلحة الخاصة من أجل المصلحة العامة متمثلًا في الصحة الفردية من أجل صحة المجتمع، فسلامة كل فرد مرتبطة بسلامة المواطنين جميعهم.
أخيرًا: يختم بنعنبد العالي: ❞ نلمِس هنا التحوُّل العميق الذي خلَّفه الفايروس، ليس على الأفراد هنا وهناك، وإنما على الوضعية البشرية برمَّتها. إنسان آخر تولَّد عن الجائحة. لم يعد الإنسان هو هو سواء في علاقته بالآخرين أو بالمؤسَّسات الاجتماعية أو حتَّى في علاقته بالوجود. ❝
هذا من فوائد القراءة أثناء الإجازة، لا يكفيك أن تقرأ.. إنما تكمل بكتابة ما يدور في رأسك، بدأ الأمر بتغريدة وانتهى بما يشبه المقال 😊