أسهب مارسيل في ذكر أهمية قبلة والدته له قبل النوم عندما كان طفلًا، موضحًا حرصه عليها بتفصيله لأكثر من مشهد كانت القبلة والحصول عليها هي كل ما يتحدث عنه، أبرزها رسالته إلى والدته والمرسلة بالاستعانة بالخادمة أثناء سهرها ذات ليلة وما رافق ذلك من قلق وتخطيط وكأن الأمر حياة أو موت! ثم ما انتهى به الحال حينها.
حديثه عن قبلة ما قبل النوم أعادني إلى سنوات ما قبل المدرسة، وبالتحديد إلى السنوات المبكرة جدًا قبل حتى ذهابي إلى الروضة. تلك الفترة من عمري ارتبطت بقصة وتهويدة ما قبل النوم، كانت الجزء الثابت في يومي قبل تعلمي القراءة، الجزء الحاضر دومًا لأنه قد يتحول إلى مكافآة متمثلة في عدد إضافي من الصفحات التي تقرأها علي والدتي أو مضاعفة مرات تكرار التهويدة، الأهم هو عقدنا لاتفاق ينص على ثبات عدد الصفحات المقروءة يوميًا، قد يزداد ولكنه لا ينقص، واستمرت هذه العادة الأقرب لقلبي حتى بعد دخولي إلى الروضة ثم التمهيدي، أي ما يقارب ثلاث سنوات من قصص ما قبل النوم وحرص ماما على تنوعها وما تحمله من قيم تربوية تناسب عقل طفلة بسنواتها التي بالكاد تتجاوز أصابع اليد الواحدة، والكثير مما كنت أعتقد حينها بغرابته، لذا كانت تتلقى ماما عدد لا بأس به من الشهقات والأسئلة والتحليلات.
قصص ما قبل النوم كانت قرار ومسؤولية ماما، هي من اقتنعت بأهميتها ثم لم تتوانى حفظها الله عن الاستمرار وتوفير أجمل القصص لسنوات، في الحقيقة أبدعت في اختيارها لمستوى ومحتوى وتنوع القصص والتي أراهن الآن على قدرتي في استرجاع الكثير من تفاصيلها.
أضف إلى قصة ما قبل النوم، كنت أقبض على كف والدتي لاقتناعي بأني متى ما أمسكتها بقوة يعني أنها لن تتمكن من إفلات يدها بعد استغراقي في النوم وستبقى بجواري إلى صباح اليوم التالي، إلى وقت استيقاظي، كل يوم كل يوم!
لا يمكنني اختصار وقت ما قبل النوم، أو ايصال معناه وقيمته وأثره في نفسي، كان طقسًا أثيرًا وهو وقتي المفضل أقضيه ملتصقة بوالدتي أستمع مشدوهة إلى صوتها وهي تلونه وفقًا لأحداث القصة، ختام لطيف ليومي ولفقرة النوم والتي عادة ما تكون غير مفضلة للأطفال في حين أني كنت أنتظرها بكل حماس.
لذا أفهم جيدًا أهمية قبلة ما قبل النوم بالنسبة لمارسيل، أفهم ارتباكه أمام احتمالية عدم حصوله عليها لأي سبب كان وكيف يبذل قصارى جهده في المحافظة عليها.


