مارسيل بروست وقبلة ما قبل النوم

أسهب مارسيل في ذكر أهمية قبلة والدته له قبل النوم عندما كان طفلًا، موضحًا حرصه عليها بتفصيله لأكثر من مشهد كانت القبلة والحصول عليها هي كل ما يتحدث عنه، أبرزها رسالته إلى والدته والمرسلة بالاستعانة بالخادمة أثناء سهرها ذات ليلة وما رافق ذلك من قلق وتخطيط وكأن الأمر حياة أو موت! ثم ما انتهى به الحال حينها.

حديثه عن قبلة ما قبل النوم أعادني إلى سنوات ما قبل المدرسة، وبالتحديد إلى السنوات المبكرة جدًا قبل حتى ذهابي إلى الروضة. تلك الفترة من عمري ارتبطت بقصة وتهويدة ما قبل النوم، كانت الجزء الثابت في يومي قبل تعلمي القراءة، الجزء الحاضر دومًا لأنه قد يتحول إلى مكافآة متمثلة في عدد إضافي من الصفحات التي تقرأها علي والدتي أو مضاعفة مرات تكرار التهويدة، الأهم هو عقدنا لاتفاق ينص على ثبات عدد الصفحات المقروءة يوميًا، قد يزداد ولكنه لا ينقص، واستمرت هذه العادة الأقرب لقلبي حتى بعد دخولي إلى الروضة ثم التمهيدي، أي ما يقارب ثلاث سنوات من قصص ما قبل النوم وحرص ماما على تنوعها وما تحمله من قيم تربوية تناسب عقل طفلة بسنواتها التي بالكاد تتجاوز أصابع اليد الواحدة، والكثير مما كنت أعتقد حينها بغرابته، لذا كانت تتلقى ماما عدد لا بأس به من الشهقات والأسئلة والتحليلات.

قصص ما قبل النوم كانت قرار ومسؤولية ماما، هي من اقتنعت بأهميتها ثم لم تتوانى حفظها الله عن الاستمرار وتوفير أجمل القصص لسنوات، في الحقيقة أبدعت في اختيارها لمستوى ومحتوى وتنوع القصص والتي أراهن الآن على قدرتي في استرجاع الكثير من تفاصيلها.

أضف إلى قصة ما قبل النوم، كنت أقبض على كف والدتي لاقتناعي بأني متى ما أمسكتها بقوة يعني أنها لن تتمكن من إفلات يدها بعد استغراقي في النوم وستبقى بجواري إلى صباح اليوم التالي، إلى وقت استيقاظي، كل يوم كل يوم!

لا يمكنني اختصار وقت ما قبل النوم، أو ايصال معناه وقيمته وأثره في نفسي، كان طقسًا أثيرًا وهو وقتي المفضل أقضيه ملتصقة بوالدتي أستمع مشدوهة إلى صوتها وهي تلونه وفقًا لأحداث القصة، ختام لطيف ليومي ولفقرة النوم والتي عادة ما تكون غير مفضلة للأطفال في حين أني كنت أنتظرها بكل حماس.

لذا أفهم جيدًا أهمية قبلة ما قبل النوم بالنسبة لمارسيل، أفهم ارتباكه أمام احتمالية عدم حصوله عليها لأي سبب كان وكيف يبذل قصارى جهده في المحافظة عليها.

مفاضلة

أحاول دوما فهم نفسي، إدراك ما أعبره ويعبرني، كما أحاول الاستغراق في كل شعور كما يقتضيه على افتراض لا إفراط ولا تفريط، قد أنجح في ذلك أحيان دون أخرى، وتستمر محاولاتي بهدف الخروج بما لا يسمح لتكرار ما كان إن رافقه ألم أو ثقل أو أي يكن مما لا أرغب بتكراره.

الآن أعيش أيامي جاهدة في الإمساك بما أكمل به، بعيدًا عن حجم/ كمية التفاصيل الجميلة -جدًا- التي عشتها في الفترة السابقة والتي بالضرورة سأبقى أتذكرها هي كما هي، لا يمكنني بحال غير ذلك! فجمالها ووقعها في نفسي عظيم وأصيل، لا يقتصر الأمر على الجمال وحسب، هناك الكثير فعلًا.

لكن إلى جوار ذلك مررت بفترة كانت ثقيلة، كتبت عنها هنا، وتلك الفترة هي أول ما ظهر في رأسي عندما انتهى الأمر، لماذا؟ لأني ببساطة قاومت خلالها أمورًا جوهرية تهمني ولشدة أهميتها وصل الحال إلى أشبه ما يكون بالمراوحة بينها والعاطفة، وبالطبع رجحت كفت الأخيرة، ولأن ما آلت إليه الأمور كان خيارًا واردًا حينها.

قد نُسلب بعضًا من قوانا أمام ما يعجبنا جملة وتفصيلًا، هذا ما اكتشفته مؤخرًا، والآن لن أثقل على نفسي، لا فائدة من ذلك إنما المستفاد من هذا أن الأمور لا تؤخذ بالعاطفة فقط وإن رغبنا بشدة شديدة جدًا! والأهم ألا نهمش تفاصيلًا وإن صغرت، أتذكر جيدًا استغراقي حينها في حيرة ألقت بثقلها على أيامي، حيرة من تلك التي لا أعلم معها كيف سأقرر فتزداد الأوقات ثقل وأبعد خلالها من شعور الراحة وأن أكون: أنا.

عادة وهذا الطبيعي، أن يفكر المرء بتضمين كل ما يهمه في الوصول إلى قرار، كل التفاصيل تؤخذ بعين الاعتبار من أجل المفاضلة بينهم، أيهم أولى وأيهم يمكننا الاستمرار مع وجوده وأيهم يفضل ألا نستمر وأيهم يستحيل معه مضينا قدمًا، هذا ما اعتدت عليه في قراراتي. إلا هذه المرة -لسبب أعلمه- في الحقيقة لم تكن التفاصيل عابرة ولا حيرتي، أتذكر جيدًا ما كتبته، كنت عبارة عن كومة من التساؤلات، مع ذلك لم أملك شجاعة كافية واخترت الطريق الأسهل لاعتبارات عدة آخرها نفسي مع اقتناعي لحد كبير!

كما قلت في التدوينة السابقة، كل يوم أخف من سابقه، لكن رأسي محموم بعض الشيء، ومتعجبة من نفسي، وما زال الوقت مبكرًا لكن إن كنت سأذكّر نفسي بشيء مما كان -حتى الآن- هو الوقف بحزم أمام ما يهمني وإن كان أثره يصل إلى تغيرات كبرى أو ضد ما أتمنى وأرغب وأريد، وألا أهمّش ما أعلم بأهميته بالنسبة لي، وألا يقتصر نظري إلى المدى القريب مع واقعية وعقلانية في الحكم. والأهم: الاهتمام بالأولويات دومًا.

من قبل ومن بعد، نحن وأيامنا بكل ما فيها بين يدي حكيم عليم، لكن بطبيعة الحال (بشريتنا) تفرض وجودها 😃

It’s Okay

أجلس الآن إلى طاولة في مقهى عوضًا عن تواجدي في كلاس الزومبا، أجلس إلى ذات الطاولة التي اتكأت وكتبت عليها في يوم وأنا ممتلئة بشعور مضاد لما أشعر به الآن، العامل المشترك بين المرتين تخمة وكثافة الشعور.

لا مشكلة لدي مع النهايات، هي شيء حتمي كالبدايات، لكن النهاية السريعة أو المفاجئة تأتي مرهقة أكثر، هي نهاية وانقطاع للكثير ودفعة واحدة، تقطع معها (فجأة) كومة من الأشياء التي ربما غدت في سياق العادة، التفكير والتخطيط والمأمول والمنتظر وملئ الأوقات والتوجه والمحادثات والمشاركة.

بالنسبة لي تكمن النكتة وحقًا أعنيها في كرم السنوات الثلاث الأخيرة بسلسلة خيبات من العيار الثقيل، المواساة كل المواساة في خيرة الله، وأنها الحياة! لا بأس بالكثير أو القليل من الحزن والإحباط، غدًا بالطبع أخف من اليوم وبعد شهر لن يكون بحدة الآن. لكنها النفس البشرية…

لا أريد القفز على ما أشعر به، أو ادعاء مغادرة سريعة غير مكتملة تبقي منها جزء يلاحقني، كما وفي الجهة الأخرى، لا أقبل الغرق والمكوث طويلًا، وهذه الموازنة تستحق بذل ما يحققها.

كل ما أريده هو البقاء وحدي والكتابة كثيرًا. فكرت كمحاولة لمزاحمة تفكيري البدء في سباعية مارسيل بروست: بحثًا عن الزمن المفقود. هل سأكملها؟ هذ ما سأعرفه لاحقًا.

مرة أخرى: لا بأس مشاعل، لا بأس.

أن أكبر مرتين

كعادتي في العطلة الصيفية، أميل إلى روتين هادئ وبسيط لكنه في الوقت نفسه يجعل من كل يوم كما لو أنه يوم جديد أو على الأقل هناك ما ينتظرني أو أنتظره، لم أبتعد كثيرًا عن عادتي هذه المرة، لكن ثمة اختلافات خاصة بهذه العطلة.


قبل قليل شعرت بحاجتي الشديدة للكتابة، هناك ما أود تفريغه، تأمله ومن ثم إعادة ترتيبه. مؤخرًا زادت الفوضى وتداخلت الأصوات مع الصدى، وأنا مذ عرفتني لم أتصالح مع الضوضاء، لذا لابد من فعل شيء ما يخفف من صخب رأسي فكانت الكتابة.

مرة أخرى، قبل قليل أمسكت بدفتر يومياتي وشرعت في الكتابة، احتجت إلى الحديث طويلًا وتفصيلًا.. وعندما بدأت تدوين اليوم ثم التاريخ في التقويم الهجري يمينًا والميلادي يسارًا، أدركت بأن اليوم يصادف تاريخ ميلادي بالهجري، إذًا، ها نحن من جديد مع ختام السنة الذي يصادف قدومي، وكما قالت لي صديقة ذات مرة بما معناه: جئتِ قبل السنة الهجرية بأيام وكأنك تريدين بذلك استقبالنا! اممم قالتها منذ ما يقارب العشر سنوات وأعجبتني لذا أهمس بها إلى نفسي حين أتسائل ماذا لو صبرتِ يا مشاعل قليلًا، ساعات إذا لا تريدي حسابها بالأيام؟ فتخرجي للنور غرة الشهر والسنة الهجرية التالية؟ لا بأس، من الناحية الأخرى وكما يقال: ختامها مسك.
الغريب، أنه ولأول مرة يلتقي يوم ميلادي في التقويمين الهجري والميلادي خلال شهر واحد، فذو الحجة احتوى السابع والعشرين من يونيو والسادس والعشرين من ذو الحجة، وبإعادة قراءة الجملة الأخيرة قد يتضح جليًا كيف أني أميل إلى اللحظات الأخيرة -فعلًا- منذ البداية.


كانت لدي قائمة قصيرة بقيت عالقة في رأسي لأسبوعين كاملين! تحتوي غرائب هذه السنة والتي أقصد بها هذا الشهر، القائمة كاملة عبارة عن عنصرين أحدهما الآنف ذكره، والآخر هو أنه ولأول مرة يتساوى عمري بالهجري والميلادي، أليست ملاحظة تستحق أن تدوّن؟ بالطبع نعم!

يونيو: قيظ

بالعودة إلى كتابة ملخص للشهور، يونيو كان الأغرب بلا منازع، الأمر يشبه خروجي إلى أماكن جديدة في معظمها بينما قضيت جل وقتي أقف في ظل علامتي استفاهم وتعجب من ظهيرة يوم قائظ مقطبة حاجبي أحاول استيعاب المكان الذي أقف فيه.
العجيب أن الحالة الغرائبية هذه لم تحدث بالتدرج أو لم يكن لكل أسبوع شكله الخاص به، إنما وكأن هناك زر ضغط في أول الشهر وبقي على حاله دون منقذ حتى مع اقتراب إعلانها حالة طارئة.
كنت في مواجهة علمي بوجود خطب ما، لكن أجهل تمامًا الطريقة الملائمة للتعامل معه والتي تحول دون تفاقمه، أرى أن الأمور كانت تزداد حدة بمرور الأيام بخلاف العادة، لم تكن تتحسن.


عشت شهرًا أبعد ما أكون فيه عن العقلانية، بل غارقة في عكسها، وأنا أرتدي نظارة كان من باب أولى أن يكتب في وصفها كما كتب على مرآة السيارة: الأجسام الظاهرة في المرآة تبدو أصغر وأبعد مما هي عليه في الواقع. هذه العبارة احتجتها احتياج الغريق لخشبة نجاة، تبدو جملة درامية؟ تمامًا هذا حالي في يونيو: تضخيم ودراما وغرابة تفكير وتحليل لا أعلم من أين يأتي وأفكار لا ينتمي أنا وهي إلى بعضنا الآخر، ببساطة لم أكن أنا< هذه الأخيرة درامية أيضًا؟ لا بأس لابد من وصف الشهر بما يناسب حال عيشه.
رافق كل ما سبق، أني كنت (أنقد) على نفسي ولكن لا أتجاوز ذلك، أي لا حيلة للتعاطي مع الأمر، وهذا انعكس على نفسيتي أكثر وزادت الأمور سوء. لم أكن أفهم أو أرى كل شيء كما هو، ثم ألاحظ ذلك بعد فترة قصيرة فأحاول إصلاح الأمور لأكتشف عطبًا جديدًا يلوح في الأفق..


هذا يجعلني أتأمل الإنسان ونفسه، ويعيدني إلى فترة قرأت فيها عن السلوكيات وتفسير كل شعور، أظنني بحاجة للعودة إلى تلك الكتب، كما وأني تعجبت من تعقيدات النفس، حين يتحول أمر ما إلى: أنت تعلم (ماذا) لكنك لا تدرك (كيف) فهل يجدي نفعًا إدراك نصف الشيء؟ لا أعلم. أدرك أن هناك خطب ما، في الوضع الطبيعي لا أتخذ أي قرار، لا أفعل شيئًا حتى أهدأ، لأني أعلم نتيجة هذه التصرفات الفورية، لكن هذه المرة كنت أقفز قفزًا مظليًا، أو سقوطًا حرًا إلى كل فعل (فوري) فزدت الطين بلة مرات عدة.


ما أعلمه هو أن نسخة مشاعل في يونيو كانت عجيبة! أيعقل أن يكون هذا حالنا في الشهر الذي ولدنا فيه، بصيغة أخرى: هل هذه متلازمة شهر الميلاد؟

31

كتبت ما أريد في رسالة طويلة، وما هذه التدوينة إلا محاولة للحفاظ على العادة التي أريد لها أن تستمر، وهنا أقتبس بعضًا منها مع الكثير من الحذف والتعديل.

كعادتي في كتابة تدوينة في السابع والعشرين من يونيو لتكون موجزًا لعام كامل، تحمل من الرمزية الكثير وبها ما يساويها كذلك من الوضوح، إلا أن هذه السنة تستحق الاستثناء كما لو أنه -الاستثناء- وجد في أيامي لسبب يتسع معه قلبي. بدأتها هنا في المدونة العام الذي بلغت فيه السابع والعشرين، على شكل تدوينة اختصر بها أبرز أو أهم ما حدث في عامي المنصرم كملخص أميز به سنواتي، عامي (الخاص) يبدأ وينتهي بالطبع بتاريخ ميلادي، وهذه السنة بكل ما احتوته إلا أن أمرًا واحدًا يتقدم كل ما كان، إلى الحد الذي يدفعني لأسمي عامي كاملًا به.

حياة كل واحد على هذه البسيطة عبارة عن محطات، يبدو كلامًا مكررًا؟ نعم. لكنه واقعي جدًا، وما نحن لولا التبدلات والتغيرات التي نعبرها أو تعبرنا. مررت في حياتي بالكثير مما يوصف بالجمال، لكن والله ولا أجمل مما حدث لي هذا العام! وإن كانت المشاعر لا تعزل في حالة كهذه، لكن -حين أفكر- بعقلانية ربما، أرى أنه أكبر من مجرد مشاعر. أتعلم تلك الحالة حين يكبر المعنى في صدرك وتعجز عن قوله حرفًا أو صوتًا؟ هذا بالضبط حالي إذا ما أردت الحديث. لا يهم حقيقة إن قلت حماس أو اندفاع أو أو أو لأني أعلم بأنه ليس كذلك، هذه حالة خاصة خالصة أعيشها، كما لو أن قلبي طفل يستكشف زاوية جديدة في الحياة.

وبالمجمل كان عامًا لطيفًا هادئًا، حظيت فيه بالكثير من الأوقات الطيبة والحمدلله, والعقبى لقادم العمر.

ليس إلا

التقطتُ الصورة كعادتي المفضلة في الرد عن سؤال اطمئنان هو كذلك مفضل بالضرورة.

تشير الساعة الآن إلى العاشرة من مساء الاثنين، بعد يوم طويل ومرهق جدًا. وهذه المرة هو كذلك إلى الحد الذي أتخيل فيه كل حرف من (طويل – مرهق) يقف ممشوقًا يتباهى بأداء دوره على أكمل وجه في مسرحية أيامي، مجسدًا بكل اتقان كل معنى يمكن أن يتضمن هاذين الوصفين.
بدأ يومي مثل أي يوم عمل، ولمزيد من الدقة: مثل أي اثنين، وهو يقتبس بعضًا من ثقل الأحد الذي لا يضاهيه ثقل لكنه أقل حدة وأكثر ازدحامًا، على أية حال.. كنت أريد اقتباسًا أتوارى خلفه يمثلني ويختصر حالي وأريح به رأسي من محاولة الكتابة، لكنها حال مركبة، تستدعي كتابة نص تملأه الفوضى وكومة جيدة من الأشياء وضدها، تمامًا كحال رأسي والأفكار تحوم بين جنباته لا تأبه سوى بتسجيل حضورها، لا بل حضورها الكثيف.

هذه المرة لا أريد الإسهاب في وصف أيامي، أميل لإبقاء بعضها لي وحدي، لكن اليوم وأمس حصل بهما ما يسترعي انتباهي ويستهلك مزاجي ويدفعني دفعًا مثقلًا للتأمل والفهم، ويؤكد لي أن لا ذنب يصلنا من وراء الصمت في كثير من الأحيان.. بخلاف الكلام!

وأنا بكتابتي هذه كما يقول سلطان السبهان:
أريد ولا أريد وصوت نار
بأفكاري، وغيم ما أغرّه.

هنا محاولة لتوثيق ما مررت به من انزعاج يزاحم هدوء أيامي وما أشعر به، كما يجدر بي الإشارة إلى أن شعور الانزعاج يمثل أقلية لكني خرجت منه بالكثير لذا أمسكت به، ولأني في غمرة انشغالي وتنقلاتي، استشعرت عظيم نعم الله، فالحمدلله دائمًا وأبدًا.

دائرة مغلقة

استيقظت ونظرت إلى جوالي بعين واحدة، تشير الساعة إلى السابعة صباحًا ودقيقتين، استيقظت قبل المنبه الأول بنصف ساعة، ودون قرار مسبق قررت الغياب. أكملت نومي إلى الثامنة والنصف، وكل ما فعلته بعد ذلك هو أني خرجت من غرفتي إلى الصالة. غياب غير مخطط له لكن كنت بحاجة إليه، أحمل معي كتاب (فلسفة التجرد الرقمي) أينما ذهبت، ومنذ الأول من أبريل عدت وحذفت جميع تطبيقات التواصل إلا واتساب وتليقرام، أيامي في رمضان مزدحمة بطريقة غريبة، لا ليست مزدحمة بل محشوة، ورأسي يلازمه صداع أو دوار طوال الوقت، وأنا غارقة بين تحضير الدروس وكتابة المقالات، كما لو أن حياتي قائمة على هاتين المهمتين فقط!
اليوم كان لدي موعد في عيادة، لم أدرك أنه في وقت حرج من اليوم سوى في الصباح، موعدي عند تمام الثامنة مساء، لا بأس بموعد هكذا لكن ليس في مساء رمضان! لأنه يلزمني الخروج من البيت على أقل تقدير الساعة 7:45م وهنا تكون ذروة دوخة ما بعد الفطور، وقبلها لابد من الاستعداد -_- لا أعلم أين كان عقلي حين سألتني الموظفة قبل أسبوعين: يناسبك الساعة 8م في رمضان؟ وأجبتها بكل حماس: ايوة مناسب! لا بأس، أكتب الآن وقد انتهيت منه، وبالمنسابة وصلت عند الاستقبال بالضبط عند الساعة 7:59م وانتظرت خمس دقائق قبل وصول موظفة الاستقبال الأولى.

خرجت بعدها والخمول الناتج عن الإرهاق يتسرب إلى جسمي، وجدت عربة للشاي فأخذت كوبين، لا أعلم الثاني لمن؟ ولكن عندما وصلت البيت رأيت خالي الكبير، سلمت عليه وناولته كوب الشاي، كان من نصيبه.

رمضان غير مناسب للدراسة، أو من جهتي.. غير مناسب للتدريس، الأمر مرهق مهما حاولنا تلطيفه، والطالبات في سبات عميق وإن كانت أعينهن مفتوحة، حاضرات دون أذهانهن! طريق العودة صار تحديًا مع مقاومة النوم، ولا محاولات تجدي مع تنظيم الأخير، مهما حاولت لا يستمر إلا يوم واحد ويعود كل شيء إلى الفوضى، الساعات تركض بغرابة، لا أعلم كيف نصل إلى منتصف كل يوم بهذه السرعة؟ إضافة إلى أن الجميع يريد ويطلب إنجاز مهام، وأنا؟ أشعر أني أدور في دائرة مغلقة مملوءة بمهام عمل لا نهائية، لا وقت لي كما هي العادة، أقضيه بفعل ما أحب. رمضانات ما قبل الدراسة كانت أفضل بكثير، أقل فوصى وساعات كافية لكل شيء.

تلازمني هواجيس جديدة هذه الأيام، من تلك التي تظهر في كل وقت وحين، ليست ثقيلة.. على العكس بل خفيفة وممتعة، بها الكثير من التأمل والامتنان. وماوس لابتوبي المربع الماثل أمام لوحة المفاتيح، تسرب الملل إليه عبر مؤشري اليمين واليسار، وصرت استغرق بضع ثوان إضافية وأنا أقنعهم بالعمل! ولا أحبذ الماوس الخارجي، ماذا أيضًا؟ حصلت على كوب جديد هدية من خالي، صورته له وأنا أشرب به شاي بحبق.


لا شيء محدد أنوي قوله، إنما أردت الكتابة وحسب.

مارسيات: إعادة ضبط المصنع

 ملخص مارس كان في أصله رسالة طويلة، وهنا جزء منا:

بدأ مارس بإجازة ما بين الفصلين -الثاني والثالث- وكانت إجازة بيتوتية يغلب عليها الهدوء، لكن مزاجي لم يكن في أحسن حالاته.. وبهذا الحال انقضى الأسبوع الأول من مارس، ولم أكتب من يوميات هذا الأسبوع سوى شذرات. 

جاء الأسبوع الثاني وقد اشتركت في مسابقة الترجمة بالجامعة الإلكترونية، واجتزت الثلاث مراحل الأولى، اختبار ثم ترجمة نص من العربية إلى الإنجليزية ثم ترجمة نص من الإنجليزية إلى العربية، لم أنتقل للنهائيات لكن ما اجتزته أسعدني حقًا. مازال حينها تفكيري مضطربًا وينعكس هذا جليًا على مزاجي، فأدخل في صمت مطبق، لاحظت صديقاتي في غرفة المعلمات وماما من قبلهم، هناك شيء ما يا مشاعل؟ وأنا أشبه ما يكون الأمر باختفاء أجزاء من مشاعل، إلى أن وصلنا للأسبوع الثالث، عندها قررت لابد من كتابة كثيفة أستدعي بها كل ما حدث فأخرجه كتابة لأول مرة وبها تكون الأخيرة، قررت أن أكتب دون استثناءات، أعيد ما حدث كاملًا، وبالطبع هذه الكتابة جلبت معها جميع المشاعر المرافقة، وازدادت نفسيتي سوء، لكن بصمت…. كتبت بين 15 مارس إلى 19 مارس 5 رسائل تكاد تكون من أطول ما كتبت، كتبت وكتبت وكتبت  لازمتني المسودات طوال وقتي وقلت كل شيء يخالجني، ووالله دون مبالغة كأني بانتهائي ضغطت زرًا كاتمًا لكل تلك الأفكار مع ما يرافقها من مشاعر، بالطبع ليس اختفاء تام إنما جزء كبير، دهشت! وصار مرور الأيام من بعدها إنما تحسنًا وقربًا إلى مشاعل وطبيعتها. كنت أفكر -هواجيس الطريق- هل فعلًا الكتابة تفعل كل هذا؟ ثم تذكرت بأنها على الأقل تفعل معي، فأنا لا أحسن التحدث كما أفعل في الكتابة، وبها ومن خلالها يمكنني قول الكثير. المهم والأهم أن الأسبوعين الأخيرة من مارس كانت بمثابة استعادة ضبط المصنع لمشاعل، عدت لكتابة يومياتي بكثافة، وعدت إلى مزاجي ونفسيتي الطبيعية أو أقرب ما يكون لها، كانت تلك الكتابة تفريغ مما كان يلازمني، تحررت من عبء مثقل وأجمل شيء هو ملاحظتي للتحسن، كيف استيقاظي كل يوم يفرق عن الذي يسبقه.
وفي الجهة الأخرى كتبت في دفتر يومياتي بتاريخ 20 مارس:

 أرى أن القدرة على الكتابة باستفاضة، القدرة على استحضار كل ذلك الألم والوجع بكل ما يحمله من مشاعر مكثفة، يعني أن شوطًا كبيرً قد قُطع.

تكمن الفكرة في أنه يستحيل استمرار الغرق في دائرة الأفكار واستحضار ما صار والزيادة والتكرار! ثم التأثير على مزاجي وأيامي وأوقاتي! لابد من التوقف وكسر هذه الدائرة لأنها ببساطة لن تقف وستستمر في الدوران… والعمر مرة واحدة.

قرار التوقف عن التعامل مع هذه الأفكار والمشاعر يحفظ الكثير من الوقف ويحافظ على المزاج بأفضل حال ممكنة، الحياة مرة واحدة واللحظات التي تمر لا تعود.. والشعور له أن يكون في أفضل حالاته.

باقي أنتبه لعملي سواء المدرسة أو سياق، وأنتبه لصلاتي والأذكار والقرآن ونومي وشرب لماء والأكل والقراءة والترجمة والمشاهدات وقبل كل هذا الدعاء (رسمت قلب)

أريد الغرق في المعاني أكثر، وعودة الهدوء، الروقان، طول البال، التروي…. 

_____________________________

زادت كلماتي المنطوقة في اليوم، قضيت أوقاتًا أطول مع ماما والأهل، عدت لكتابة قوائم المهام اليومية، نظمت نومي، باقي الأكل والرياضة (مع رمضان الوضع سلطة حبتين) 

لا تعلم حجم شعوري بالامتنان وأنا أنتبه لأدق التفاصيل التي استشعر من خلالها أني فعلًا (تشافيت) السر كله يكمن في التفاصيل الصغيرة، في سيل الأفكار ونوعها، في كلامي الداخلي مع نفسي، في حواراتي مع غيري، في تقبلي لقضاء يوم جديد والذهاب للعمل وملاقاة الناس وووو … هذه الأشياء هي مشاعل لكني فقدتها من هول من مررت به، الآن أنا أستعيدني ولكن نسخة معدلة مزيدة ومنقحة، سعيدة جدًا بهذه العودة وبالشعور المرافق لها. أن تعود إليك والله هذا شيء عظيم، فالحمدلله على ما كان وما سيكون، الحمدلله دامًا وأبدًا.