مهمة أدائية

يبدو نحن المعلمات إذا ما ذهبنا في عطلة وأقصد بـ نحن: أنا وفاطمة. نشتاق إلى مهامنا، وكمحاولة لسد هذا الفراغ الحاصل نكلف أنفسنا بواجبات منزلية. أكتب هذه التدوينة بناء على اقتراح نتج من لقائنا اليوم، كذلك من جهتها فطوم هي الأخرى ستكتب. على كل واحدة وصف يومنا بطريقتها.

في بداية اليوم عادت لي فكرة أن سناب قائم لدرجة كبيرة على يوميات المدرسة وهذا يعني بالضرورة حصول فرق هائل في الإجازة. تحدثت بعد ذلك عن جمال كتاب أقرأه سرقته من فطوم، ثم سألتها : متى نتقابل؟ في بادئ الأمر أرجأنا الموعد إلى وقت لاحق وفقًا لإفادة الآنسة فاطمة لأنها تريد قضاء أطول وقت ممكن مع حضرتنا! ويا للهناء. لاحقًا، إذ بي أفاجئ باتصال منها بينما كنت غارقة في قيلولة العصر، وباتفاق سريع وفاصل زمني قصير لا يتجاوز الأربعين دقيقة كنا قد اتفقنا أن نلتقي في كافيين لاب عند الخامسة والنصف مساء.

وصلتُ قبلها ربما بعشر دقائق واخترت ذات الطاولة التي كلما ذهبنا إلى هناك نجلس إليها، يمكن لتلك الطاولة أن تكمل عنا أحاديثنا كأن تقول لفطوم ها أنت هنا تخالفين ما سبق وتبنيته من قناعة في هذا الموضوع! ليس في لقائكما الأخير إنما الذي يسبقه. طاولة في الركن بجوار نافذة تطل علينا ببضع خيوط من شمس النهار. لم أطلب حتى تصل بينما هي ما زالت بنسخة المقهى القديمة إذ تعتقد بأنه يتوجب علينا الطلب من الأسفل في حين أننا نجلس في الطابق العلوي: فطوم أطلعي الطلب صار من فوق!

للمرة الأولى أوثق لحظة وصولها، كانت تحمل كيسًا (قصيرًا) يظهر طرفي كتابين، تمايلت وهي تسير: دايمًا معانا كتب. صحيح، كنت أحمل معي كتابها: شجرتي شجرة البرتقال الرائعة.

فاطمة يعني الأحاديث العميقة والجادة تمتزج بها ضحكاتنا وحسها الفكاهي وأسئلة الإجازة وتطورات الحياة وآخر التحديثات وما توصلنا إليه من قناعات ووجهات نظر، أن نتحدث عما نحب من قراءة وكتابة ومشاهدات ومواقف حياة. يعني أن ننتقل من موضوع لآخر بانسيابية فائقة مع حدوث بعض ثغرات مقاطعة سريعة تخلف نسيانًا مؤقتًا لما كنا نقوله. كان لقاء طويلًا كما أرادت، كوبي قهوة ساخنة وقطعة حلا صغيرة -لم تعجبني- انتهينا منهما على مهل ثم طال بنا الوقت لتطلب كل واحد طلبها الثاني، أنا كوب ثلج وهي قهوة سوداء كسواد قلوب البشر ههههه. كان كوب الثلج ممتلئ وحباته كبيرة، خدّر لساني والمتضرر الأول حرف الراء الذي لاحظته فطوم: اتحداك تقولي حرف الراء؟ انتي ايش اسمك كامل؟ وتقلد كلامي غير الواضح عندما أتحدث وفمي ممتلئ بثلجة عملاقة.

أحب صور المقاهي على وجه الخصوص، لا يكلف الأمر سوى رفع هاتفي لأحصل على أجمل صور، الأمر بسيط جدًا عندما ترغب في التقاط صورة في مقهى ويعود هذا لجمال المكان عادة. صورة أخيرة وكل شيء على الطاولة فارغ، سألتها: فطوم ايش عندك تعليق مناسب؟ وبسرعة بديهة قالت:
مروا خفافًا
على ما شفّ من لغتي
ثم اطمأنوا إلى الأعماق
فانغمسوا*


الله! لمن؟ ثم فتحت هاتفها وقرأت القصيدة كاملة، التقى جمال شعر محمد عبدالباري مع صوت فطوم في مقهى مفضل، لحظة بهاء بتركيز عال. إذًا تعرفت على قصيدة جديدة جميلة كعادة ما أعرفه منها.

أخيرًا، ولقضاء مزيد من الوقت برفقة الآنسة قمت بإيصالها إلى منزلها لنحظى بما يقارب نصف ساعة إضافية نطرب خلالها بسماع ما لا نقاوم التمايل معه.

*والآن أنتظر وصف الآنسة، سأشارك رابط مدونتها فور نشرها. *

هنا واجب فاطمة، واكتمل المشهد.

30

بلغت الثلاثين هذه المرة وأنا في غمرة الاختبارات النهائية مغمورة بتصحيح أسئلة الرياضيات. تخبرني ماما بأني جئت صباح أحد أيام الاختبارات النهائية عند الثامنة صباحًا، ولمزيد من التوضيح، أطل رأسي بينما الجميع يختبر. هل يمكنني أن أرجع حبي للدراسة لهذا السبب؟ ربما.

لم أكتب هذه المرة أي قائمة كما فعلت في السنوات السابقة 27-28-29 على الرغم من أن ما سبق يونيو هذه المرة كان كفيلًا بكتابة معلقات. والآن لا أريد توقف عادة كتابتي حتى بعد مرور أسبوع وأنا ثلاثينية.

عدت لدفاتر يومياتي منذ بداية 2022 لأرى ماذا يمكنني أن أسرق؟ اعتدت أن تكون الصفحات الأولى والأخيرة من دفاتري مختلفة، الجهة اليمنى مخصصة للاقتباسات التي أعجبتني أو تتلاءم مع ما أعبره في تلك الفترة وفي الجهة المقابلة أكتب قوائم لا أعلم ماذا أريد منها بالضبط، لكن حتمًا سأجد منها الكثير.

وبما أني كتبت تدوينة خاصة بـعمر الـ29 سأكتب الآن ما يتعلق بعمر 30 فقط. أي من بعد 27 يونيو 2021 إلى 27 يونيو 2022.

5:43م والآن لابد أن أتوقف هنا لأني على موعد مع رشا، وأمامي ربع ساعة قبل الخروج.

10:14م عودة بعد لقاء طويل هادئ تظل بعده أيام وأنت تعيد تفكيرك حول الكثير مما يشكل عليك.


هنا فقرة من ٢٢ سطر حذفت بعدما فقدت معناها.

وكالعادة يحق لي التنظير في تدوينة الميلاد دون غيرها، خلاصة السنة:

1- لابد من إدراك من أنت وقدرك وما تستحقين ثم لا تقبلي بالأقل.
2- أن أتبع ما يخبرني به قلبي لأنه غالبًا على حق.
3- أن أبقى أنا كما أنا أمام أي قرب، هذا الثبات والبقاء هو (الأثمر) لأنني ببساطة مشاعل كما يجب/ أريد أن أكون.
4- أن نعطي لمن يشعرنا بأنه يستحق، الذين لا يشعرونا بأننا وحدنا من يبذل ويحرص على استمرار هذه العلاقة. أي حرص على الاستمرار من الجهتين وإلا فالمغادرة حفاظًا على ما يمكن حفظه.
5- لا ندم على ود ولا لطف كان.
6- ببساطة وواقعية كلنا نستحق من يشعرنا بمكانتنا وقدرنا وأهميتنا لديه.
7- الشخصية والعقلية وطريقة التفكير ونقاط التشابه والاختلاف ومحاولات المحافظة والوضوح الوضوح الوضوح والصدق أساسيات لا يمكن التغافل عنها لأي سبب كان.
8- لا يوجد شخص مشغول 24 س لكن هناك شخص يريد وآخر لا. والتواصل مهم جدًا بأبسط أشكاله تفاعلًا على ما يكون، لا نطلب الكثير إنما أقل ما يمكن أن يطلق عليه (تواصل) على أنه من المعروف أن للتواصل اتجاهين متى ما غلب أحدهما الآخر ندرك هناك مشكلة ما.
9- البقاء في منطقة الاحتمالات هلاك، إما يقينا أو على الأقل وضوحًا وإلا فلا!
10- وقتك وتركيز واهتمامك وحرصك وشعورك كلها محل اهتمام، بذلها للشخص الصحيح – من يدرك ويقدر ويحترم- مطلب وضرورة وإلا ستكون مجرد هدر لا طائل منه. ضرورة الحفاظ على هذه الموارد 🙂

كل شخص منا يعلم من يكون، يدرك نقاط قوته وضعفه وما يميزه عيوبه وحسناته، في لحظة ما، وهي لحظة حادة وسيئة ستفكر في كل ما سبق لتدرك بأنك فعلًا تستحق من يظهر تقبله لعيوبك وأنسه بحسناتك، بك أنت كما أنت لأنك شخص رائع! نعم وبكل تواضع أنت شخص رائع والناس شهود من حولك وكفى بهم مقياسًا وقبلهم معرفتك بنفسك. والأهم البقاء على ما أنت عليه لأن محاولات التكيف والتغير ستمحو ما يميزك. أنا لا مشكلة لدي مع من تكون لكن أين كفك تساعدني؟ لا أرى يد ممتدة ومع هذا حاولت، أدركت السمات الشخصية وعلى أساسها حاولت كثيرًا وبكل الطرق الممكنة دون رجع للصدى. ما الحل المناسب في هكذا حال؟

أخيرًا، سعيدة جدًا بما خضته. سعيدة لأني بالعودة لدفاتري وجدتني كتبت الكثير. كنت أصف بدقة ثم أحلل وأفهم. تجربة جيدة تعرفت فيها على جوانب كثيرة من مشاعل. عشت تناقضات وتخبطات وهي نتيجة لعدم الوضوح والعيش بين احتمالات. لا ألوم نفسي على شيء كان، فلكل فعل سببه وقناعاته.

لدي الكثير لكن اعتقد بأن الأمر أكتمل في نفسي وأخذ ما يستحقه من كتابة وتفكير، لذا سأكتفي بهذا القدر.

همسة أخيرة: كوني كما أنت، ابذلي ما ترينه مناسبًا، توقفي عندما تظنين بأن عطائك محل إهمال، تأكدي بأنك تستحقين الأفضل دومًا. والأهم لا تندمي على ود أو لطف كان 🙂 وتذكري بأننا لسنا كاملين ولن نكون كذلك لكننا نسعى للتكامل، للتوافق ونحن مدركين اختلافاتنا الدقيقة أو الشاسعة. لا نبحث عن المثالية إنما للواقعية، للفهم والتفاهم. للوضح الذي من خلاله نواجه الكثير.

سنوات سعيدة أتمناها لكل العابرين من هنا.

على الهامش: متفائلة جدًا بفترة الثلاثينيات على الرغم من صعوبة السنوات الثلاث الأخيرة من العشرينيات. كانت جملة تحديات بمستويات صعبة لا مثيل لها وعلى جميع الأصعدة. لكن في المقابل، خضت تجارب ممتعة.
فاللهم عمرًا طيبًا ومن يريدنا بالقدر الذي نريده به أو ربما أكثر =)

ماذا بعد؟

فقرة من ٨ سطرر حذفت بعدما فقدت معناها.

،

سئمت التطبيقات بكل ما فيها، لا رغبة لي بمشاركة يومياتي كما كنت وأكتفي بالقليل في قصتي الخاصة بسناب. ولم يقتصر الأمر إلى هذا الحد بل سئمت معظم ما أراه عدى سنابات صديقاتي. المشاهير حياتهم مبتذلة! كل شيء مشاع للعامة السحيقة. لا أستطيع استيعاب أن زوجين يشاركان كل تلك التفاصيل أمام جمهور شاسع! أو أن ينقل أحدهم يومه كاملًا بكل ساعاته وما يحتويه.

،

ما زلت في بداية إجازتي الصيفية والتي يمكنني وصفها بالقصيرة حتى لو لم تكن كذلك. لكنها قياسًا عما سبق تبدو كذلك بالفعل، وهذه الإجازة على وجه الخصوص احتجت أن تكون طويـــــــــلة، فهي قادمة بعد ثلاث فصول دراسية، لكن لا بأس. مزيدًا من التركيز يزيدها طولًا. لا أنوي الخروج كثيرًا وبصيغة أخرى: أريدها بيتوتية قدر المستطاع.

،

لم أكتب منذ ثمان أسابيع سوى رسالة وحيدة كانت إليك، لم أكتب في ملاحظات جوالي ولا في دفتر يومياتي ولا في المدونة. ثمان أسابيع مضت بصمت مطبق في حين أن كل شيء حولي كان يصرخ بما فيهم أنا. لم تكن ثمان أسابيع عادية، شملت أقصى محاولاتي للعودة إلى مشاعل، أرهقت وفقدت ما فقدت قبل خطوة الاستشفاء الأخيرة وما مررت به قبلها كلفني الكثير. لكن مرة أخرى، لا بأس. كل شيء في طريقه للتحسن وأعتقد بأني قطعت شوطًا كبيرًا. سعيدة لأني وأخيرًا بعد تشتت طال استطعت الإمساك بزمام الأمور، لست في عجلة من أمري. كل شيء في حينه، أموري تسير ببطء لكن النتائج مبهجة، على الأقل لا انتكاسات حتى الآن وهذا إنجاز بحد ذاته.

،

احتوت أسابيعي السابقة الكثير، تجربة السفر إلى الرياض مع زينب لحضور حفل تخرجي الأكثر من رائع. فكرة أن أسافر وحدي تبدو ضربًا من خيال لكنها صارت واقعًا، وزينب خير رفيق في الحل والترحال. ثم اختباراتي النهائية وتخرجي وانتهاء السنة الدراسية الأطول وذهابي أنا وماما وحدنا للعمرة وانضماني لحلقة تحفيظ القرآن الكريم بالمسجد النبوي (عن بعد) والتزامي بحفظ القرآن. ماذا أيضًا؟

،

حسنًا بالعودة إلى تخرجي، بفضل الله حققت ما تمنيت: تخرجت قبل بلوغي الثلاثين وإن كان بشهر واحد فقط وبتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف. لكن يجدر بي قول أن أول أيامي بعد الانتهاء من الجامعة كانت غريبة! ماذا أفعل بكل هذا الكم الهائل من الوقت المتاح؟ لا محاضرات؟ لا واجبات؟ يا إلهي. حلقات تحفيظ القرآن كانت خير منقذ.

ما هذا إلا موجزًا أكسر به صمتي وحبسة الكتابة التي مررت بها. يختلجني الكثير، ولي عودة بإذن الله.

1000

صباح الخير، صباح العودة للواقع وللروتين واليوم المنظم. أخذت معي قارورة مياه كما اعتدت، أحب فقرة شرب الماء في المدرسة لأن مجهود الحصص يدفعني للشرب اندفاع الظمآن في الصحاري< مبالغة؟ حسنًا، أكتب الآن فيما تبقى من الحصة الثالثة من إحدى فصول أولى متوسط، وقد تبقى ما يقارب ربع ساعة وهذا الفائض لأننا ما زلنا في اليوم الأول من العودة أنا والطالبات نحتاج من يعيدنا إلى مزاج الدراسة والتركيز، كعادتي أحب سؤال طالباتي عن إجازتهم وهنا أسألهم فقط عن أجمل ما كان حتى وإن بدا بسيطًا جدًا كأن تحظى بأفضل نسخة من نومها! في الحقيقة هذا من أسئلتي المفضلة وقد اعتدت سؤال طالباتي لسنوات حول نهاية كل أسبوع. جدولي اليوم مزدحم إذ سألتقي بجميع طالباتي، طالبات الصف الأول والثاني متوسط بمجموع خمس حصص. وطالبات الفصل 2أ لطفوا يومنا بوردة وشوكلاتات.

هذه العودة على وجه الخصوص منتظرة، لأسباب منها أن مزاجي خلال الإجازة كان مضطربًا معظم الوقت وكنت بحاجة إلى عودة روتيني وانتظام يومي وأوقاتي وثانيًا والأهم أنها محطة شبه أخيرة تقربني بحول الله خطوة من نهاية المستوى الثامن في الجامعة.

كانت إجازتي ثقيلة بعض الشيء، احتوت أحداثًا زادت من هذا الشعور وأكثر ما استثمرتها به كان فيما يتعلق بساعات نوم إضافية وهذا الاستثمار المثالي وفقًا لما مررت به.

صباح اليوم وفي الوقت الذي يجدر بي أن أبصم كنت حينها ما زلت أكوي ملابسي، تأكدت من أن لا حصة أولى لدي وهذا سمح لي بمزيد من الخطوات البطيئة. اشتقت لقاطنات غرفة المعلمات وإلى الجلوس معهم. تعدل مزاجي كثيرًا لكنه عاد في المساء واضطرب بعض الشيء. ويجدر بي الإشارة إلى أن جمعينا كان يسأل: نسلم عادي؟ ونقصد هنا التقاء الخد بالخد وهذه فقرة حرمنا منها طويلًا بسبب كورونا، طويلًا جدًا! والجميع وافق.

كان يومي طويلًا ومرهقًا وممتدًا من المدرسة إلى ما بعدها. أنجزت مهامًا كثيرة في البيت وأقل منها في المدرسة. ويلازمني تفكير طوال الوقت. وجدت حلقات تحفيظ (عن بعد) في جمعية خيركم وحلقات تحفيظ القرآن في المسجد النبوي. أريد أن أعرف كيف ستكون الطريقة؟ خيار عن بعد يبدو جيد ولكن بحاجة لمعرفة تفاصيله.

تنبيه لطيف من مدونتي، شكرًا لكل المارين من هنا.

مغادرة

من المهم أن نعرف إذا ما وصل شيء إلى نهايته. ولا يهم ماذا نطلق على ذلك؛ أكان إغلاق الدوائر أو إقفال الأبواب أو إنهاء الفصول، فالمهم هو أن نغادر كل تلك اللحظات التي انتهت في الماضي.

ترجمة:___باولو كويلو

كل ما يحصل بعد دعائي الله بيقين واستسلام، حتمًا هو رضا. أيما كانت النتيجة وإن بدت في ظاهرها خلاف ما رجوت لكن هناك اطمئنان بأنها الخيرة.

وبالتأكيد الرضا والاطمئنان لا يتضادان مع أي شعور آخر كالحزن مثلًا فور إدراكنا مآل دعواتنا فنحن كما نعرف جميعًا (بشر) ولنا من الصفات البشرية ما يبقينا كذلك. لكن بالطبع قناعتنا ويقيننا يخففان الكثير لأن يصاحبهم الفهم الذي بدوره يفصلنا عن ارتباطنا العاطفي بما نتمناه لأنفسنا وندعو به.

على بعد مسافة آمنة

أهلًا، ها أنا ذا أكتب إليك مرة أخرى -بلفة- وفقًا للخطة المذكورة آنفًا في تدوينة حل والتي أساسها التدرج للتقليل من الأعراض الجانبية للانسحاب، أقولها (إليك) لكن الكاف هنا كاف خطاب عامة إلى حد أن المقصود بها هو كل من يقرأها، أنا أكتبها لك لكنها لم تعد تخصك وحدك.
تقول إسراء: أكتب إليك رسالات مطولات ، تطير الحروف سُدى، ويبقى شعورها متقدًا في قلبي.
وأعتقد بأن هذا أقصى ما يهمني الآن، أولًا: أن أكتب رسائل طويلة وثانيًا: أن يبقى شعوري متقدًا!

،

أكتب الآن حيث تشير الساعة إلى السادسة صباحًا من ثاني أيام عيد الفطر 43هـ. قبل بضع ساعات وعلى غير العادة كنا بالخارج أنا وماما حيث ذهبنا إلى الواجهة، قلت لها أنظري! ها قد وصلنا إلى اليوم الثاني من شوال يا سرع الأيام!! أعتقد بأن شعورنا بسرعة مرور الأيام يزداد مع المواسم المنتظرة والتي نعد أيامها مثل رمضان والعيد.

،

هل ترى كل الفوضى التي أعيشها؟ نعم ليست سيئة أو حادة لكنها تزعجني لحد ما ويلازمها شعور ناتج عن تراكمات وقرارات والكثير بينهما. بالعودة للوراء قليلًا أي ما يقارب أربعة أشهر من الآن حينها بدأت سلسلة هذه الفوضى، تخبطات متتالية وحيرة ويرافقهما قلق في بعض الأحيان، حالة ركض متواصلة وعلى جهات عدة، هنا بداية وهناك نهاية وضرورة أخذ قرارات صارمة وحالات عديدة تحت ما يسمى (طارئ). منذ بداية 2022 وأنا لست في أحسن حالاتي، وختامًا مع فوضى الوقت في رمضان وعلى مستوى الشعور والأفكار وصلت إلى أقصاي، وصلت للقمة. حتى اللحظة لم أصل للاستقرار بعد، هناك ما يحتاج إلى مواجهته وفهمه ومن ثم إغلاق ملفه، بحاجة للتركيز والتفكير بعمق وإيجاد حلول مناسبة. على يقين من أن كل شيء سيؤول إلى ما يناسبه لكن لابد من بذل الكثير. تذكرت هنا قول لمياء ذات مرة بأن مشاعل تختار الغياب عندما لا تكون بخير وهذا فعلًا ما يحصل حاليًا. الابتعاد والاختفاء هو الأنسب لي، ليس بالضرورة غيابًا تامًا لكنه ملاحظ، وهذا يشمل الواقع وتطبيقات التواصل.

،

أواجه أفكارًا وأسئلة كثيرة طوال الوقت وأحاول الوصول على الأقل لما يقنعني. هذه المرة ما زال الطريق طويلًا فهناك ملفات متعددة تحتاج إلى إعادة نظر وبعضها إلى إعادة ضبط المصنع! لدي وقتي ولست على عجلة من أمري لأن النتيجة ستكون كالقواعد والأساس.

على بعد مسافة آمنة هكذا اخترت تعريف نفسي في تويتر، مناسب للفترة الحالية، أتواجد على بعد مسافة آمنة من الجميع، تعريف حقيقي وواقعي ويلامسني ويتوافق مع ما أعبره من فترة (مضطربة)

ومن جهة أخرى، أعيش الآن فكرة: على بعد مسافة آمنة.
من كل وأي شيء. لا أرغب بأي شكل من أشكال الإضافة أو الاقتراب وهذا يشمل جميع جوانب حياتي. أريد لكل شيء أن يبقى كما هو، أن أحظى بفترة ملؤها راحة وهدوء. يقابل هذا ترحيبي بالحذف والتخفف. وسأبقى هكذا أقل مدة ممكنة وهي ستون يومًا. وخلال هذه المدة بحول الله سيحدث ما أنتظره، لذا الدخول في هدنة مع الحياة كاملة هو كل ما أريده الآن وأسعى إليه. يلازم ذلك بعضًا من شعور اللامبالاة لبضع جوانب كما أن الاهتمام والحرص ليسا جيدين على الدوام وبهذا فإن الهدنة تشملهما. وهذا بالضرورة يعني التركيز على ما هو أهم ومهم فقط.

هدنة

الأول من شوال 43هـ

-1-

عدت لتدوينات أعياد السنوات الأخيرة بالتحديد 20 -21 وجميعها كانت مختلفة لسبب ما، إما حظر كلي أو إصابتي بكورونا واليوم ها أنا ذا أكتب عيد فطر 22 وهو أكثرهم اختلافًا. كما توقعت، كان صباحًا ثقيلًا والجميع يقاوم ويحاول إظهار فرحته. أما أنا وماما فدموعنا أبت إلا الظهور رغم أني حاولت جاهدة ألا أبكي في حضرة الكل لكن الأمر أكبر من أن أتحكم بمدامعي، كان انهمارًا صامتًا. كيف لا؟ ومن يلومني بذلك؟ أيضًا كانت هناك لحظات ضحك وابتسامة ومحادثات خصوصًا مع الأطفال، لكن والله شعوري ثقيل وحاد جدًا.

-2-

لم أنم إلا عند الحادية عشر صباحًا، وكانت نومة قصيرة نسبيًا بعد ذلك جربت وماما غداء من مكان جديد هي اقترحته وكان لذيذًا أعادني لطعم قديم. أحاديثنا خلال اليوم متنوعة ومختلطة لكن يرافقها شجن واضح، بها ما يميزها.

-3-
لم أقرأ بعد، لكن عدت لمشاهدة The Office والبداية من الحلقة الأولى في الموسم السادس. وشهيتي للكتابة مرتفعة جدًا يصادف هذا بداية كتابتي في دفتر جديد ليوميات شهر مايو، كذلك أريد العودة لما كنت عليه سابقًا من كتابة في الدفتر والمدونة بعد فاصل الرسائل الطويل والممتع الذي خضته والذي أراه طويلًا، أرغب العودة هنا.


عيد؟

ليلة العيد هذه المرة مختلفة، بطيئة وثقيلة وكئيبة رغم محاولتنا للتخفيف من وطأته لكنه (ثقل) يغلب كل ما يغالبه ويسحبنا للأسفل، يعيدنا للحزن الخالص الذي يسكن قلوبنا. جاء عيدنا ونحن ناقصين، ينقصنا أهمنا وعمادنا. لم نجهز هديته، لم أخرج ووالدتي إلى أجمل مشاويرنا من أجله كعادتنا كل سنة ولم نتصل لنسبقه ونهنئ العيد به.

طوال ما مضى من أيام وأنا أغالب حزني بصمت وبالذهاب إلى النادي والخروج للمشي أو شرب كوب قهوة، ومحادثات طويلة بيني وتركي يظهر فيها حجم فقده الهائل، كنت اخترع مشاوير أمضي بها وحدي هذا ما يروق لي. إلى أن اقترب العيد وجاءت معه تحضيراته التي لم ننجز منها سوى أقل القليل، رغبتنا معدومة تمامًا تجاه ما اعتدنا عليه من تحضيرات.

أكتب الآن حيث تشير الساعة إلى الرابعة وثلث صباحًا من ليلة العيد، لا رغبة لي في إرسال أي تهنئة ولم أرد على ما وصلني، لا اعتراض لكن للحزن سطوته. حاولنا جميعًا لكننا كذلك ندرك قسوة العيد دونه. ما زلت أكرر وسأبقى، لم يكن شخصية عادية وعابرة في حياة أي منا لذا غيابه جرح غائر في قلوبنا عصي على الفهم والإدراك.

لا أعلم حتى الآن كيف سندخل بيته في صباح العيد دون وجوده وكيف سنجتمع ونهنئ بعضنا وسيد البيت غائب. لا حول ولا قوة إلا بالله، لا نملك إلا الدعاء وإنا لله وإنا إليه راجعون.