قراءة أخيرة: كحل وحبهان

إن كان لا بدّ من كتابة مراجعة مختصرة، فستكون حتمًا:

فضلاً، احصل على نسختك من هذه الرواية فورًا!

منذ فترة طويلة، لم أقرأ عملًا أدبيًا يتسم بهذا القدر من التفاصيل الممتزجة بالجمال. عمر يجيد نقل عالمه إليك، أو ربما نقلك إلى عالمه، بأسلوب بسيط وجميل ومضحك في أحيان. يتحدث عن كل شيء بحميمية عجيبة، ويتقن تشكيل قوائم لكل شيء تقريبًا، فلا يمر موضوع دون تعداد مميز.

التفاصيل العادية لديه تكتسب معاني أعمق. لا أعلم كيف يقنعك بهذه المعاني حتى تراها منطقية وواقعية تمامًا. يلتقط أدق المشاهد اليومية، تلك التي نمر بها دون التفات، ويضعها تحت الضوء، محرضًا إيّاك على الانتباه أكثر.

يكتب عن الطعام بتفاصيل “لذيذة”، مستحضرًا المكونات، قوام الأطباق، ورائحة كل طبق دون أن يغفل عنها. يقدم وصفًا شاعريًا، يكاد يكون أشبه بتشريح فني للأطباق.

أعتقد أنك إذا ركزت على أسلوب وصفه للشخصيات، الأحداث، المشاعر، أو حتى الأكلات، ستكتسب منظورًا جديدًا لرؤية الأشياء، خاصة تلك التي تبدو عادية كما ستتقن تصميم القوائم. الرواية تعزز الحواس عامة، وتحديدًا التذوق والشم، إذ أسهب الكاتب في وصفهما من أول الرواية إلى آخرها.

كنت أتساءل عن سبب اختياره لصورة المرأة الموجودة على الغلاف؟ -لم أكن أعلم من هي- إلى أن سألتني ماما، وأخبرتني أنها الممثلة مديحة كامل، فبدأت أخمن رمزية الصورة، حتى وجدت تفسيرها في تفصيل خفي بين السطور.

لم تكن قراءتها عادية واستغرقت وقتًا أطول مقارنة بعدد صفحاتها. هذه رواية تقرأ مرة، ثم ثانية، وربما مرات أكثر.

#صورة_الختام 
#كحل_وحبهان 

القراءة الأولى: كحل وحبهان

-1-
يقول عمر طاهر:

سألتني أمي عما أحب أن يكون موجودًا على مائدة الغداء. تحديد الصنف يمنحها طمأنينة ما. يُغلق باب الحيرة ويفتح لها باب التجويد والإبداع. يُسهل مهمتها ويمنحها الحماس الكافي لعمل المطلوب أيًّا كان. #كحل_وحبهان

وأقول أنا:

أعدت قراءة الفقرة لأنها موجز عن أيامي ووالدتي حفظها الله، تزين يومي بسؤالها (يوميًا) عما أرغب في تناوله، وللغداء بالتحديد خصوصية عالية، أخبرها بعض الأحيان عن حيرتي حد عدم قدرتي اقتراح أي صنف لأجدها تنتظرني بقائمة على أقل تقدير تحتوي خيارين: أنا بقولك وانتي اختاري؟

تتعمد تعداد أصنافي المفضلة، ثم تردف هذه العادة باتصال عند اقتراب موعد دوامي تطمئنني بأن غداء في انتظاري، أعلم جيدًا أنه بالضرورة جدًا وبلا مجاملة، هو طعام لذيذ لذيذ لذييييذ!!!

إن كنت سأختصر حب والدتي لي وهذا غير معقول، حتمًا سيكون لطبخها وطعامها فائق اللذة، هذه لغة حبها التي تجيدها لدرجة تجعل من بعدها مجرد (كومبارس) في عالم الطبخ.

وهذا الشأن مما أقف أمامه عاجزة عن قول حرف واحد، ماما يفوقني حضورها في حياتي ويسحبني إلى حدود الصمت.. حفظها الله ووالدينكم ورزقنا برهم ورضاهم.

قراءة ثانية: جذر نفسيّ

في إشارة صريحة إلى أن كل سلوك مرتبط بعامل نفسيٍّ يعود في أساسه إلى شرارة أوقدت فتيله، خصوصًا إذا كان في شكل حذر مبالغ فيه أو خوف أو قلق، يزداد الأمر تعقيدًا مع التفاصيل الدقيقة جدًا، إذ لم يُخلق الإنسان بطبيعته ليواجه هذا الكم من التوجس الذي يلاحقه دون مسوّغ جليّ.

في الفصل الأول من كتاب الأستاذ والمجنون، ذُكر خوف الطبيب ماينور غير المبرر من الإيرلنديين، ومداومته السؤال لمن استأجر منها غرفته عن احتمالية وجود أيٍّ منهم.

أدلت السيدة فيشر للشرطة: كان دكتور ماينور يخاف بوضوح ورعب من الإيرلنديين. اعتاد السؤال مرات غير معدودة ما إن وجد لديها أي خدم إيرلنديين يعملون في المنزل أو لا، وإن وُجدوا يطالب بفصلهم من العمل. ألديها زوار أو نزلاء إيرلنديون؟

في البداية، أوضح للقارئ، في سياق حديثه عن مرضه دون تفصيل، قلقه وتوجسه المستهجن من الإيرلنديين. ألقى بهذه التفصيلة المربكة عن غرابة شخصية الطبيب، ليعود ويذكر جذرها بإسهاب في فصل لاحق.

الجانب الثاني للمعركة الذي ربما يكون مهمًا لفهم التوصيف المرضي المحير لماينور يتعلق بجامعة بعينها لعبت دورًا في القتال: الإيرلنديين. نفس الإيرلنديين الذين شهدت مؤجرة غرفة ماينور اللندنية بأنه يخاف منهم لدرجة عجيبة.

هذا التوجس غير المبرر من ماينور يكشف عن مدى تعقيد العلاقة بين الصدمات النفسية والاضطرابات العقلية التي قد تنعكس على السلوك البشري بطرق غير متوقعة. حالة الدكتور ماينور ليست مجرد حالة فردية لشخص يعاني من الخوف، بل هي صورة مصغرة للصراع الداخلي بين الماضي المؤلم والواقع الحاضر. ولم يكن الخوف هنا سوى مثال على كيفية ظهور هذه الصراعات النفسية بأشكال متعددة، تظهر في تصرفات تبدو غريبة وغير مبررة. لكن الحقيقة تكمن في أن جميعنا معرضون للصدمات النفسية بدرجات متفاوتة، والخلاص منها لا يتحقق إلا بوعيٍ قادر على مواجهة الجذور، وفهم التأثيرات، وكسر دائرة الألم النفسي التي قد تقيد الإنسان دون أن يدرك.

قراءة أولى: الأستاذ والمجنون

قراءة الفصلين الأولين من كتاب الأستاذ والمجنون: قصة القتل والجنون ونشأة معجم أكسفورد للغة الإنجليزية، كانت كافية لترك الكتاب جانبًا والبدء في البحث عن المعاجم الإنجليزية لدي، ولي معها قصص وذكريات طويلة، للأسف وضعها في مكتبتي محزن وصعب لعدم وجود مساحة كافية، رغم حبي الشديد لها إلا أن الكراتين الجانبية تحتضنها.

لست متأكدة من أن ما وصلت إليه هو كل ما أملكه، لكن أعتقد على الأقل هذا ما تبقى لي من مكتبتي القديمة.. هناك بعض معاجم بالحجم الصغير جدًا، من شبه المستحيل الوصول إليها. وهذه الصورة تختزل سنوات من حب الاقتناء والاطلاع على المعاجم. حاولت تذكر أقدمهم وأظنه من مكتبة تهامة في شارع حائل كنت حينها في المرحلة المتوسطة وما دفعني لاقتنائه كتب عليه: Children’s thesaurus. ثم مكتبة العبيكان في فرعها القديم بمجمع العرب وآخر بناء على توصية من تيتشر سميرة عندما كنت في الصف الثالث ثانوي، الحقوا فيه معجم رهيب عليه خصم في جرير! أتذكر أني حصلت عليه ب٨٠ ريال بدلًا من ١٥٠ أو أرقام حول هذين السعرين، ثم مكتبات متفرقة وبعضها من أمازون مؤخرًا.

وحبي للمعاجم قديم، وباللغتين العربية والإنجليزية لكن حصرتها هنا على الأخيرة لأن الكتاب يتحدث عنها. أعود مرة أخرى، أقدمها منذ أن كنت طالبة في المرحلة المتوسطة وآخرها مع دراستي لبكالوريوس اللغة الإنجليزية والترجمة، وكل معجم يأتي بقصة ودافع جديد للاقتناء، تارة أحادي اللغة وآخر ثنائي، وهناك ما هو لاستخدام معين وهكذا. لا أستطيع بحال القفز تجاوزًا لقسم المعاجم والقواميس في أي مكتبة، سحر حلال لا مثيل له.

ولا أنسى هنا جمال مقرر علم المعاجم Lexicography رغم صعوبة مذاكرته وإسهابه في التاريخ، إلا أني قررت الاحتفاظ بمذكرته إلى بعد التخرج.

هنا قاموس المشاعر، قاموس للكلمات التي لا وجود لها للتعبير عن مشاعر موجودة بالفعل!

وبالعودة للقراءة، تذكرت بأني شاهدت الفيلم المقتبس عن نفس الكتاب The Professor and the Madman والذي أظنني شاهدته سنة 2019، على كل حال.. متحمسة لإعادة مشاهدته فور الانتهاء من القراءة.

أخيرًا: للمعاجم على وجه الخصوص حب خاص، يدرك تفاصيله من أصيب له دون أي حب آخر متعلق بأي علم من علوم اللغة.

هواجيس فيزيائية

صباحًا وأنا في طريقي إلى المدرسة لاحظت نفسي -كفشتني- وأنا أراجع أفكار درسي اليوم، أطبقها عمليًا، التسارع الموجب والتسارع السالب، أحلل كل حركة لسيارتي في محاولة لكسر روتين الطريق. أربع حالات كنت أتردد بينها، ولأن طريقي يشمل العبور بنفق وجسر وبالتأكيد الكثير من المنعطفات، كان التطبيق يشمل الحالات الأربع بكل سهولة ووضوح. حين أدركت ما أقوم به -فجأة- ابتسمت وأكملت مع حرص على توفر كامل الحالات خلال مشواري. الأمر استمر إلى جزء من طريق العودة حين تذكرت ما شرحته اليوم وهنا يجدر بي الإشارة إلى استخدامي حالات التسارع التي توفرت في مشواري كأمثلة واقعية عن التسارع الموجب والسالب بجميع حالاته.

وهنا أشير إلى أن هذا الفعل قديم ودائم ومفضل، سواء لاحظت نفسي أو لا، منذ أيام دراستي في الجامعة بقصد أو بدون، كنت أسقط مواضيع الدروس على واقع أيامي. وفي هذا متعة فائقة لكل عاشق للفيزياء.

والمجد كل المجد، للفيزياء والفيزيائيين.

على هامش الفيزياء والتسارع: بحثت في هاتفي عن صورة للطريق، ووجدت بأني كثيرًا ما أرد على سؤال: وينك؟ بصورة فورية. وهذه طريقتي المفضلة للإجابة عن مثل هذا السؤال أو: ايش تسوي؟ صورة تختصر.

اختيارات شخصية

اختار اللون الرمادي، الضباب محفوفًا بالبرد القارس، أن ينحصر حضوره في ضمير الغائب البعيد المنسي إلا من بضع مواقف، أزاح عنّا كثافة التواجد واستبدلها بمحض تذكر باهت.

اختار الموت في حضرة الحياة، وأن يبقى هناك بعيدًا وحيدًا كقائد جيش تخلى عن آخر جنوده، عاد دون انتصار أو هزيمة، فقط عاد وهذا كل ما لديه.

اختار الصمت يحيط به من كل زاوية، وهدوءًا يتربص به كشبحٍ حد الحيرة أهذه يقظة أم حلم؟ قابع في مكانه حجر ساكن في بركة آنسة لا يلفت نظرًا ولا يحدث فرقًا.

اختار أن يكون مقدمة ثالثة في كتاب، يُتجاوز بتذمر ملل شديد لا يُقرأ ولا يُذكر، فضل زائد حشو…أو كما قيل: يمينًا للفتى الأعسر.

اختار شطب نفسه من آخر سجلات الحياة احتفاظًا به… ثم عاش مجهولًا.

مقتطفات مُرسلة

أجلس لأكتب هذه التدوينة -على استحياء- بعد جملة من المسوّدات في رأسي، كالعادة يعني ولا جديد في ذلك. حتى هذه التدوينة لم تكن لولا عودتي لمجلد الرسائل المرسلة وقراءتي لما كتبته منذ منتصف أكتوبر، فكنت كمن ينهمر في مكان (الرسائل) ليجف في مكان آخر (هنا) لكن توقفي هنا جاء جزء منه بقصد التوقف عن نوع معين من الكتابة والالتفات إلى نوع آخر. والآن كمحاولة للعودة، سأقتبس بضع فقرات من رسائلي الأخيرة. للأبد للرسائل الطويلة جمال لا يضاهيه أي صنف أدبي، استخدمها مسوّدة وas a second mind وسجل توثيق للمهملات قبل المهمات، وتجريد وجرد وتصنيف، لكل شيء.. ومهما قلت وتحدثت لا أوفي كتابة رسالة واحدة حقها. يجدر بي الإشارة وبعيدًا عن الرسائل، الكثير من مشاريع الكتابة محفوظ إلى وقت غير معلوم، لدي أفكارًا أنتظر تنفيذها كما أفتقد وبشدة قراءة الأدب < لازم أقول كل شيء.

لا بأس لي عودة هنا بإذن الله، والآن مع مقتطفات الرسائل.

٣١ أكتوبر:
قرأت فقرة من كتاب المتخفي الحيوات السرية للدماغ:

ونحن لسنا واعين إلا بالقليل جدًا مما يوجد في الخارج. فيقوم الدماغ بصياغة افتراضات لتوفير الوقت والموارد ويحاول ألّا يرى العالم إلّا بالصورة التي يحتاج إليها. 

وهذه حقيقة ملموسة لكل من يحاول ملاحظة نفسه أو الآخرين من حوله، وأظن أن ملاحظة أنفسنا تحت تأثير عبورنا بظروف عدة كفيل باكتشاف واقعية هذا المعنى. 

١ نوڤمبر:
في الصباح أثناء قيادتي فوق الكبري تذكرت بأن اليوم هو ١ نوفمبر، وأنا أحب البدايات الزمنية أجد فيها فرصة حقيقية وإن قصرت للبدايات الجديدة. الفكرة المسيطرة كانت التركيز على ذاتي أكثر، وعلى من يهمني أمرهم.. الانشغال بأمور ذات قيمة بعيدة كل البعد عن المهاترات والسخافات، الابتعاد عن الفضول دون معنى، وووالكثير مما أود تذكير نفسي به. وجودنا في دوائر اجتماعية يحتم علينا التعرض لمثل هذا، إضافة لتطبيقات التواصل الاجتماعي، لست مثالية لكن فعلًا مثل هذا يسلب الكثير من أوقاتنا وتركيزنا وطاقتنا…. لسنا مراهقات!

٢ نوڤمبر:
تناقشت وصديقتي عن الأثر الذي يبقيه مرور أحدهم، كيف لدخول شخص خاطئ (أو صحيح) إلى حياتك يخلّف وراءه كل هذا الأثر والظهور؟ لي ولها تجربتنا مع اختلاف المدة، ……… لكن لماذا دخول شخص إلى حياتك يبقيه إلى هذا الحد؟ أرجّح صدق الشعور لأنه يحف التفاصيل بهالة تبقيها. بصرف النظر عن التفاصيل، ربما يبقى هذا الأثر إيجابيا أو سلبيًا مشكلتي ليست في نوعه إنما في تواجده من الأساس حين لا أرغب به. كيف حياتي وتفكيري كانا خاليين تمامًا من طيف ذلك الشخص، والآن قد يعرّج ويظهر في لفتة هنا أو هناك؟فكرة مبتذلة بعض الشيء.

٣٠ نوڤمبر:
أحب نهاية الأسبوع، بهجة دائمة مكررة لا نملها ولا تفقد انتظارنا لها. وما أحبه أكثر، هو خوض تجارب صغيرة، مطعم أو مقهى أو نكهة جديدة من شيء ما، أظن بأن هذا الفعل البسيط هو رصيد عيش لذيذ وجميل. والأكثر أحب الهدوء وغالبًا ما يزداد ارتباطه بنهاية الأسبوع إذا كان خاليًا من صخب العائلة الممتدة. ومنه أحب كذلك الروتين، في الحقيقة.. أرى أني مدفوعة للتحدث عما أحبه من أيامي لأني ما زلت تحت تأثير استشعار الجمال الكامن وراء اختلاف نمط أيامي. 

بعيدًا عن كل شيء، يبدو جيدًا وجليًا أني أعيش (حبسة الكتابة) ممتدة طوال عام ٢٠٢٤، فلم تتجاوز دفاتر يومياتي اثنين، وتدويناتي قليلة جدًا جدًا جدًا وأخيرًا الحال مع رسائلي. والأخيرة هي الأحب لقلبي.. أريد أن أكتب لكن الأمر لا يتجاوز رغبة يزعجني صدى ترددها في رأسي. 

أحاول دومًا الموزانة بين جمود الفيزياء والهندسة بمزجهم بالأدب إلا أن ٢٠٢٤ الأقل على الإطلاق في قراءتي الأدبية، تكاد تقترب للصفرية وربما أتدارك الوضع في آخر شهر. 

صممت جدولًا لمتابعة تقدمي فيما أقوم به من اهتمام بجودة الطعام والرياضة والنوم والماء ،، 👇🏼

على أن أسجل كل هذا التتبع في آخر دقائق من يومي قبل النوم، وذات مرة لاحظت مدى وتيرة أيامي، تميل في طبعها كما يعتقد بعض من حولي إلى البطء الذي هو انعكاس لي. ومنها بدأت في التأمل قليلًا، الوتيرة البطيئة أو لأقول الأثر التراكمي الصغير هو ما أفضله، كنت أفكر حينها في طبيعة تواجدي سواء في الواقع أو برامج التواصل. قبل سنوات كنت كاتبة في البايو: في الظل، انكفاء واكتفاء..وصورة: في الركن البعيد الهادئ، هذا ما أميل إليه في معظم أوقاتي، وسمة الهدوء أو البطء أجد فيها راحتي، وقليل دائم خير من كثير منقطع، ووو 

انكمشت مؤخرًا لينحصر تواجدي في كافة التطبيقات إلى مشاركة أكواب القهوة وصفحات الكتب وبعض المشاهدات، ابتعدت عن اليوميات الشخصية وتفاصيل أيامي بخلاف ما كنت أفعله يوميا في مدونتي! مع استمرار توثيق لحظاتي، الاختلاف خاص بالمشاركة فقط. 

حين أفكر في حياتي أتخيل كما لو كنت أنظر إليها من بعيد، لأرى نمطًا أحبه من التواجد على كافة الأصعدة، عنوان رئيس هو كما قلت قبل قليل: القليل الدائم، بوتيرة هادئة. ولأني أحب القراءة، تعطيني قناتي في تلقرام شعورًا لطيفًا وأنا أرى إضافاتي فيها متتابعة تبعًا لما أقرأ، ومن هنا يأتي الحال تأكيدًا لفكرة تعظيم استشعار اللحظات الصغيرة اليومية والتي بدورها تشكل فارقًا حقيقًا. 

كوب القهوة والكتاب والمشاوير والرفقة الطيبة والدوام والقراءة والكتابة والنادي وتجارب الطعام والوصفات الجديدة والمعلومات والفوائد الغذائية الجديدة وتجربتها لأرى واقعية أثرها، والكثير، هذه الحياة بمعناها الشاسع شاملة أدق تفاصيلي لأعظمها، أنا أعيشها ثم أعيشها مرة أخرى بشعوري المرافق لها وهي طيفًا يدور في رأسي، لا أعلم كيف أعبر عن مدى غبطتي التي تطوف بي حقًا.

ربما أكثر من التحدث عن تفاصيل أيامي وأكرر، لأن الفترة الحالية هي أشبه بطوق النجاة وعودة بعد انقطاع دام لأشهر، فالعودة لي ولروتيني.. كانت عودة بتدرج وانتكاسات إلى الوصول أخيرًا والحمدلله. والأهم هي انتعاش نفسيتي ومزاجي وقدرتي على التعاطي مع الأمور ونظرتي للأشياء عادت إلى نسختها التي عهدتها عن مشاعل بعد ضباب وبرد قارس! 

٧ ديسبمر:
سمعت اليوم بودكاست Brain Science وقالت الدكتورة جملة رأيتها معبرة جدًا! كانت تصف مالذي يجعلنا بشرًا؟ وأول ما قالته: “Fundamentally, we’re designed to feel, and it is ironic because people actually have feelings about feelings!”

هذا المعنى العميق؟! لم أفكر فيه من قبل رغم كثرة تواجده في حياتي، هي ضربت مثال البكاء، أن تبكي أمام صديقك المقرب، البكاء هو الشعور الأول والشعور الثاني هو ما يكون حيال شعورك الأول لن يكون سلبيًا بمعنى لن تشعر بالغضب لأنك بكيت أمامه، فين حين لو أنك بكيت أمام مديرك في العمل فسيكون شعورك حيال هذا البكاء سيء، ومن هنا الشعور الأول البكاء، الشعور الثاني ما تشعره حول البكاء!! مثالها رغم بساطته إلا أنه جعلني أفكر أو استعيد لحظات مضيئة في حياتي شعرت فيها بشعور حيال شعور آخر أصلًا! اهخ عامة، الدماغ وكل ما اتصل به مدهش وعظيم وآسر وخلاب ودهشات وصدمات متواصلة لا تنتهي.

تعقيبًا على معرض الكتاب، تبدو زيارتي هذه المرة دون قائمة، إذ مثل هذا الوقت من كل عام عادة ما تكون قائمتي جاهزة، أتمنى تجربة ذلك. وعلى الهامش: سمعت خلال الويكند امشِ مع أمل السهلاوي، حديثها عن الكتابة هو بالضبط ما أريده وأتمناه، أن أكتب الأشخاص والأحداث والأفكار والشعور ببساطة! أشعر أني فقدت عفوية الكتابة لدي وتبقى الفكرة حبيسة رأسي -أضيء مصباح قراءة كتاب داء منتصف الليل: الدافع إلى الكتابة وحبسة الكاتب والدماغ المبدع- وااااو ويني عنه من أول؟؟؟؟؟؟

والآن، إلى تدوينة أخرى بعيدًا عن سرقة فقرات من رسائل مرسلة، اشتقت جدًا للكتابة هنا.

كواليس مُهمّش

لستَ بحاجة لبذل جهد إضافي على معيار الذكاء الاجتماعي لتدرك مشكلته، كان شخصًا رغم كل ما يقدمه على جميع الأصعدة، الاجتماعية والعائلية و و ، يفتقد شيئًا من الاهتمام والالتفات إليه ما يجعله يسعى للحصول على جرعات متفرقة منه ومتواترة. ربما هو لا يدرك، ولن يلاحظ سعيه الدؤوب هذا من حوله، الكل يراه منشغلًا بأمر ما، هو ذاك الشخص الذي تعرفه لكنه مشغول مشغول مشغول! وحتى انشغاله لم يفهم كما يجب.

ببساطة شديدة، متماسك من الخارج وفتات من الداخل، هو يفتقد التقدير والشكر والاهتمام، الذي يفترض أن يتلقاهم نظير صنيعه وعيشه وتواجده ولأنه هو كما هو فقط! الأدهى من ذلك، هو بحاجة ماسّة للتأكد من أنه ما زال (مرغوبًا) أو (مقبولًا) أو (يمكن الالتفات إليه) يقاوم تفكيره المختل بمحاولات ابتعاده عما تمليه طبيعته، ليعود بعدها إلى أساسه النفسيّ مثقلًا بألف عذر يسكت بها صوته الداخلي -إن وجد-

والآن، خذ كوب شاي وتفضل بالجلوس بعيدًا ثم تابع المشاهد، سترى شخصًا وحيدًا رغم من حوله، هو لهم في حكم المعتاد، موجود لكن لا أحد يلتفت لهذا الحضور الدائم، فقط راقب وسترى هذا جليًا في الطريقة التي يختار أن يقول بها: أنااا هنااااا أو كيف يعرّف عن نفسه، ما الأشياء التي يقدمها وكيف؟! ما المواقف والقصص التي اعتقد أنها مهمة جدًا لدرجة عرضها على شخص للتو تعرف عليه، أوصيك بملاحظة الانطباع أو الفكرة المشتركة بين ما يقول، ليسهل عليك معرفة ما يجهد لإيصاله محاولًا به اقناع نفسه قبل غير حاشيًا الكثير من المبررات.

لأول مرة أعرف شخصًا جيدًا بظروف محيطة قاسية، هذه الوصفة ملازمة منذ الطفولة، انعكست جليًا فأنتجت توليفة شخصية عجيبة، شخص يسعى دومًا وللأبد لإثبات أمور عدة في حين أنه يدعّي خلاف ذلك، لا عليك صديقي، فقط اجلس ولاحظ، هل انتهيت من كوب الشاي؟

في مهب الريح، كنت.

عودة قليلة للوراء، نعم إلى السنة الدراسية الماضية وبدايتها إذ كانت العودة الأكثر صعوبة بالنسبة لي، خصوصًا في أولها حيث تقاطعات متعددة في آن واحد ويلزمني مواجهة كل هذا وحدي. لماذا أتخذ من بداية السنة الدراسية علامة مرجعية في سجلات الوقت؟ أتذكر هذا الاقتباس: وأخبرت كل من يهمه الأمر بأنني سوف أسافر لمدة فصل دراسي كامل (لا يفكر أساتذة التعليم وفقًا للشهور، فالفصل الدراسي هو وحدتنا الزمنية.) #جغرافيا_الوقت

وخلال عام منذ تلك العودة حتى الآن -أكتب هذه التدوينة بعد نهاية الأسبوع السابع من العام الدراسي الحالي- تذبذبت كثيرًا من أجل الوقوف ثابتة مرة أخرى، وأرخيت على غير العادة يدي من كل شيء تقريبًا، فقدت رغبة التشبث وصرت لا مبالية أمام الكثير مما يعبرني، كنت أستيقظ وأنا أدفع نفسي دفعًا للقاء أيامي، وأكتب في دفاتر يومياتي كل حيرتي وأسئلتي وقوائم التذكيرات وأخرى للتنبيهات وواحدة إضافية للمحظورات وأخيرة لما أرغب في فعله دون تنفيذ يذكر، لم يكن وقوفي هذه المرة بالذات سهلًا أو سريعًا. جاهدت جهادًا قاسيًا وعلى جبهات عدة، ما كان مختلفًا هو أني ولأول مرة استسلم إلى هذا الحد! كنت كمن أرخى كتفيه يائسًا بائسًا مشكلّة كتلة مركزة من الإحباط. لم يكن هذا حالي طوال الوقت، لا على الإطلاق…لكن في مرات عدة خلتني هكذا. وسمحت لنفسي بعيش كل لحظة إلى أقصاها رغبة مني في التخفيف من التراكمات وما يليها من مواجهات.. كنت بلا مبالغة أردد: معليش يا مشاعل عادي مو شرط كل شي يكون بأحسن صورته الآن، فيه أولويات.. اوكي عدّي مشّي…. وما يعد فارقًا هنا، أن كل ما أعنيه هو شيء داخلي، لا يرى بالعين المجردة لكن كنت أغرق في وحله كل ثانية، وهذا ما يزيد الانتشال صعوبة!

لم أكن لأصل إلى ما عليه الآن لولا فضل الله سبحانه قبل أي سبب آخر، أدرك تمام الإدراك ومن قبل مؤمنة أن ما كتبه الله لي من كل ما كان لحكمة يعلمها وحده لكن في باطنها الخير لي كامنًا، محدودية تفكيرنا وقدرتنا البشرية قد لا تستوعب ذلك في أحيان عدة، إيماننا وسعينا الدؤوب للوصول إلى أفضل نسخة منّا وإن كانت بعد سقوط متكرر، وحدها لا تذهب هباءً منثورًا.

توقفت عن الكتابة هنا متعمدة وغير متعمدة، لم أرغب بتوثيق كثيف -هنا- لكل تخبطاتي ومحاولاتي للوقوف من جديد، أردت العودة وأنا مشاعل بنسختها الجديدة (المعدّلة والمزيدة). مشاعل التي تنغمس في تفاصيل يومية صغيرة لكنها مفضلة، هذه المتعة الصغيرة والتي يمكنني وصف أن أيامي قائمة عليها، فقدتها. لم أكن أتذوق المتعة في أي شيء حتى مما أفضّله، والعقل هنا ومحاولات التعقل قد تبدو سخافة.. لكن ما الذي يجدر بنا فعله؟

تركت الأمور تسير وفقًا لما تريده في معظم الأحيان= فوضى عارمة. ساءت في جهة وتحسنت في أخرى، كان كل شيء يبدو سطحيًا ظاهريًا لا أعيش أي لحظة بشعور صادق وعميق كما يجب، وهذا أسوأ ما يحدث لي أنا التي أغرق في تفاصيل لحظاتي، كنت أمثّل في مواقف كثيرة، رغبة مني لكيلا أفقد خط الرجعة تمامًا، بهذه الحيلة قاومت بعض الأحيان، إلى أن عدت قليلًا وبالتدرج وبلا شك تضمن ذلك الكثير من الانتكاسات، لكن المهم هو علمك التام بأن هذه انتكاسة مؤقتة وليس تصفيرة للعداد. كان تقدمًا بطيئًا جدًا يتبعه توقف لفترات طويلة، مع صوتي الداخلي للتذكير والمواساة أو الإحباط في بعض الأحيان.

تحسنت الأمور أخيرًا بفضل الله، ولعل أبرز مؤشر هو قدرتي على الالتزام بروتين – تدوينتي السابقة خير دليل- ثم التركيز على الأهم والمهم فقط، هذا ما قد يبدو بديهيًا لكن للأسف المشتتات كانت تفوز بالاهتمام مقابل الأولويات (محاولات هروب) لأن لا حيلة لتحمل أي شيء. عدت للقراءة المنتظمة، متابعة حفظي، ضبط كلًا من سعراتي الحرارية وساعات نومي وتناولي للقهوة وعدد خطواتي وشربي للماء ومؤخرًا إغلاق دوائر ساعتي، أخيرًا للترجمة وها أنا أعود للكتابة، وتصوير مشاهد الشروق والغروب المفضلة والتي توقفت عنها كثيرًا. ومن قبل، الوعي بما يستحق الالتفات إليه وما لا أكرمه بطرف عين، ما يأخذ من وقتي وما لا أعطيه فضلة ثواني! إدراك قيمة الأشخاص والأشياء والدروب والخيارات من حولي، لهذا والله أثر عظيم في قلبي وهذا ما كنت أفقده. وبينهما كثير، لكن لا حاجة للكتابة عنه -هنا-

الآن والآن فقط، يمكنني قول أني استعدت النسخة المفضلة والأفضل من مشاعل. ألا يستحق هذا الاحتفال؟

الحمدلله.

دوائر

تبدو في ظاهرها صورة عادية لا تحتوي أيًّا مما يميزها أو يضفي عليها لمسة سحرية، لكنها بالنسبة لي تعني الكثير وقد تعمدت تأخير توثيق هذه اللحظة حتى لا تأخذني الحماسة أمام التأكد. استعادة قدرتي على فعل بسيط كتنظيم أسبوعي وقائمة مهام يومية يعني عودة جزء كبير من مشاعل أو بمعنى أدق تجاوز الكثير مما كان، الأمر أشبه بأخذ لفة كاملة ابتعدت خلالها عما أفضله والآن عادت خطواتي إلى أماكني المفضلة. لأن فعلًا كهذا رغم حبي له فقدت رغبتي تجاهه وكان يبدو ثقيلًا أقرب للمستحيل، اليوم أكملت شهرًا كاملًا..

تذكرت اقتباس: “طاف في دوائر لا تنتهي. أعطى نفسه أن تضيع.”
ربما لا بأس من إعطاء أنفسنا خيار أن تضيع قليلًا شرط أن تطوف في دوائر لضمان عودتها 🌀.

🔸 مسرات صغيرة: الانتباه إلى التقدم والتغيرات الإيجابية تمامًا كملاحظتنا الدقيقة للتراجعات والسلبية.