
حلل عبدالسلام بنعبد العالي في كتابه قراءات من أجل النسيان، جائحة كورونا تحت عنوان (سنة القطيعة) تحليلًا عميقًا، يبدو لمن عايشها كما لو كان مراجعة شاملة لتلك الفترة بتجاربها المختلفة. وقال أنها ذكرته برواية الطاعون، وهي مما حرصت على قراءته خلال الفترة الأخيرة من الجائحة. 🤝
يقول عن الرواية:
❞ كان للجائحة، ككلٍّ ما يترتَّب عن تجدُّد العلاقة بالموت، وَقْعٌ شديدٌ على «الوضع» الأنطلوجي للفرد، ذكَّرنا بما كانت شخوص رواية الطاعون لألبير كامو تطرحه من أسئلة. لا عجب أن ترتفع مبيعات تلك الرواية عند الجائحة، بشكل مدهش سواء في فرنسا أو في إيطاليا. فهي كانت تصوِّر مختلف أشكال ردود الفعل ❝
يصف بنعبد العالي سنة جائحة كورونا بأنها كانت سنة ذات تحولات جذرية على مستويات عدة، بحيث أعدنا النظر في الكثير من الثوابت، إلى الحد الذي يمكننا أن نصفها بالقطيعة ومعنى هذه المفردة كما وصفها: هي لحظة انفصال العلم عمّا قبل تاريخه.
يعدد بعد ذلك كل ما لحقه هذا التغيير، أولًا: المؤسسات التعليمية والإدارية، وأن الجائحة عجّلت وعممت تطورهما المتوقع لكنه كان مؤجلًا إلى حين ظهور الجائحة والتي بدورها أتاحت لنا فرصة التعلم دون الحاجة للذهاب إلى مدارسنا، والأمر ذاته مع الأعمال الإدارية. على هامش هذه الفقرة، يجدر بي ذكر أني استفدت بشكل شخصي من التغير الحاصل للمؤسسات التعليمية والإدارية، فالتعليمية كنت بين دورين أثناء الجائحة، إذ أتممت فترة من تعليمي الجامعي كما كنت في الجهة الأخرى معلمة أشرح لطالباتي، حينها كنت معلمة للصف الرابع الابتدائي والثاني متوسط، وهناك بعيدًا عن التعليم، شرعت بقضيتين في المحكمة، بدأتهما وانتهيت منهما وجميع الجلسات كانت عند بعد!
ثانيًا: تحدث عن الثقة في المعرفة العلمية والتي أصابها خلل كما يرى، إذ اهتزت الثقة بمصداقية العلم، وظهر عوضًا عنها اللايقين العلمي، وتضارب التأويلات واختلاف آراء العلماء، وخص بالذكر العلوم الطبية، والتي يرى أنها فقدت شيئًا من هيبتها، وصارت حديث الجميع، والكل يدلي بدلوه -رأيه- كيفما يريد حول طبيعة الفايروس، انتشاره أو حتى علاجه.
ثالثًا: وسائل الاتصال، يرى بنعبد العالي أنها المستفيد الأكبر من الجائحة، كانت أشبه ما تكون بالجندي المجهول، وصفها بأنها المنقذ المعوّل عليه في تخفيف حدة ما نزل، تحول كل شيء بوجودها إلى (عن بعد) تعليم وعمل. كما أنها خففت من العزلة وحافظت للأفراد قدرتهم على التعبير إذا ما فقدوا قدرتهم على الحراك والانتقال.
رابعًا: يذكر أن الجائحة أنعشت دور (الدولة) بالعموم، وأوضحت أنها المسؤولة عن رعاية حياة المواطن، وعن الحياة الاجتماعية بأبعادها كاملة، وتحول هاجس الدول إلى الهدف الأول: هاجس الصحة. وأمام فايروس كورونا برز دور المصلحة الخاصة من أجل المصلحة العامة متمثلًا في الصحة الفردية من أجل صحة المجتمع، فسلامة كل فرد مرتبطة بسلامة المواطنين جميعهم.
أخيرًا: يختم بنعنبد العالي:
❞ نلمِس هنا التحوُّل العميق الذي خلَّفه الفايروس، ليس على الأفراد هنا وهناك، وإنما على الوضعية البشرية برمَّتها. إنسان آخر تولَّد عن الجائحة. لم يعد الإنسان هو هو سواء في علاقته بالآخرين أو بالمؤسَّسات الاجتماعية أو حتَّى في علاقته بالوجود. ❝
هذا من فوائد القراءة أثناء الإجازة، لا يكفيك أن تقرأ.. إنما تكمل بكتابة ما يدور في رأسك، بدأ الأمر بتغريدة وانتهى بما يشبه المقال 😊
عندما أتفكر أيام الجائحة، خاصة الأولى منها أشك بأنني كنت في حلم مفزع، في كوابيس. أما بخصوص رواية الطاعون فإن أحداثها تدور في مدينة وهران الجزائرية، لكنك تستطيع أن تغير اسم المدينة كما تشاء فإنه لن يتغير شيء. لأن وهران في رواية الطاعون ليس بها جزائريين و لا أحياء جزائرية.
إعجابإعجاب