اختيارات شخصية

اختار اللون الرمادي، الضباب محفوفًا بالبرد القارس، أن ينحصر حضوره في ضمير الغائب البعيد المنسي إلا من بضع مواقف، أزاح عنّا كثافة التواجد واستبدلها بمحض تذكر باهت.

اختار الموت في حضرة الحياة، وأن يبقى هناك بعيدًا وحيدًا كقائد جيش تخلى عن آخر جنوده، عاد دون انتصار أو هزيمة، فقط عاد وهذا كل ما لديه.

اختار الصمت يحيط به من كل زاوية، وهدوءًا يتربص به كشبحٍ حد الحيرة أهذه يقظة أم حلم؟ قابع في مكانه حجر ساكن في بركة آنسة لا يلفت نظرًا ولا يحدث فرقًا.

اختار أن يكون مقدمة ثالثة في كتاب، يُتجاوز بتذمر ملل شديد لا يُقرأ ولا يُذكر، فضل زائد حشو…أو كما قيل: يمينًا للفتى الأعسر.

اختار شطب نفسه من آخر سجلات الحياة احتفاظًا به… ثم عاش مجهولًا.

كواليس مُهمّش

لستَ بحاجة لبذل جهد إضافي على معيار الذكاء الاجتماعي لتدرك مشكلته، كان شخصًا رغم كل ما يقدمه على جميع الأصعدة، الاجتماعية والعائلية و و ، يفتقد شيئًا من الاهتمام والالتفات إليه ما يجعله يسعى للحصول على جرعات متفرقة منه ومتواترة. ربما هو لا يدرك، ولن يلاحظ سعيه الدؤوب هذا من حوله، الكل يراه منشغلًا بأمر ما، هو ذاك الشخص الذي تعرفه لكنه مشغول مشغول مشغول! وحتى انشغاله لم يفهم كما يجب.

ببساطة شديدة، متماسك من الخارج وفتات من الداخل، هو يفتقد التقدير والشكر والاهتمام، الذي يفترض أن يتلقاهم نظير صنيعه وعيشه وتواجده ولأنه هو كما هو فقط! الأدهى من ذلك، هو بحاجة ماسّة للتأكد من أنه ما زال (مرغوبًا) أو (مقبولًا) أو (يمكن الالتفات إليه) يقاوم تفكيره المختل بمحاولات ابتعاده عما تمليه طبيعته، ليعود بعدها إلى أساسه النفسيّ مثقلًا بألف عذر يسكت بها صوته الداخلي -إن وجد-

والآن، خذ كوب شاي وتفضل بالجلوس بعيدًا ثم تابع المشاهد، سترى شخصًا وحيدًا رغم من حوله، هو لهم في حكم المعتاد، موجود لكن لا أحد يلتفت لهذا الحضور الدائم، فقط راقب وسترى هذا جليًا في الطريقة التي يختار أن يقول بها: أنااا هنااااا أو كيف يعرّف عن نفسه، ما الأشياء التي يقدمها وكيف؟! ما المواقف والقصص التي اعتقد أنها مهمة جدًا لدرجة عرضها على شخص للتو تعرف عليه، أوصيك بملاحظة الانطباع أو الفكرة المشتركة بين ما يقول، ليسهل عليك معرفة ما يجهد لإيصاله محاولًا به اقناع نفسه قبل غير حاشيًا الكثير من المبررات.

لأول مرة أعرف شخصًا جيدًا بظروف محيطة قاسية، هذه الوصفة ملازمة منذ الطفولة، انعكست جليًا فأنتجت توليفة شخصية عجيبة، شخص يسعى دومًا وللأبد لإثبات أمور عدة في حين أنه يدعّي خلاف ذلك، لا عليك صديقي، فقط اجلس ولاحظ، هل انتهيت من كوب الشاي؟

دائرة

متأخرة عن كل الأشياء وتجاه كل الأشخاص كما لو أنها في غير زمانها، كما لو أنها قررت التخلف عن الكل دفعة واحدة. لا تنام ولا تنجز مهامها -لكثرتها- وتركض في سباق دائم ولا وقت فراغ لديها. رأسها دائم التفكير والأسئلة لا تتوقف وحيرتها تكبر. تشعر أنها تضخم التفكير بأمر ما، هذا هو الواقع وما يزعجها علمها بذلك، تفكر لابد أن يعود كل شيء إلى حجمه الطبيعي، إلى ما يناسبه وهذا يعطيها شعورًا حادًا لكن لابد منه وضروري ولازم! أخيرًا تشعر أنها تدور في ذات الحلقة وكل شيء يتكرر مخلفًا أثرًا أعمق.

لا شيء

لا شيء، سوى أنها تشعر بالوحدة مؤخرًا أكثر من قبل. أو بمعنى أدق صارت الوحدة ترافقها، تظهر كأنيس مخلص في كل لحظاتها التي تكون فيها وحدها وهي ليست بالقليلة، كشبح يحيط بها ليفكرها بمدى مخالفتها كل هذه الحشود من حولها. لكنه يقطع هذه الوحشة، هو ضبابي وغائب وحضوره لم يتجاوز هيئته التي تعرفه بها، طيفًا يومض كمصباح مهترئ. هي من اختارت له أن يكون (هنا) على الرغم من حرصه الدائم ألا يبرح (هناك).

أشخاص – شخصيات

أضيف نوعًا جديدًا من النصوص إلى المدونة، على أن كل ما أكتبه ما هو إلا ضمن سلسلة وصفية لأشخاص حقيقيين واقعيين قريبين أو هم محض خيال في البعيد القصي. وبذلك فإن احتمالية تواجدهم من عدمها تختلف في كل مرة يُكتب فيها أحدهم. الهدف منها التركيز على الأشخاص (الشخصيات) وما الأحداث إلا مرفق ثانوي. كل الشخصيات في بطن كاتبهم أو ربما في قلبه أو حتى في عقله، لا أحد يعلم عن مكان تواجدهم على وجه الدقة كما لا يمكننا التصريح أو التلميح بذلك وكل ما يكتب يبقى في منطقة الاحتمال والافتراض.

قد تتخذ هذه السلسلة عدة أشكال أدبية، وقد يُخترع لها شكل أدبي خاص وكل هذا خاضع لمزاج الكتابة (مزاجي لكن ألصقها بالكتابة).