صخب صامت

رفقة الوقت.

نهاية أسبوعي هذه المرة جائت بعد فترة إرهاق شديدة اللهجة، وانعكس ذلك على نومي ومزاجي وجسدي ولحظات الفراغ، كنت بحاجة إلى قضاء أوقات بأقل عدد من الكلمات والبشر قدر المستطاع، اخترت كتاب (الصمت في عصر الصخب) رفيقًا لي في يومي العطلة، لم أعلم بأني سأحدد فيه كثيرًا وأكتب أكثر، يبدو حقًا وفقت في اختياره، مناسب لكل شيء في الفترة الحالية.

في الحقيقة، أود الكتابة كثيرًا وهذا ما فعلته بالأمس في دفتر يومياتي بعد صمت وانشغال ممتدين منذ شهر، كتبت حتى هدأت، بالأمس لاحظت فرق حالي عند النهاية عنه في البداية وهذا ملاحظ في مرات مشابهة، استغرقت الكتابة ما يقارب ساعة كاملة. مثل هذه الكتابة والتي عادة ما تكون بعد انقطاع واحتدام تأتي كضرورة واحتياج.

أكتب الآن وأنا جالسة إلى طاولة مفضلة في مقهى مفضل، يبعد عن بيتنا قرابة العشر دقائق، كنت أريد الذهاب لآخر لكنه بعيد وأنا في حال لا يسمح بأي شكل من أشكال (الكثير) سواء كان مسافة أو وقت أو أي شيء من كل شيء!

هذا المقهى إضافة لقربه يكاد يكون ممتاز في كل ما يقدمه (الساخن) وله إطلالة بنوافذ زجاجية واسعة جدًا، مما يتيح لي تأمل شوارع جدة فأهيم في حبها أكثر وأكثر. هل يعقل لقلب أن يعشق مدينة إلى هذا الحد؟ جدة بالطبع تستحق وبجدارة 💙🌊

كان هادئاً وبمعنى آخر لا صوت فيه ثم وفجأة بدأوا بتشغيل أغاني، لم يكتفوا مثلًا بموسيقى على أقل تقدير! وهنا تذكرت ما قرأته في كتابي قبل دقائق من خروجي إلى هنا: كل مشكلات الإنسانية تنجم من عجز الإنسان عن الجلوس صامتًا في غرفة بمفرده. نعم لم كل هذا؟

قرأت تغريدة تسأل عن أهم الدروس التي خرجت بها من ٢٠٢٣، بالنسبة لي، لم يكن درسًا بقدر ما هو تأكيد صريح وواضح، ربما سأقول بأني سعيدة أني خرجت بأقل الأضرار الممكنة مع عبرة قوية ودائمة.

انقضى الفصل الدراسي الأول وأنا في قسم الثانوي مع الصف الثاني ثانوي ومقرر الهندسة، وبدأ الثاني مع الصف الأول الثانوي ومقرر الفيزياء١، مر كل هذا وأنا لم أكتب!

أجمل ما يمكن أن يهديه الإنسان لنفسه، رفقة طيبة له مع ذاته، إذا ما أحسنها.. كل ما عدا ذلك سهل وجميل.

ثرثرة

في هذه اللحظة من يومي، أشعر وكأن زحامًا أو احتدامًا أو حشودًا تسكنني، مضت أسابيع منذ آخر مرة كتبت فيها يومياتي وأقصد هنا الكتابة في دفتر يومياتي على وجه الخصوص وهو المكان الأهم. كتبت خلال ما مضى بعضًا من صباحاتي -في الدفتر-، إذ اعتدت على تضخم رغبتي في التدوين صباحًا وخاصة بينما أجلس إلى فوضى مكتبي، إلا أني لم أكتب أيًا مما يدرج تحت أفكار أو هواجيس أو أسئلة أو تحديثات أيامي، وكعادتي مع لحظات الصمت الكتابي هذه، لا تتوقف أفكار تقفز في رأسي تحت عنوان: نقطة مهمة للكتابة عنها.

هذا الصمت بالنسبة لي مزعج، تزامن معه قرار توقفي عن كتابة رسائل طويلة ويبدو هذه المرة إن لم يكن قرارًا نهائيًا فهو بالطبع طويل أمد فيما يخص تنفيذه، ومع هذا الحال دخلت في حالة صمت عميقة، لا يوميات ولا تدوينات ولا رسائل، فإن شيئًا لا يتسرب من رأسي! وتتراكم الحروف مع الكلمات والأفكار بجوار يومياتي منتظرة لحظة الفرج.

أود الكتابة عن أشياء كثيرة، عن حقيبتي والعمل في قسم جديد وزيادة سكوتي وأفكاري وكومة جيدة من الأسئلة واستنتاجاتي وتجاربي واكتشافاتي وامتناني وطالباتي وشعوري وهواجيس اللحظة وهذه وحدها تضم الكثير.. عن فهمي المتأخر بعض الشيء، وعن غضبي ولومي لذاتي والأهم أخيرًا تكامل الفهم إلى حد يسمح عنده بتجاوز كل ذرة غضب أو لوم أو حزن.

الآن 11:42م تتملكني رغبة في تحويل كل شيء إلى نص، ثم أفكر في قوة الصمت الظاهر هذه رغم كل ما يدور في الداخل هناك.

مخرج:

“ولكنني واصلت
‏وأنا مُتعب
‏واصلت
‏وأنا خائِف
‏واصلت
‏وأنا وحيد
‏واصلت
‏ولم يكُن لدّي من الرجاءات الكثير
‏سِوى أن لا أتعثر يومًا
‏في تعبٍ آخر، وخوفٍ آخر، ووِحدةٍ أُخرى”.

إنه الخميس مرة أخرى!

إنه الخميس، وهذه المرة جاء بعد طول غياب، ليس في حضوره إنما في حالي المرافق له، اليوم عدت إلى ما كنت عليه وما اعتدت أن يكون من نفسي وطبعي وفكري، عدت نفسيًا وذهنيًا ومشاعريًا إلى مشاعل التي ابتعدت عنها لفترة كنت خلالها لا أقف عن محاولات الرجوع. وأعني بالعودة والرجوع، أن أقضي أوقاتي بتلك الحال التي يغدو فيها ذهني خاليًا مما يعبره قسرًا! يظهر في كل وقت وحين، دون استئذان ولا يستجيب لطلبك منه بالمغادرة.

الأمر طبيعي جدًا، فالانتقالات السريعة المفاجئة كما كتبت هنا سابقًا تأخذ وقتها معي، وأنا أنتبه إليها وأسجل في يومياتي تفاصيل التحديثات القائمة. كتبت كثيرًا، وكنت في بادئ الأمر متقلبة حادة إلى ما يقترب من التضاد والنقيض، كنت أعيش كل حالة كما يجب، ومحاولات العيش مستمرة، خطان متوازيان أحدهما يسرق اللحظة والآخر يحاول عيشها بأفضل ما يكون أو ‏حققت المعنى الكامن في هذا السطر: ” طاف في دوائر لا تنتهي. أعطى نفسه أن تضيع.” درت وضعت كثيرًا، وأبدو لمن حولي أنا كما أنا لا اختلاف، في حين أني كنت أقطع شوطًا ثم ما ألبث أجدني محتدمة عند نقطة البداية من جديد!

الأربعة الأسابيع الأولى، كنت ظاهريًا على ما يرام، إنما السر كله في الداخل، أنا مع نفسي! كنت مثقلة، محبطة ويغلبني شعور الخيبة لأسباب تخصني، وأفكار في معظمها متضخمة والكثير من الحيرة والأسئلة المعلقة، فمغادرة المنطقة الخاصة أمر مرهق، لا يُتجاوز بسهولة وكأن شيئًا لم يكن، وهنا أتذكر ما مر بي ذات يوم وأنا أقرأ: “كنت أتركه ينتقل إلى المكان الثاني من اهتمامي.” هذا الانتقال يأتي حاملًا معه أثقاله، وكما قلت أيضًا أنا استغرق وقتًا أطول، لا أضغط على نفسي، أفرغ كل شيء حتى لا يبقى ما يضطرني المكوث لفترة أطول.

استغرقتني هذه العودة 11 أسبوعًا، لم ألاحظها اليوم فقط، تحسن الحال بما يرضيني منذ أسبوعين تقريبًا، لكن هذا الأسبوع كان من السهل ملاحظة العودة داخليًا، عودة شعوري وتفكيري وصوت حديثي ونوع الأفكار و و و. عدت مشاعل التي أعرفها، أضحك وأشاغب وأحارش من حولي هذه مقايسي، صحيح أن طبعي يميل للهدوء، لكن في الوقت ذاته أنا أشاغب (لفظيًا) عاد الهدوء دون شعور سلبي وقل الانفعال والاستغراق في الأمور دون أي مرافق قسري، لا مشتتات (داخلية)، رافق ذلك عودتي للأنشطة المفضلة.

وهنا أتذكر الاستئناف بشكله: “وأن أتابع دون انقطاع ما بدأته من تصعيد منذ ولادتي.” و “نحن ما نحمل في قلوبنا من فُتات الحنين، وما نخزنه في ذاكرتنا من جداول التجربة.”

بصوت مرتفع: إنه الخميس، وأي خميس!

فيلم: CODA

للمرة الثانية أشاهد فيلم CODA على الأقل أكملته هذه المرة، فالمرة الأولى كانت سنة 2020 وحين سجلت دخول إلى حسابي كان ما زال تطبيق Apple TV محتفظًا بدقائق مشاهدتي، وعلمت بأني وصلت إلى النصف ساعة الأولى. لا أتذكر منها إلا مشهدًا واحدًا في أحسن الأحوال، لكن أتذكر جيدًا انطباعي بأنه فيلم جيد جدًا، من النوع المفضل على الأقل.

وتذكرت حينها -2020- محاولاتي للقراءة والمشاهدات التي كانت تنتهي دون إكمال لأي شيء منها، كان ذهني مشغول لدرجة أعجز من خلالها فهم الكثير من الدلالات الرمزية لكل ما يعبر أمامي بما في ذلك من نصوص أو مشاهد.

وعليه سحبت مؤشر الوصول الواقف عند الدقيقة الثلاثين إلى الثانية الأولى، أعدت مشاهدة الفيلم من البداية، CODA بفكرته يشبه كتابًا كنت قد قرأته واسمه: يدا أبي، الفكرة باختصار تحكي قصة لأفراد طبعيين ولدوا لوالدين صم، الكتاب رائع وكذلك الفيلم! والاثنين مبنيين على قصة واقعية وكلامها تطرق لنفس الأفكار تقريبًا لكن الفيلم لأني شاهدته اليوم فأنا ما زلت تحت تأثيره. شخصية روبي وهي بوابة أهلها للتواصل مع العالم الخارجي، وكيف تتداخل وتتقاطع المصالح الشخصية مع مصالح العائلة، وظهر في الفيلم ما أفضله، عوالم متداخلة للفرد الواحد وذلك أن تكون جزءًا من عائلة بكل ما تعنيه الكلمة ثم كذلك في الجهة الأخرى لك عالمك الخاص والذي عادة لا يشاركك به أحد، هكذا كانت روبي مع مسؤولية إيصال صوت أهلها للمجتمع ورغبتها في الالتحاق بالجامعة مما يعني انفصالها عنهم ورحيلها لمدينة أخرى.

من المشاهد المؤثرة، طلب منها أستاذ الموسيقى وصف شعورها عندما تغني، حاولت بالكلمات لكن انتهى بها الحال برفع كتفيها تخبره من الصعب وصف ذلك! طلب منها المحاولة، عندها فقط بدأت وصف ما تشعر به بلغة الإشارة، ابتسم الأستاذ ولم يطلب منها ترجمة ما قالته، ما يهمه أنها عبّرت! ومن هنا يفهم بأن لغة الإشارة هي اللغة التي اعتادت بها التعبير عن مشاعرها، ويعود ذلك إلى تواصلها مع أفراد عائلتها.

ومن هنا بعد الفيلم ومن قبل الكتاب، أفكر بمشاهدة كل أو جزء من مقابلة الممثلة ليلى عبدالله وحديثها حول والديها كونها هي كذلك مولودة لوالدين صم.

أكثر ما أعجبني، وهي إجابة لفضول رافقني طوال الفيلم، لكن المخرج كان ذكيًا بما يكفي ليروي فضول أمثالي من المشاهدين، كنت في لحظات أتسائل عن الصمت والهدوء التام الذي يعيشه الأصم، كيف يرى كل هذا الضوء والحركة دون أن يعبر رأسه منها أي حس؟! وإذ به وفي أهم مشهد يعتمد على الصوت اعتمادًا تامًا وفي مسرح المدرسة، ينقل لنا تجربتهم: مشهد يصل إلى نصف دقيقة بلا أصوات! نرى كل شيء وصمت مطبق.

اليوم عدت أشاهد الأفلام بطريقتي القديمة المفضلة، بجواري دفتر يومياتي مفتوحًا من الجهة المعاكسة لمسار يومياتي، عنوان الفيلم وقائمة وصلت إلى الرقم 15 أكتب فيها ملاحظاتي وأفكاري واقتباساتي، ولعل بهذا عودة إلى متابعة الأفلام والمسلسلات بجوار القراءة والكتابة.

صفعة العودة!

أتعلمون حين يضيع طفل عن والدته وتنهار؟ ثم إذا وجدته أول ما تعطيه ضربة اللقاء؟ هذه التدوينة أشبه بتلك الصفعة التي يتلقاها طفل ضائع من والدته!

أكتب الآن بعدما استعدت قدرتي على الدخول إلى مدونتي، بعد يومين من المعاناة (دون مبالغة) واحتمالية كبيرة تميل إلى فقدانها، وعدد لا بأس به من رسائل أشرح فيها مشكلتي لدعم ووردبريس، في الحقيقة إحدى رسائلهم كان مفادها أن لا وسيلة لمساعدتك! وهنا تكمن فجوة الغباء الناتج عن ذكاء التقنية، لكن كنت أشبه بالأم -ذاتها في الأعلى- التي تحاول جهدها في استعادة طفلها!

فكرة -مجرد فكرة- فقدان مدونتي هكذا فجأة ودون اختياري سيئة جدًا! كادت أن تكون اسم على مسمى، مكانًا قصيًا حتى على صاحبه.

عودًا حميدًا مكاني القصي المفضل🥹❤️

Let it go 🫳🏻

تجربة فقد أشياء ذات قيمة عظيمة في نفسك تهبك مناعة، تجربة واحدة فقط قادرة على منحك الكثير، كأن تجعلك في المرات التالية ترخي يديك بسهولة متى ما دعت الحاجة، وتتراجع رغبتك في الاحتفاظ بالأشياء التي كنت تحرص عليها، خاصة تلك التي يُظن دومًا بأن لا معنى لها، قصاصات وصور وبطاقات و و و. فكرة كهذه قد تتوسع لتشمل بعض مما يندرج تحت خيارات ومفاهيم مشابهة: الاحتفاظ – البقاء – الرحيل – المغادرة…

مع هذا، يظل للمغادرة طقوسها، لن تُسلب حقك في عيش شعورك خالصًا، لكنك تعيشه وأنت تدرك منذ البداية أنها مسألة وقت ليس إلا، ومتى اكتفيت أو أفرغت كل تلك المشاعر والأفكار المصاحبة بثقلها ستكون عودتك -إن كان لابد من عودة- لهذه المنطقة مختلفة، دون آلام مرافقة أو وجع ينخر أو محاولة تحاشي وابتعاد.

من يعرفني جيدًا قبل ٢٠٢٠ يعلم حبي الشديد للاحتفاظ والإبقاء على الأشياء، كان أقرب للتندر ها مشاعل تبغي المنديل ذكرى؟ كتبت ذات مرة عن صندوقي الأثير الذي لم أعيد تجميعه، لكن مع نهاية تلك السنة وأنا راكنة في الجهة الأخرى، أتخفف كما لم أكن، كما لو كان لزامًا عليّ العيش بأقل القليل، حقًا أنا في الضد مما اعتدت عليه لسنوات، هل تحولت التجربة إلى قناعة تسحب معها معاني الاحتفاظ (بالكثير) من الأشياء الصغيرة أو حتى الكبيرة؟ ربما! المهم، صار من السهل حذف صور أو محادثات أو رسائل أو قصاصات كنت سأفضل الاحتفاظ بها، وكان أقرب للمستحيل التخلي عنها.

في المقابل، ما زلت اكتفي في أحيان كثيرة بالكتابة حول كل ما/ من أود المحافظة عليه، يبدو هكذا أفضل؟ وبما أن الكتابة سيدة كل الأفعال لذا بالطبع: نعم.

وفي الكل خير

👩🏻‍🏫
مضى أسبوعي مختلفًا، تلزمني هذه المرة العودة للوراء قليلًا، جئت هذه المدرسة في أول الأمر زيارة وأنا طالبة في الصف الثاني ثانوي من أجل دورة الإلقاء أمام الجمهور وكنت حينها قد وصلت إلى المراحل الأخيرة في مسابقة بحث على مستوى مدارس ثانويات جدة، كان -وما زال- لها مع غيرها من المدارس الأهلية في جدة اسمها بيننا نحن طالبات المدارس الحكومية، أتذكر جيدًا كيف أنا وزميلاتي في الفصل متحمسات لرؤيتها من الداخل! كنت أنا الوحيدة الذاهبة من بينهم وفي اليوم السابق الكل كان ينبهني حسب اهتمامه، كيف ساحاتهم؟ كيف مقصفهم؟ والذي علمت في اليوم التالي بأنهم يطلقون عليه اسم (كافتيريا) وغيره الكثير مما عدت به إلى صديقاتي لأخبرهم.

ثم شاء الله سبحانه أن أعود إليها بعد سنوات لكن هذه المرة معلمة، أساس تواجدي كان لتدريس العلوم في قسم المتوسط، مع هذا كنت ولعدد من السنوات معلمة (مشتركة) بين قسمي الابتدائي والمتوسط، آخر هذه المشاركة انتهت بعد سنة الدراسة (عن بعد) لأتفرغ بعدها إلى تدريس صفي الأول والثاني متوسط.

ثم (مكره أخوك لا بطل) ها أنا أنتقل إلى قسم الثانوي، ولأن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، كل ما يسعني فعله هو أن أدعو الله التوفيق والتيسير. كل شيء جديد: قسم – غرفة – زميلات – طالبات – إدارة – مواد دراسية. وفي الكل خير. لكن ربما من الحسنات في هذا الانتقال هو تدريس تخصصي: الفيزياء بعد الهندسة.

على هامش الانتقال: ستكون بدايتي مع طالبات الصف الثاني ثانوي، المضحك أنه سبق واجتمعنا مع علوم الصف الرابع ابتدائي ثم الصف الثاني متوسط (عن بعد) والآن مع مقرر الهندسة. 👵🏼

أسأل الله التوفيق والسداد والعون لي ولطالباتي.

لا شيء في مكانه

صباحًا اليوم في طريقي إلى المدرسة أسير متأخرة برأس وقلب مثقلين، الأول بعد محاولة نوم شبه فاشلة والثاني متخم بحزن خالص. ثم ما تحمله هذه الفترة من بدايات جديدة يتزامن معها تغيرات على أصعدة كثيرة وأنا التي أميل باختياري إلى الثبات حتى مع علمي أن التغير سنة الحياة.

في المدرسة اندمجت، ضحكت وقضيت وقتي كما لو كنت في أحسن أحوالي، لكن كوبي المفضل وهو هدية من ماما قرر التخلص من يده! كان سقوطه أثناء غسلي له من مسافة قصيرة جدًا أشبه بمحاولة انتحار فاشلة انتهت بكسر في الذراع، وهو بهذا وكأنه يذكرني بمزاجي المتواري مؤقتًا، وبقيت أشرب فيه وأتأمله طوال الوقت😼

حافظت على التظاهر بأني في حالة (طبيعية/ عادية) حتى وصولي للسيارة ثم عدت لما يناسب حالتي المزاجية/النفسية. تقول رحاب بأني (بطيئة مرررررة) لكنها لم تلاحظ بطئي الحقيقي والذي يظهر جليًا في كل حركاتي وكلامي وأنا في حالة مزاجية كهذه.

بعد انتهاء الدوام، مررت بسوبر ماركت وانتظرت لدقائق قبل أن أتمكن من التحرك والنزول بعد إطفاء محرك السيارة، دقائق من اللاشيء وتأمل الرصيف وكأني بذلك أستجمع قواي لمهمة الوصول إلى باب السوبر ماركت التي تتحول لمهمة شاقة إذا ما كنت في مزاج دبق. أثناء ذلك التفت إلى اليسار ووجدت هذه اللوحة:
مركز الأمل شخصيًا يقف جواري؟ هل من خدمات مساعدة؟

ثم زينب على بعد مئات الكيلومترات ترسل لي سنابة دون تعليق، وكأن شعوري وصلها:

6:30 م + كل هذا وما زال على انتهاء اليوم الكثير.

Back to reality

أكتب الآن في الساعات الأخيرة من العطلة الصيفية، والتي استمرت لسبعة أسابيع. ها قد انتهت، ونهايتها هذه المرة جاءت مختلفة بعض الشيء عن بدايتها. كانت عطلة مختلفة في بدايتها ثم في منتصفها وحتى الآن في ختامها.

في الحقيقة، أفضل دومًا العودة للروتين ولا شيء يضبط أيامي مثل ما يفعل الدوام! حيث تحدد أوقات النوم والاستيقاظ وتحترم الساعات خلال اليوم، ويكون لكل نشاط وقته ووزنه ومعناه، يرافق هذا ظهور قيمة عطلة نهاية الأسبوع لاختلافها عن أيام العمل.

ومن هنا فكرت في شيء آخر مرتبط بكتابتي هذه، ألا وهو تفضيلي لتمييز البدايات والنهايات، مثل بداية الإجازة ونهايتها، وهذا فعل قديم.. حاولت الوصول لأقدم مرة بدأت فيها هذه الاحتفالات الصغيرة ولم أستطع التذكر، لكن لطالما كانت لدي خطة لكل أول وآخر، دائمًا دائمًا! هذا شيء أصيل منذ طفولتي، ربما بدأ بيوم الثلاثاء الذي كان ينتهي به دوامي في الروضة عندما كان الأربعاء هو آخر أيام الدوام، يوم الثلاثاء ارتبط بذهابي إلى مسبح بحيرة القطار أو زيارة بيت جدي. ربما تلك هي المرة الأولى التي أفهم فيها انتهاء دوام الأسبوع وما العادة المرتبطة بذلك.

أيام المدرسة وبالتحديد في المرحلة الثانوية، بقيت هناك (ساعة رقص) فعالية ثابتة بعد آخر مادة في الاختبارات النهائية، وفي المرحلة الابتدائية ذات يوم عدت مبكرًا من اختباري، كانت صنابير الحديقة للتو فتحت لتسقي الزرع، أغراني منظرها فألقيت بحقيبتي الصغيرة جانبًا ورحت أركض وسط الماء، كل يوم أرى هذه الصنابير لكن تلك المرة أردتها احتفالية الانتهاء من الاختبارات.

يمكنني كتابة قائمة -فعلي المفضل- تحوي المناسبات الصغيرة التي قررت الاحتفال بها أو تمييزها، مثلًا جميع نهايات وبدايات العطل الصيفية مرتبطة لدي بالذهاب إلى مقهى أو مطعم، وعادة ما أكون برفقة والدتي أو وحدي، مؤخرًا صارت هناك مشاركة صديقاتي المعلمات، لكن لابد من احتفالية صغيرة، الأساس أن تكون وحدي إما في مطعم الوجبة الواحدة أو مقهى، كما لابد من رفقة كتاب جديد ودفتر يومياتي، وهذا ما فعلته اليوم.

كتبت مرات كثيرة عن العودة للمدرسة تمامًا كما كتبت عن العطلة، وعامة كما قلت أحب تمييز مثل هذه الأوقات بفعل بسيط جدًا، وأحب الروتين والكتابة عنهم.

ذهبت اليوم إلى مقهى جديد، رونة، جميل جدًا وهادئ مناسب للتفكير والكتابة، ذهبت إليه كختام للإجازة وهواجيس السبت، ومحاولة تنظيم أفكاري بعد الفوضى التي مررت بها، كتبت خمس صفحات ويا جمال الشعور عند الوصول إلى كتابة النقطة الأخير. هذه من المرات التي شعرت فيها بجدوى الكتابة، كيف لي أن أرى أفكاري وكل ما يدور في راسي مكتوبًا أمامي فيهدأ بالي وينتظم حالي.

إجازتي هذه المرة كانت هادئة إلا أن رأسي لم يشمله هذا الهدوء، فعلت فيها الكثير مما أحب من الالتزام بالنادي والمشي والنظام الغذائي كما أن نومي كان منتظمًا إلا آخر أسبوع تقريبًا، التقيت صديقاتي وقضيت أوقاتًا طيبة بالمجمل والحمدلله، وبالطبع كتبت كثيرًا.

وبالحديث عن العودة هذه المرة مختلفة لأن تحمل معها تغيير في المدرسة، والخيرة دومًا فيما يختاره الله ولعل في هذه البداية خير لي ولهم.