موعد على بعد 28 سنة

المشهد الأول العالق في ذهني والمرتبط بحضور ماروكو الصغيرة، يعود إلى صالة بيتنا الأول، الأقدم. كنت أجلس، وأحيانًا أستلقي على الأرض، أو أتسلق الكنبة أمام تلفاز موضوع على أحد رفوف دولاب خشبي، ولا يمكنني بحال من الأحوال تجاوز الحضور الطاغي لأشعة شمس الظهيرة.

وبالعودة لتفاصيل المشهد الأول من جديد، كان الوقت حينها بالنسبة لي أقرب ما يكون إلى نهاية يومٍ دراسي، كنت أُخاله وقتًا متأخرًا، فمجرد انتهاء دوام الروضة كان يمنحني شعورًا بانتهاء اليوم كله، رغم أن الساعة في الحقيقة لم تتجاوز الثانية عشرة أو الواحدة ظهرًا.

بمجرد ذكر ماروكو الصغيرة يقفز هذا المشهد ليسجّل حضورًا ثابتًا. يُحضر معه تفاصيل مكان وزمان غارقة في القدم -بالنسبة لي- تتسرب إليّ حينها رائحة طبخ والدتي حفظها الله، وسيل من المقايضات والاتفاقات والعهود بعدم تناول ما جلبته معي من الروضة -إما حلوى أو تشبيس- إلى بعد تناولي الغداء.

كنت في الروضة، أي قبل التمهيدي، ربما كان عمري حينها لا يتجاوز الخمس سنوات. أذكر جيدًا أن مشاهدتي الأولى كانت قبل انفصال قناة سبيستون عن قناة البحرين بسنوات. حافظت على روتين بعد الروضة بثباتٍ متواصل، كل يوم فور عودتي وعلى عجل، لأنها كانت متزامنة مع بدء عرض ماروكو الصغيرة. بعض الأحيان بالكاد يسعفني الوقت لخلع المريول.

أعدت مشاهدتها لاحقًا مراتٍ عدة، وإلى فترة قريبة أُطالع أحيانًا حلقة على يوتيوب. ماروكو الصغيرة ووداعًا ماوكلي على وجه الخصوص، لديّ ارتباط وثيق بهما، أقرب إلى تكوّن مشاعر خاصة نحوهما، لأنهما أول ما أتذكّر من مشاهدات الطفولة، خصوصًا في عمر مبكر.

حجزت صباح اليوم مقعدًا في السينما لأرى ماروكو الصغيرة من جديد، ولكن هذه المرة بفاصلٍ زمني يقترب من ثمانٍ وعشرين سنة عن المرة الأولى!

تعمدت أن يكون الموعد قريبًا من وقت مشاهدتي الأصلي، وفي أقرب سينما من بيتنا الأقدم. حاولت بذلك تقليص الفواصل الزمنية والمكانية، كما اخترت الذهاب وحدي. فكان ظهر يوم الجمعة عند الساعة الواحدة والنصف.

في تلك اللحظات، فاض المشهد الأول بالحنين إلى مشاعل الصغيرة، وإلى الكثير، الكثير مما كان.

ذهابي اليوم لم يكن بدافع تقييم إخراج أو حبكة، ولا لأيّ مما يُلاحَظ عادة أثناء المشاهدة، حضوري لـماروكو كان أقرب إلى مصافحة بين مشاعل الصغيرة وكرتونها المفضّل. لم تكن مشاهدة عادية ولا قضاء ساعة ونصف، بل لقاءً بين زمنين.

وهنا حقًا، أعجز عن نقل ما شعرت به، أو عن وصف كمّ الأشياء التي استعادتها ذاكرتي.. شكرًا لهذه الإعادة الأجمل بلا منازع.

رأيان حول “موعد على بعد 28 سنة

  1. كلماتك وتدويناتك تلامس شعوراً يصعب وصفه بقدر عمق الشعور

    اهنيك يامشمش تحياتي وتقديري 🩷

    Liked by 1 person

  2. الحنين إلى الماضي و الذكريات هو تجديد لنا بغض النظر عن سنوات كتبت ذكرياتها على وجوهنا و أجسامنا، هو عودة الطفولة إلينا لتذكرنا مهما كانت التجاعيد إلا أننا نظل أطفالاً في داخلنا

    Liked by 1 person

أضف تعليق