ذكرى بيضاء

فور دخولي إلى المدرسة صباح اليوم، وأنا أحمل كوبَي قهوة لي ولرحاب في طريقي إلى البصمة، بدأت المشاهد والأصوات تتداخل في رأسي، عائدة بي سنوات إلى الوراء. يعجبني كيف تبقى اللحظات الأولى حاضرة في ذاكرتنا، وكأنها تشكّل علامات فارقة تؤثر في تعاطينا مع الأمور، وكيف تختار ذاكرتنا أحيانًا مشهدًا عابرًا لا يتعدى بضع ثوانٍ لتُخلّد فيه معنى كاملًا.

كانت الساحات، والممرات جميعها، وحتى غرف المعلمات مزدانة بصوت التكبيرات. وما إن سمعتها، لا سيما في صباح المدرسي، حتى عاد إلى ذهني مشهدٌ قديم: مشاعل الصغيرة جالسة إلى طاولة صف الروضة، حين طلبت منهم المعلمة أن يلتزموا الصمت إنصاتًا للتكبيرات، تمهيدًا لشرح معانيها الجليلة.

لا أتذكر على وجه التحديد، هل كان ذلك مدخلًا لدرس عن الحج؟ أم أن المشهد تزامن فعلًا مع أيامه؟ لكنني أرجّح الثانية. حينها كانت المصافحة الأولى مع مفهوم الحج، وما زال ذلك المشهد يلوح في ذاكرتي بلونه الأبيض، كذكرى نقية لا تعكّرها السنوات. 

منذ ذلك اليوم، لم أسمع التكبيرات مرة دون أن يعود ذلك المشهد إلى ذهني.

أضف تعليق