قراءة ثانية: جذر نفسيّ

في إشارة صريحة إلى أن كل سلوك مرتبط بعامل نفسيٍّ يعود في أساسه إلى شرارة أوقدت فتيله، خصوصًا إذا كان في شكل حذر مبالغ فيه أو خوف أو قلق، يزداد الأمر تعقيدًا مع التفاصيل الدقيقة جدًا، إذ لم يُخلق الإنسان بطبيعته ليواجه هذا الكم من التوجس الذي يلاحقه دون مسوّغ جليّ.

في الفصل الأول من كتاب الأستاذ والمجنون، ذُكر خوف الطبيب ماينور غير المبرر من الإيرلنديين، ومداومته السؤال لمن استأجر منها غرفته عن احتمالية وجود أيٍّ منهم.

أدلت السيدة فيشر للشرطة: كان دكتور ماينور يخاف بوضوح ورعب من الإيرلنديين. اعتاد السؤال مرات غير معدودة ما إن وجد لديها أي خدم إيرلنديين يعملون في المنزل أو لا، وإن وُجدوا يطالب بفصلهم من العمل. ألديها زوار أو نزلاء إيرلنديون؟

في البداية، أوضح للقارئ، في سياق حديثه عن مرضه دون تفصيل، قلقه وتوجسه المستهجن من الإيرلنديين. ألقى بهذه التفصيلة المربكة عن غرابة شخصية الطبيب، ليعود ويذكر جذرها بإسهاب في فصل لاحق.

الجانب الثاني للمعركة الذي ربما يكون مهمًا لفهم التوصيف المرضي المحير لماينور يتعلق بجامعة بعينها لعبت دورًا في القتال: الإيرلنديين. نفس الإيرلنديين الذين شهدت مؤجرة غرفة ماينور اللندنية بأنه يخاف منهم لدرجة عجيبة.

هذا التوجس غير المبرر من ماينور يكشف عن مدى تعقيد العلاقة بين الصدمات النفسية والاضطرابات العقلية التي قد تنعكس على السلوك البشري بطرق غير متوقعة. حالة الدكتور ماينور ليست مجرد حالة فردية لشخص يعاني من الخوف، بل هي صورة مصغرة للصراع الداخلي بين الماضي المؤلم والواقع الحاضر. ولم يكن الخوف هنا سوى مثال على كيفية ظهور هذه الصراعات النفسية بأشكال متعددة، تظهر في تصرفات تبدو غريبة وغير مبررة. لكن الحقيقة تكمن في أن جميعنا معرضون للصدمات النفسية بدرجات متفاوتة، والخلاص منها لا يتحقق إلا بوعيٍ قادر على مواجهة الجذور، وفهم التأثيرات، وكسر دائرة الألم النفسي التي قد تقيد الإنسان دون أن يدرك.

رأي واحد حول “قراءة ثانية: جذر نفسيّ

أضف تعليق