مقتطفات مُرسلة

أجلس لأكتب هذه التدوينة -على استحياء- بعد جملة من المسوّدات في رأسي، كالعادة يعني ولا جديد في ذلك. حتى هذه التدوينة لم تكن لولا عودتي لمجلد الرسائل المرسلة وقراءتي لما كتبته منذ منتصف أكتوبر، فكنت كمن ينهمر في مكان (الرسائل) ليجف في مكان آخر (هنا) لكن توقفي هنا جاء جزء منه بقصد التوقف عن نوع معين من الكتابة والالتفات إلى نوع آخر. والآن كمحاولة للعودة، سأقتبس بضع فقرات من رسائلي الأخيرة. للأبد للرسائل الطويلة جمال لا يضاهيه أي صنف أدبي، استخدمها مسوّدة وas a second mind وسجل توثيق للمهملات قبل المهمات، وتجريد وجرد وتصنيف، لكل شيء.. ومهما قلت وتحدثت لا أوفي كتابة رسالة واحدة حقها. يجدر بي الإشارة وبعيدًا عن الرسائل، الكثير من مشاريع الكتابة محفوظ إلى وقت غير معلوم، لدي أفكارًا أنتظر تنفيذها كما أفتقد وبشدة قراءة الأدب < لازم أقول كل شيء.

لا بأس لي عودة هنا بإذن الله، والآن مع مقتطفات الرسائل.

٣١ أكتوبر:
قرأت فقرة من كتاب المتخفي الحيوات السرية للدماغ:

ونحن لسنا واعين إلا بالقليل جدًا مما يوجد في الخارج. فيقوم الدماغ بصياغة افتراضات لتوفير الوقت والموارد ويحاول ألّا يرى العالم إلّا بالصورة التي يحتاج إليها. 

وهذه حقيقة ملموسة لكل من يحاول ملاحظة نفسه أو الآخرين من حوله، وأظن أن ملاحظة أنفسنا تحت تأثير عبورنا بظروف عدة كفيل باكتشاف واقعية هذا المعنى. 

١ نوڤمبر:
في الصباح أثناء قيادتي فوق الكبري تذكرت بأن اليوم هو ١ نوفمبر، وأنا أحب البدايات الزمنية أجد فيها فرصة حقيقية وإن قصرت للبدايات الجديدة. الفكرة المسيطرة كانت التركيز على ذاتي أكثر، وعلى من يهمني أمرهم.. الانشغال بأمور ذات قيمة بعيدة كل البعد عن المهاترات والسخافات، الابتعاد عن الفضول دون معنى، وووالكثير مما أود تذكير نفسي به. وجودنا في دوائر اجتماعية يحتم علينا التعرض لمثل هذا، إضافة لتطبيقات التواصل الاجتماعي، لست مثالية لكن فعلًا مثل هذا يسلب الكثير من أوقاتنا وتركيزنا وطاقتنا…. لسنا مراهقات!

٢ نوڤمبر:
تناقشت وصديقتي عن الأثر الذي يبقيه مرور أحدهم، كيف لدخول شخص خاطئ (أو صحيح) إلى حياتك يخلّف وراءه كل هذا الأثر والظهور؟ لي ولها تجربتنا مع اختلاف المدة، ……… لكن لماذا دخول شخص إلى حياتك يبقيه إلى هذا الحد؟ أرجّح صدق الشعور لأنه يحف التفاصيل بهالة تبقيها. بصرف النظر عن التفاصيل، ربما يبقى هذا الأثر إيجابيا أو سلبيًا مشكلتي ليست في نوعه إنما في تواجده من الأساس حين لا أرغب به. كيف حياتي وتفكيري كانا خاليين تمامًا من طيف ذلك الشخص، والآن قد يعرّج ويظهر في لفتة هنا أو هناك؟فكرة مبتذلة بعض الشيء.

٣٠ نوڤمبر:
أحب نهاية الأسبوع، بهجة دائمة مكررة لا نملها ولا تفقد انتظارنا لها. وما أحبه أكثر، هو خوض تجارب صغيرة، مطعم أو مقهى أو نكهة جديدة من شيء ما، أظن بأن هذا الفعل البسيط هو رصيد عيش لذيذ وجميل. والأكثر أحب الهدوء وغالبًا ما يزداد ارتباطه بنهاية الأسبوع إذا كان خاليًا من صخب العائلة الممتدة. ومنه أحب كذلك الروتين، في الحقيقة.. أرى أني مدفوعة للتحدث عما أحبه من أيامي لأني ما زلت تحت تأثير استشعار الجمال الكامن وراء اختلاف نمط أيامي. 

بعيدًا عن كل شيء، يبدو جيدًا وجليًا أني أعيش (حبسة الكتابة) ممتدة طوال عام ٢٠٢٤، فلم تتجاوز دفاتر يومياتي اثنين، وتدويناتي قليلة جدًا جدًا جدًا وأخيرًا الحال مع رسائلي. والأخيرة هي الأحب لقلبي.. أريد أن أكتب لكن الأمر لا يتجاوز رغبة يزعجني صدى ترددها في رأسي. 

أحاول دومًا الموزانة بين جمود الفيزياء والهندسة بمزجهم بالأدب إلا أن ٢٠٢٤ الأقل على الإطلاق في قراءتي الأدبية، تكاد تقترب للصفرية وربما أتدارك الوضع في آخر شهر. 

صممت جدولًا لمتابعة تقدمي فيما أقوم به من اهتمام بجودة الطعام والرياضة والنوم والماء ،، 👇🏼

على أن أسجل كل هذا التتبع في آخر دقائق من يومي قبل النوم، وذات مرة لاحظت مدى وتيرة أيامي، تميل في طبعها كما يعتقد بعض من حولي إلى البطء الذي هو انعكاس لي. ومنها بدأت في التأمل قليلًا، الوتيرة البطيئة أو لأقول الأثر التراكمي الصغير هو ما أفضله، كنت أفكر حينها في طبيعة تواجدي سواء في الواقع أو برامج التواصل. قبل سنوات كنت كاتبة في البايو: في الظل، انكفاء واكتفاء..وصورة: في الركن البعيد الهادئ، هذا ما أميل إليه في معظم أوقاتي، وسمة الهدوء أو البطء أجد فيها راحتي، وقليل دائم خير من كثير منقطع، ووو 

انكمشت مؤخرًا لينحصر تواجدي في كافة التطبيقات إلى مشاركة أكواب القهوة وصفحات الكتب وبعض المشاهدات، ابتعدت عن اليوميات الشخصية وتفاصيل أيامي بخلاف ما كنت أفعله يوميا في مدونتي! مع استمرار توثيق لحظاتي، الاختلاف خاص بالمشاركة فقط. 

حين أفكر في حياتي أتخيل كما لو كنت أنظر إليها من بعيد، لأرى نمطًا أحبه من التواجد على كافة الأصعدة، عنوان رئيس هو كما قلت قبل قليل: القليل الدائم، بوتيرة هادئة. ولأني أحب القراءة، تعطيني قناتي في تلقرام شعورًا لطيفًا وأنا أرى إضافاتي فيها متتابعة تبعًا لما أقرأ، ومن هنا يأتي الحال تأكيدًا لفكرة تعظيم استشعار اللحظات الصغيرة اليومية والتي بدورها تشكل فارقًا حقيقًا. 

كوب القهوة والكتاب والمشاوير والرفقة الطيبة والدوام والقراءة والكتابة والنادي وتجارب الطعام والوصفات الجديدة والمعلومات والفوائد الغذائية الجديدة وتجربتها لأرى واقعية أثرها، والكثير، هذه الحياة بمعناها الشاسع شاملة أدق تفاصيلي لأعظمها، أنا أعيشها ثم أعيشها مرة أخرى بشعوري المرافق لها وهي طيفًا يدور في رأسي، لا أعلم كيف أعبر عن مدى غبطتي التي تطوف بي حقًا.

ربما أكثر من التحدث عن تفاصيل أيامي وأكرر، لأن الفترة الحالية هي أشبه بطوق النجاة وعودة بعد انقطاع دام لأشهر، فالعودة لي ولروتيني.. كانت عودة بتدرج وانتكاسات إلى الوصول أخيرًا والحمدلله. والأهم هي انتعاش نفسيتي ومزاجي وقدرتي على التعاطي مع الأمور ونظرتي للأشياء عادت إلى نسختها التي عهدتها عن مشاعل بعد ضباب وبرد قارس! 

٧ ديسبمر:
سمعت اليوم بودكاست Brain Science وقالت الدكتورة جملة رأيتها معبرة جدًا! كانت تصف مالذي يجعلنا بشرًا؟ وأول ما قالته: “Fundamentally, we’re designed to feel, and it is ironic because people actually have feelings about feelings!”

هذا المعنى العميق؟! لم أفكر فيه من قبل رغم كثرة تواجده في حياتي، هي ضربت مثال البكاء، أن تبكي أمام صديقك المقرب، البكاء هو الشعور الأول والشعور الثاني هو ما يكون حيال شعورك الأول لن يكون سلبيًا بمعنى لن تشعر بالغضب لأنك بكيت أمامه، فين حين لو أنك بكيت أمام مديرك في العمل فسيكون شعورك حيال هذا البكاء سيء، ومن هنا الشعور الأول البكاء، الشعور الثاني ما تشعره حول البكاء!! مثالها رغم بساطته إلا أنه جعلني أفكر أو استعيد لحظات مضيئة في حياتي شعرت فيها بشعور حيال شعور آخر أصلًا! اهخ عامة، الدماغ وكل ما اتصل به مدهش وعظيم وآسر وخلاب ودهشات وصدمات متواصلة لا تنتهي.

تعقيبًا على معرض الكتاب، تبدو زيارتي هذه المرة دون قائمة، إذ مثل هذا الوقت من كل عام عادة ما تكون قائمتي جاهزة، أتمنى تجربة ذلك. وعلى الهامش: سمعت خلال الويكند امشِ مع أمل السهلاوي، حديثها عن الكتابة هو بالضبط ما أريده وأتمناه، أن أكتب الأشخاص والأحداث والأفكار والشعور ببساطة! أشعر أني فقدت عفوية الكتابة لدي وتبقى الفكرة حبيسة رأسي -أضيء مصباح قراءة كتاب داء منتصف الليل: الدافع إلى الكتابة وحبسة الكاتب والدماغ المبدع- وااااو ويني عنه من أول؟؟؟؟؟؟

والآن، إلى تدوينة أخرى بعيدًا عن سرقة فقرات من رسائل مرسلة، اشتقت جدًا للكتابة هنا.

أضف تعليق