يمكنني قول أني ملكة القوائم، أستطيع بكل متعة صنع قائمة لكل وأي شيء، ما يمكننا تخيله والأكثر ما هو غير خاضع لملكة الخيال، ودائمًا قوائمي لانهائية، لدي قائمة الاقتباسات *الأطول* بدأتها منذ عام ٢٠١٦. الصفحات الأخيرة من دفاتري عبارة عن عناوين عريضة وأسفل منها تعداد قد يطول أو ينكمش. وفي سنة خصصت دفترًا كاملًا لقوائمي فقط، لا أكتب به أي سطر دون رقم يسبقه وعنوان يعلوه، الآن وبدافع فوري دون تخطيط مسبق -تشير الساعة إلى الواحدة والثلث بعد منتصف الليل- أبدأ قائمة جديدة. فكرتها ببساطة أوثق فيها ما يزعجني أو ما أكره، هذا كل ما ستحتويه وقابل للمشاركة. أدشن قائمة المكروهات بالدافع وراء هذه التدوينة.
أعتقد بأن شكلًا من أشكال العقوبة في هذه الدنيا، على الأقل بالنسبة لي هو التكرار! قد يبدو هذا السطر غريبًا دون توضيح لأن ببساطة الحياة بأسرها ما هي إلا كومة من التكرارات، وفيه تناقض لشخص مثلي باله طويل. لكن حقيقة ما لا أطيقه منها هو ذلك النوع الذي لا أعرف كيف أصنفه، أتعلم حين تتعرض لنفس الموقف مع نفس الشخص يوميًا أو في فترات متقاربة؟ يتكرر المشهد بكامل تفاصيله وكلماته وبرتابة حد البلادة، كل شيء متوقع ومعروف.. تمامًا هذا ما أعنيه. وهذا الحال للأسف موجود وبكثرة، أعلم أنه في مرات كثيرة يكون الدافع لطفًا أو أملًا في عدم الإزعاج.. بصرف النظر عن الدافع، الأمر مزعج! معظم الأحيان أقاوم إصدار أي ردة فعل سوى الصمت. يزداد مثل هذا مع الأشخاص الذين نلتقيهم بكثرة، الأهل والصديقات والزميلات، من يجمعنا بهم المكان لفترات قد تطول، أبدأ بالتخمين فأهمس لنفسي: اليوم ستقول هكذا وعليّ الرد بهكذا، وفعلًا هذا ما يحدث، روتين قاتل في فقرات الحياة!
بعيدًا عن المجاملات والذوق والصمت الذي نلوذ إليه، هذه التكرارات ما هي إلا مشاهد باهتة “مكررة” وبها هدر للوقت وللطاقة ولاهتزازات الحبال الصوتية وللحروف والكلمات وكسر للتوقعات وإحباط للتخمين ولمحاولات تجربة أي جديد و و و…
مثلًا موقف يتكرر كل يوم لماذا تسمعني تعليقك الذي يستدعي تعليقي وهو بالضرورة ما نكرره بثبات كل مرة؟ لماذا كل هذا الملل بقول ما حفظناه لكثرة ما نكرره؟ مُشكلّين بهذا أدنى أنشطة الحياة جذبًا لإنسان.. مثال غير واقعي أو ربما واقعي لتوضيح ما أقصد: شخص بجواري سيشعل المصباح القريب منه فيقول لي: كذا النور تمام ولا يزعجك؟ لا تمام خذي راحتك… ثم تشعل المصباح يوميًا وتسألني لأجيب بنفس الكلمات. كل يوم كل يوم كل يوم! مع ملاحظة ثبات عناصر المشهد: أنا وهي والمصباح وفي الكواليس الضوء الصادر عنه بلونه الأصفر مستغربًا رتابة البشر.
لماذا؟
سيبقى سؤالًا عالقًا في حلق الأيام…ولك أن تتخيل بأني رغم كرهي الأصيل للتكرار، أنا معلمة.