
أجلس الآن في مقصورة القطار وأنا عائدة من مكة إلى جدة، تبدو هذه الجملة مقتبسة من افتتاحية رواية روسية. حين حاولت تذكر القطار فيما قرأت لم يظهر لي إلا مشهد آنا كارينينا للأسف! < هذا فقط ما استطعت كتابته في القطار.
أردت تجربة قطار الحرمين مرات عدة ولكن ما كان يجعلني أتردد هي الخطوات التالية من الوصول سواء في مكة أو المدينة، لا أريد أخذ تاكسي < لماذا؟ لا أعلم! لذا عقدت صفقة مع سمية، وفعلًا اتفقنا على اليوم والتوقيت وبدأت بحجز مقعد مناسب، واجهت ورطة صغيرة أي المقاعد سيكون عند الشباك؟ هذا شرطي السابق في السيارة ثم الطائرة أنقله معي في أي وسيلة نقل، لابد من جلوسي بقرب النافذة وإلا -ربما- في هذه الحالة ألغي الرحلة إلى وقت آخر مالم تكن ضرورية. حجزت مقعدًا بعدما تأكدت من تحقق شرطي، ثم أرسلت الحجز لزينب قالت لي: المقعد اللي محددته عكس يعني القطار حيمشي على ورا ههههههه <لماذا الضحكة يا زينب؟ حسنًا لا بأس، حاولت تخيل الوضع وخفت أن أصاب بالدوار، هذه الغلطة ضريبة خبرتي الصفرية في حجز مقعد في قطار.
استيقظت صباح الأربعاء بالحماس المرافق لتجربة أمر ما للمرة الأولى، وحرصت على تخفيف حقيبتي وألا أعيش فكرة أني مسافرة لانتقال من جدة إلى مكة. لم آخذ دفتر يومياتي ولا كتاب أقرأ به لأني توقعت قصر الوقت وسرعة التنقلات، اكتفيت بالآيباد لأكتب فيه مسوّدات سريعة. أودعت سيارتي في المواقف، وتعجبت من سهولة الإجراءات دون اضطرارك للسؤال أو طلب المساعدة، ثم دقة التوقيت في تحرك القطار بالدقيقة.
أنا اعتدت استغراق ساعة في سيارتي بين جدة ومكة، الآن أصل في غضون ٢٠ دقيقة! إذًا أربعون دقيقة حُفظت من يومي، تجربة تستحق. المضحك في رحلة الذهاب لم أنتبه لوجود شاشة توضح أين وصلنا في مسار رحلتنا والأهم سرعة القطار، وهنا جن جنون فضولي أريد معرفة (السرعة اللحظية) للقطار، حاولت تحميل تطبيق ولم ينجح وعدت أحسبها ذهنيًا بعد وصولي بقانون السرعة المتوسطة، في رحلة العودة ارتوى فضولي إذ شاهدت الشاشة وراقبت الأرقام وهي ترتفع حتى وصلت إلى أقصى سرعة 300km/h.

لم يكن يومي مميز لتجربة القطار وحسب، بل لما تبع ذلك من جولة فريدة من نوعها بين حارات مكة، أنا التي لا أعرف من مكة إلا طريق الحرم، ذهبت وأخيرًا لما هو أبعد من ذلك. وأدركت جيدًا: أهل مكة أدرى بشعابها. وذلك بإشراف سمية، يمكنني إطلاق مسمى: مرشدة سياحية بأعلى رتبة ممكنة، أخذتني في جولة إلى أسواق مكة الشعبية وبين طلعاتها وحاراتها القديمة والمنازل التي سكنت فيها وعائلتها والجامعة والأحياء الجديدة وأخيرًا ختمنا جولتنا بمطل جديد في أطراف مكة القريبة من جدة، لا أتذكر اسمه الآن لكنه مطل جميل جدًا جدًا. كنت أتسائل سكان المدن غير الساحلية إلى أين يذهبون إذا ضاقت بهم الوسيعة؟ ما الذي يقابل البحر في المدن الساحلية؟ وعلمت أن الجبل يعطي تقريبًا نفس المفعول. ما أتذكره من أسماء: الشوقية/ الخانسة/ ريع الكحل/ بن خنفيس/ العتيبية/ طلعة الملقية/ شارع الحب… أردت الذهاب إلى خندمة وحاولت سمية لكن الغروب قد وصل فآثرنا الذهاب إليه في وقت لاحق بإذن الله. كانت جولة طويلة وسريعة وخفيفة ومتنوعة ومتعددة، ممزوجة بتجارب وقصص سمية الشخصية فزادتها بهاء. وثقت الكثير وأود مشاركتها لكن ما زلت أفكر كيف؟

شكرًا سمية.
❤️❤️
إعجابإعجاب