صيفية الوراثة

كامل المجموعة من متجر وراق

منذ فترة طويلة والفضول يدفعني للبحث عن مواضيع تندرج تحت علم الوراثة، لكن محاولاتي لا تتجاوز بحثًا سريعًا في يوتيوب أو مجلة علمية، إلى أن بدأت قبل بدء إجازتي بقليل قراءة: المخطط الوراثي: كيف يجعلنا الـDNA من نكون، الصادر عن سلسلة عالم المعرفة. والذي بدوره كان محفزًا للاستزادة حول الموضوع ومنه حصولي على مجموعة كتب تتحدث حول الوراثة من قريب ومن بعيد. هذه المجموعة 👆 كانت بمثابة مكافأة أو هدية الانتهاء من السنة الدراسية ١٤٤٥هـ ومصافحة أولى لعالم الجينات/ الوراثة/ DNA.

كعادتي أثناء قراءتي أبحث حول الكتاب في GoodReads وتويتر وغيره لأرى مراجعات أو انطباع من قرأه قبلي، لكن آخر كتابين قرأتهما: ١- المخطط الوراثي: كيف يجعلنا الـDNA من نكون ٢- الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين. لم أجد ما يكفي من المراجعات عنهما، وبالأخص الثاني. أرى أنهما يستحقان مراجعات مطولة ومفصلة، سأحاول الكتابة عنهما باختصار.

المخطط الوراثي: كيف يجعلنا الـDNA من نكون:

يقدم الكتاب نظرة عميقة عن كيفية تأثير الحمض النووي على تشكيل شخصياتنا، قدراتنا وسلوكياتنا. إذ أن المؤلف عالم وراثة سلوكي: روبرت بلومين.

يركز بلومين في الكتاب على الجانب النفسي أكثر، يحاول إثبات تأثرنا نفسيًا بما وصلت إلينا من جينات، ولكن في الفصول الأولى أو في معظم فصول الكتاب، لإثبات فكرته المتعلقة بالجانب النفسي كان يلزمه التطرق إلى شرح الأساس الجيني/ الوراثي. من هنا وجدت متعة وفائدة الكتاب واعتبرته مدخلًا جيدًا للوراثة. الفكرة الأساسية وما يناضل بلومين من أجله هو أن الجينات تلعب دورًا كبيرًا -جدًا- في تحديد من نحن، إلى هنا قد يتفق معه الكثير حول الصفات: الذكاء، الطول الوزن، لكن ماذا عما هو أعمق من ذلك؟ الجانب النفسي. استخدم لإثبات أفكاره نتائج مجموعة من الدراسات التي أجراها على مدى عقود، وبالتحديد تجارب التوائم: توائم متطابقة/ توائم مختلفة. كما شملت تجاربه الأطفال المتبنين وغيره كثير. طبعًا دور التنشئة كان محل اهتمام، والبيئة كذلك لكنه قلل من تأثيرهما مقابل الجينات.

ما يميز الكتاب في نظري أنه وهو كتاب علمي بحت، إلا أن قراءته سهلة حتى من غير المتخصص، في الحقيقة الفصول الأولى منه معظم ما ورد فيها كان سببًا للكثير من الدهشات والشهقات. وعلى كثرة الأفكار المطروحة وجمالها، إلا أني أظنه بالغ في بعض ما طرحه، لم أقتنع بكل شيء. لكنه بالعموم كتاب تفصيلي ويستحق القراءة، ولا يمكنني اختصار أربعة عشر فصلًا هنا.

الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين:

يأخذنا هذا الكتاب إلى نقطة التقاء التاريخ بالعلم، إذ يتكئ مؤلفه في كل ما يطرحه على هاذين الجانبين: العلمي متمثلًا في الجينات والوراثة والتاريخي في الأنثروبولوجيا. وهنا لابد أن أذكر ما لاحظته في بداية قراءتي، أظن أن معضلة المسلمين وقراءة الكتب الطبيعية والبيولوجيّة منها على وجه الخصوص، كامن في ذكرهم لأسلاف البشر وما يلحقها من نظرية التطور. وإنسان…. إنسان….. ولا يسعنا إلا القفز على تبعات النظرية وإكمال فهمنا العلمي بما لا يتعارض مع النص القرآني الواضح. ما عدى ذلك فهو كتاب مشوق وجاذب، قال في بدايته: هل تجد البيولوجيا مملة؟ تمتع إذن بالمفاجآت، وفعلًا!

والجميل أنه كذلك يبدأ بتوضيح الأساس الجيني للتنوع البشري، موضحًا كيف أن التغيرات الطفيفة في الحمض النووي تحدث اختلافات كبيرة في الصفات الجسدية والسلوكية. ومن هنا بدأ في شرح كيف تتكون هذه الفروقات بمرور الزمن تحت تأثير كلًا من الضغوط البيئية والثقافية.

يرتكز الكتاب على التفسير العلمي لتأثير الهجرة والزواج بين الشعوب المختلفة والانتقاء الطبيعي على تنوعنا واختلافنا الجيني، وتعد الفصلين الأولى مقدمة لما سيتبعها، إذ تبدأ سلسلة الصفات البشرية بتفاصيلها من الفصل الثالث وحتى الفصول الأخيرة.

يحلل المؤلف جيش من الصفات -بلا مبالغة- وهي قسمة كمجموعات وفقًا لاقترابها من بعضها، موضحًا أساسها وتقسيمها الجغرافي وما مدى تأثير الحروب والهجرات والتطور الحضاري على ظهورها وتطورها واكتساب بعض الشعوب دون غيرها ما يميزها. يغطي الصفات الظاهرية والنفسية والسلوكية بشمولية مذهلة.

يوضح الكتاب تأثير كل ما سبق ومر بحمضنا النووي حتى وصوله إلينا، ويربطه بتأثير الجينات على حياتنا اليومية وأخيرًا نقطة التجمع كامنة في التقاء الوراثة بالبيئة. حقيقة كتاب يشجعك للمضي في قراءته لتروي فضولك.

ممتع جدًا معرفة تأثير الوراثة علينا، وربما يزداد الأمر متعة عندما يتجاوز الصفات الظاهرية إلى ما هو أعمق من سلوكيات وطباع وتفضيلات، ولشخص مثلي عاش دون أشقاء أرى جانب الشبه مثير جدًا! كنت وما زلت وسأبقى أندهش من أوجه التشابه بين الأشقاء أكثر بكثير من جوانب الاختلاف، فالأخيرة بالنسبة لي منطقية، لكن الشبه أمره عجيب. والأعجب اشتراك أفراد عائلة كاملة في صفة واحدة تجمعهم!
اليوم انتهيت من قراءة الكتاب الثاني في الوراثة، لم أشعر بالملل بعد لكن فضلت أخذ استراحة بالقراءة حول موضوع آخر ومن ثم العودة للمجموعة أعلاه، يبدو أنها صيفية الوراثة.

3 رأي حول “صيفية الوراثة

أضف تعليق