كورونايات متأخرة

صور البداية والختام لكل كتاب.

يقول توماس فريدمان: إن جائحة كورونا ستكون بداية لتقويم جديد للعالم، وخطًا فاصلًا لحقبة ما قبل كورونا وما بعد كورونا.

هذا من المواضيع التي تستهويني، ولأني أمر بوعكة صحية مشابهة في أعراضها وحدتها لما أصابني خلال مرضي بكورونا -في الحقيقة الآن الأغلب إذا لم يكن الكل يعاني من تقلبات الطقس- لذا اخترت قراءة كتب بالتزامن. لست خبيرة، لكن شهور الجائحة وكمّ الإجراءات الاحترازية وكل تلك التغيرات المرافقة التي لازمتنا روتينًا لفترة ليست قصيرة، امتدت بأثرها حتى الآن، وعلى رأس القائمة النقلة النوعية في خيار التعليم عن بعد.

بعيدًا عن مفهوم الحرب والانتصار أو ربما تحت مصطلح الحرب الناعمة! إذا ما فكرنا في العالم أجمع وما اكتسبه بعد جائحة كورونا وحجم التغيرات الحاصلة والتي تعود في أصلها نتيجة للجائحة، مثلًا صار للكمامات حضور بارز، وإضافة متاحة لكل مصاب برشح أو غيره لا أتذكر وجودها من قبل، وجماعة أخرى جعلوا من الكمامة طريقة حجاب مبتكرة، التعليم عن بعد، طبيعة التواصل، بكل بساطة وتعقيد في الوقت ذاته تشكل جائحة كورونا ذاكرة جمعية عالمية. تغير العالم على إثرها وصار يمكننا تقسيم التاريخ إلى قبل وبعد كورونا.

-١-

لون الغد: رؤية المثقف العربي لـ “ما بعد كورونا”

قسّم المؤلف ردود المشاركين في دراسته والتي هي عبارة عن أسئلة مرسلة لمجموعة من مثقفي العالم العربي أجمع، قسمهم إلى ثلاثة فئات مسمى كل مجموعة يعطي تصورًا واضحًا عن رؤيتهم للعالم بعد انجلاء جائحة كورونا. الفئات هي: المتفائلين – المتشائلين – المتشائمين.

قراءة الكتاب في الوقت الحالي بعد تجاوز الجائحة تمامًا يبدو عجيب، لكن فضولًا دفعني لمعرفة كيف كان الآخرين يرون العالم بعد كورونا؟ وما زلت مهتمة بفترة كورونا وما بعدها وحجم التغيرات الحاصلة في العالم على أثر تلك الفترة وبالتحديد ما تعلق منها بالتدريس -كما قلت سابقًا- وهذا امتداد لاحتدام تفكيري وفضولي لشخص عاصر أزمة صحية عالمية، نحن مواليد التسعينات لم نحظى بتجربة مشابهة من قبل.

توقعاتهم تناسب فترة ردهم على سؤاله، ما زال الوقت حينها في خضم عراكنا مع كورونا، كان يسألهم عن توقعهم حول حال العالم في العام المقبل ٢٠٢١؟ أي أن الأسئلة وصلتهم في معمعة كورونا من عام ٢٠٢٠. بعض الردود طبيعية في مستواها بين الواقعي والمأمول، والبعض الآخر موغل في التطرف بصرف النظر عن انتماء رأيه إلى أي فئة من الثلاثة. تمنيت لو أن الكاتب لم يجتهد ويقسمهم إلى فئات، بل تركنا ننتقل من رد إلى آخر ونتفاجئ بكم الاختلافات بينهم، كل يعكس أمر ما والجميع باختلافهم يؤكدون اختلاف قراءتنا لذات الأحداث تحت تأثير عوامل عدة منها بيئتنا ومن حولنا، تناولوا تقريبًا ذات الجوانب لكن برؤى متباينة، يميل الكتاب إلى كونه دراسة اجتماعية نفسية وأظنه يخدم من يهتم بتقديم أبحاث أو دراسات تهتم بتلك الفترة. ما زلت مقتنعة من أن كورونا بفترته ما هو إلا ذاكرة جمعية لكل من عاصره، لكن كلًا ومنظوره وزاويته (الأمر نسبي والنسبية أينشتاينة فيزيائية والمجد للفيزياء)

على الهامش: أن تقرأ كل هذه التفاصيل الآن، قد يدعوك للتبسم من جموح تفكير بعضهم وتطرفه، وأتمنى أن يعيد الكاتب تواصله معهم ليرى حالهم ورأيهم بعد انتهاء الجائحة وعودة الحياة. وبما أني بدأت القراءة حول كورونا أظنني سألحق لون الغد بكتاب وزير الصحة السعودي آنذاك توفيق الربيعة: الوقوف على أطراف الأصابع، ذكرياتي مع جائحة كورونا ٢٠٢٠.

-٢-

الوقوف على أطراف الأصابع: ذكرياتي مع جائحة كورونا ٢٠٢٠.

قراءة هذا الكتاب مختلفة لنا نحن الذين عاصرنا جائحة كورونا، نقرأ من خلاله الجائحة من زاوية مختلفة أقرب للواقع من أي زاوية ممكنة، ذكريات وزير الصحة السعودي أثناء أزمة كورونا. يأخذنا إلى كواليس مشاهد عشنا تفاصيلها، كل ما يتحدث عنه ليس بجديد نذكره جيدًا لكنه سمح لنا التعرف على الأحداث من منظور آخر.

يجدر بي ذكر أني التزمت بكتابة يومياتي في مدونتي يوميًا لمدة ستة أشهر متواصلة من سنة ٢٠٢٠ وبالتحديد من فبراير إلى يوليو (يوميًا) دون توقف، كنت أرصد خلالها حالي مع التحديثات الجديدة المرافقة للأزمة إضافة إلى توثيق لكل الأوامر الصادرة والقرارات وحتى سجل يومي بالحالات المسجلة. فجميع ما قرأته من ذكريات الوزير أعرفه لكن من الجهة المقابلة. ما قام به الوزير توثيقًا دقيقًا متدرجًا لمن عاصر كورونا وللأجيال من بعدهم.

خلال قراءتي تذكرت في ديسمبر ٢٠١٩ كنت أتابع جزء الأخبار في تويتر، يوميًا منذ بدأت الأنباء عن انتشار مرض في ووهان، صرت بفضول باهت أنقر على جزء الأخبار لأرى ماذا يحدث في الصين؟ لمدة ٢١ يوم تقريبًا على هذا الحال إلى انتشار الفيروس بين أقاليم الصين ثم دوليًا، وببرود أتذكر في يوم ما أخبرت والدتي وكأنه خبر عابر لا علاقة لنا به. جميع هذه التفاصيل مرت علي في الكتاب كما قلت آنفًا من زاوية أخرى وهذا ما يؤكد لي كيف أن جائحة كورونا شكلت ذاكرة جمعية للعالم أجمع ولنا نحن السعوديون من قبل.

أخذنا توفيق الربيعة في رحلة كاملة منذ بدء الأخبار في ووهان، وقلق العالم وانتشار المرض وانتظار تسجيل أول إصابة في السعودية ثم سلسلة القرارات من تعليق الدراسة وإيقاف العمرة خارجيًا ثم داخليًا إلى (صلوا في بيوتكم)، توفير المعقمات والكمامات وانتهاء بوصول اللقاحات وبدء حصولنا عليها وجميع المراحل التي تلت تلك الفترة، ولا ننسى عيادات تطمن وتأكد، ثم وأخيرًا العودة إلى مقاعد الدراسة الحضورية بشكلها الجديد وغيرها كثير.

طريقة توثيقه جيدة تركز على الأهم وبلغة رشيقة سهلة وواضحة، إضافة لملحق صور في آخر الكتاب. أظنه سيبقى وثيقة مهمة لفترة مختلفة، على وجه الخصوص للسعوديين أو المقيمين خلال الجائحة.

أضف تعليق