في ضوء كتاب ومقال

أقرأ الآن كتاب الضجيج: تاريخ إنساني للصوت والإصغاء. ما زلت في الفصل الثامن من أصل ثلاثين فصلًا، سيكون كتاب ماتع لمن يهتم بموضوعه ومحتواه، وهنا لابد من ذكر ملاحظتي بأن جميع العناوين التي حصلت عليها مؤخرًا وأقصد بمؤخرًا معرض الكتاب بجدة في دورته الأخيرة 2023 وما سبق ذلك بفترة وجيزة، كانت عناوين خالية من الأدب وغارقة فيما أحب من مواضيع، ركيزتها الفيزياء واللغة ثم ما بينهما، من صوت وضوء وتقنية وتطبيقات تواصل اجتماعي وعلم اجتماع وعلم نفس وبعضًا من الفقه والبلاغة، عامة تغلب عليها العلوم.

أعود إلى كتاب الضجيج مرة أخرى، طرح المؤلف ذكي جدًا وجاذب وماتع، لولا كثرة انشغالي لأنجزت قراءته في فترة أقصر، حقيقة لم أتوقعه بهذه الدقة والتفاصيل والجمال والتوسع و التشعب، تطرق خلال تفصيله في حديثه عن الصوت إلى اللغة والكتابة والقراءة والشفاهية وتاريخ تطورهما وتأثير كل منهما على الآخر، وكيف تنقسم الحقب التاريخية بين الأمم السمعية التي تعتمد في نقلها على الشفاهية ومنها الصوت، وأخرى تعتمد على الكتابة فكانت الصورة. قبل بدء قرائتي لكتاب الضجيج كنت أقرأ كتاب الصمت في عصر الصخب وهو كذلك بشكل أو بآخر يدور حول ذات المواضيع، وهذا التزامن الذي يبقيني خلال فترة قصيرة أدور في فلك موضوعات متشابهة يعجبني خصوصًا في المواد التي لا أتعمدها مثل مقالات أوحلقات بودكاست أو كتاب آخر.

اليوم صباحًا، لفتني عنوان لمقال صوتي في تطبيق معنى: نحو تشسيع الإحساس بالعالم. اخترته مع توقعي بإغلاقي له في الدقائق الأولى تخمينًا لصعوبة ملائمة مزاج الصباح، لكنه فاجئني، جميل جدًا! < فاجئني أي جعلني أندهش وأرفع حاجبي وأعيد سماع جزء من النص مرة أخرى، لأنه في طرحه وكأنه مرفق أو ملحق بكتاب الضجيج. أعجبني إلى حد استمراري في سماعه حتى بعد وصولي إلى مكتبي وبعد ذلك عدت واستمعت إليه مرة أخرى في طريق عودتي من المدرسة.

مقالات معنى عميقة وتفصيلية تروي فضول كل قارئ يبحث عن (معنى) كامن وراء علم أو مجال أو موضوع يفضله. مما كان ملفتًا لي في كل من الكتاب والمقال أنهم عرجوا باتفاق المعنى على أهمية الصوت ومدى تأثيره ومنه إلى الاستماع والإنصات، وأن الأمة الإسلامية في ثقافتها تولي السماع أهمية كبرى متمثلة في الإنصات إلى النص القرآني بهدف الفهم العميق لمعناه ومن ثم اتباعه. ومنه إلى تأثير الطبقة الاجتماعية على سماع أفرادها وبالطبع سيرتبط هذا بطبيعة أعمالهم وأورد مثالًا عمال المصناع واعتيادهم على أصوات الآلات المرتفعة، جاء سؤال بمعناه يقول ما حالهم بعد مغادرتهم إلى بيوتهم واختفاء صوت الآلات؟ وتعرضهم للضجيج لفترات طويلة يؤثر سلبًا على حاسة السمع، نصًا: ممارسة التناصت سيجعلنا نتأمل في ما تسميه المصانع الرأسمالية النهمة بـ موسيقى التنمية، والمتمثل في ضجيج المصانع، والذي يُصبُ أكثرُه في آذان المحاويج، الذين يعملون فيها و/أو يسكنون قربها، الأمر الذي يترتب عليه تلويث سمعي هائل وإضعاف لحاسة السمع، بما قد يجعلها تُقدِم على استقالة حواسية مبكرة. ويكمل الكتاب ما بدأه المقال بذكره امتداد تأثير الطبقة الاجتماعية على حياتهم اليومية ومنازلهم، إذ عادة ما تتلحى بيوت الأغنياء بهدوء مرتفع، يشمل المنزل نفسه أو الحي الذي يقطنون فيه ويتوسع الهدوء وهو خلاف الضجيج ليصل إلى مواصلات تنقلهم بما تمتاز به سيارتهم مثلًا من انسيابيه عالية وعزل ومميزات تصب في الأخير في كونها تكمل حلقات الهدوء المحيط بهم على خلاف الطبقة العاملة أو الفقراء وكون الضجيج رفيقهم ليس في أماكن أعمالهم وحسب وإنما في أحياء سكنهم وبيوتهم، ويتضح ذلك في قرب البيوت من بعضها وصغر مساحاتها وكثرة سكانها مما بالضرورة ينتج ضجيج متواصل.

والآن أكمل قراءتي.

رأي واحد حول “في ضوء كتاب ومقال

أضف تعليق