معنى آخَر لـ آخِر

في المعجم:
آخِر: مقابل الأول، عكس الأول.
كلمة: اللفظةُ الدَّالةُ على معنًى مفرد بالوضع.

كما يظهر هي كلمة مختصرة بمعنى واضح، إلا أني سلبتها معناها وضده، في كل مرة كنت أكتبها لشخص بعينه، أتركها غارقة في بحر الحروف، عالقة بين كل المعاني إلا معناها، في المنتصف تبتعد عن ضدها (الأول)، ولا تقترب من الأخير، تبقى ضائعة، دائمًا ما تجد لها (وجودًا) في مكان ما إنما ليس أينما يفترض لها أن تكون، وما أقسى أن تكون موجودًا في (الخطأ) مكانًا أو توقيتًا، والأسوأ كلاهما.

في كل مرة أكتبها: آخر، ما إن أنتهي من كتابة الراء حتى تبدأ في ركضها، تحاول اللاحق، تحاول الوصول إلى الجهة الأخرى حيث معناها الكامن بين حروفها، أثناء ذلك، يصلني ضحك كل الكلمات! إذن هم يعلموا بقصتها، يدركوا جيدًا ضياعها ومحاولاتها، وكثرة استخدامها دون فائدة، مسلوبة المعنى والقوة.

ألحقتها بكلمات عدة، علّها تساعدها في العودة إلى جوهرها فكانت: آخر تلويحة – آخر رسالة – آخر محاولة، صارت أصوات الضحك أعلى! وبقيت هي على حالها. لم أكتف بهذا، أرفقتها بي، ربما أكون مرشدتها فقلت: آخر مرة، لمرات عدة، لكني أعود! آخ تطورت الحالة، والحمدلله، بالنسبة لي لا أحد يعلم سواه، وإلا كنت سمعت ضحكاتهم تمامًا كما سمعتها كلمتي المسلوبة.

كان كل هذا متكئًا على أمر واحد: استثنيته، حتى طال هذا الاستثناء أفعالي وكلماتي، فأقول آخر مرة، لمرات وأعود، لم يكن لآخر مفعولها على الإطلاق، لم يظهر حزمها أو صرامتها، لا يتعدى الأمر كونها هدنة قصيرة، ولا أعلم من فينا يقنع الآخر، أكتبها لتقتنع بأنها المرة الأخيرة فعلًا، أم تقنعني بأنها ستمثل معناها خير تمثيل؟ بعد كل مرة أستعين بها، كان كلانا ينظر إلى الآخر مبتسمًا على عدم جدوى استخدامها وتكرارها المتكرر حشوًا في معنى الحياة، إلى أي حد هذا مضحك؟

لكن يبدو لي كما تشير التقارير الصادرة مؤخرًا، أنها في طريقها إلى معناها،  دون ركض هذه المرة، وقريبًا جدًا ستصل، وسيكون لـ آخِر معناها السليم، تجربة قاسية خاضتها، متميزة بذلك عن كل الكلمات، لا بأس فالتجارب تصقل وكانت هذه الجولة من نصيب كلمة آخِر.

كتاب: قراءات من أجل النسيان

حلل عبدالسلام بنعبد العالي في كتابه قراءات من أجل النسيان، جائحة كورونا تحت عنوان (سنة القطيعة) تحليلًا عميقًا، يبدو لمن عايشها كما لو كان مراجعة شاملة لتلك الفترة بتجاربها المختلفة. وقال أنها ذكرته برواية الطاعون، وهي مما حرصت على قراءته خلال الفترة الأخيرة من الجائحة. 🤝

يقول عن الرواية:
❞ كان للجائحة، ككلٍّ ما يترتَّب عن تجدُّد العلاقة بالموت، وَقْعٌ شديدٌ على «الوضع» الأنطلوجي للفرد، ذكَّرنا بما كانت شخوص رواية الطاعون لألبير كامو تطرحه من أسئلة. لا عجب أن ترتفع مبيعات تلك الرواية عند الجائحة، بشكل مدهش سواء في فرنسا أو في إيطاليا. فهي كانت تصوِّر مختلف أشكال ردود الفعل ❝

يصف بنعبد العالي سنة جائحة كورونا بأنها كانت سنة ذات تحولات جذرية على مستويات عدة، بحيث أعدنا النظر في الكثير من الثوابت، إلى الحد الذي يمكننا أن نصفها بالقطيعة ومعنى هذه المفردة كما وصفها: هي لحظة انفصال العلم عمّا قبل تاريخه.

يعدد بعد ذلك كل ما لحقه هذا التغيير، أولًا: المؤسسات التعليمية والإدارية، وأن الجائحة عجّلت وعممت تطورهما المتوقع لكنه كان مؤجلًا إلى حين ظهور الجائحة والتي بدورها أتاحت لنا فرصة التعلم دون الحاجة للذهاب إلى مدارسنا، والأمر ذاته مع الأعمال الإدارية. على هامش هذه الفقرة، يجدر بي ذكر أني استفدت بشكل شخصي من التغير الحاصل للمؤسسات التعليمية والإدارية، فالتعليمية كنت بين دورين أثناء الجائحة، إذ أتممت فترة من تعليمي الجامعي كما كنت في الجهة الأخرى معلمة أشرح لطالباتي، حينها كنت معلمة للصف الرابع الابتدائي والثاني متوسط، وهناك بعيدًا عن التعليم، شرعت بقضيتين في المحكمة، بدأتهما وانتهيت منهما وجميع الجلسات كانت عند بعد!

ثانيًا: تحدث عن الثقة في المعرفة العلمية والتي أصابها خلل كما يرى، إذ اهتزت الثقة بمصداقية العلم، وظهر عوضًا عنها اللايقين العلمي، وتضارب التأويلات واختلاف آراء العلماء، وخص بالذكر العلوم الطبية، والتي يرى أنها فقدت شيئًا من هيبتها، وصارت حديث الجميع، والكل يدلي بدلوه -رأيه- كيفما يريد حول طبيعة الفايروس، انتشاره أو حتى علاجه.

ثالثًا: وسائل الاتصال، يرى بنعبد العالي أنها المستفيد الأكبر من الجائحة، كانت أشبه ما تكون بالجندي المجهول، وصفها بأنها المنقذ المعوّل عليه في تخفيف حدة ما نزل، تحول كل شيء بوجودها إلى (عن بعد) تعليم وعمل. كما أنها خففت من العزلة وحافظت للأفراد قدرتهم على التعبير إذا ما فقدوا قدرتهم على الحراك والانتقال.

رابعًا: يذكر أن الجائحة أنعشت دور (الدولة) بالعموم، وأوضحت أنها المسؤولة عن رعاية حياة المواطن، وعن الحياة الاجتماعية بأبعادها كاملة، وتحول هاجس الدول إلى الهدف الأول: هاجس الصحة. وأمام فايروس كورونا برز دور المصلحة الخاصة من أجل المصلحة العامة متمثلًا في الصحة الفردية من أجل صحة المجتمع، فسلامة كل فرد مرتبطة بسلامة المواطنين جميعهم.

أخيرًا: يختم بنعنبد العالي:
❞ نلمِس هنا التحوُّل العميق الذي خلَّفه الفايروس، ليس على الأفراد هنا وهناك، وإنما على الوضعية البشرية برمَّتها. إنسان آخر تولَّد عن الجائحة. لم يعد الإنسان هو هو سواء في علاقته بالآخرين أو بالمؤسَّسات الاجتماعية أو حتَّى في علاقته بالوجود. ❝

هذا من فوائد القراءة أثناء الإجازة، لا يكفيك أن تقرأ.. إنما تكمل بكتابة ما يدور في رأسك، بدأ الأمر بتغريدة وانتهى بما يشبه المقال 😊

2022

دفاتر يوميات 2022 كاملة.

هذا العام على وجه الخصوص أود كتابته مختصرًا ولمرة واحدة، لأني مقتنعة بأنه مختلف وإن قلت هذا عن أعوام أو سنوات سابقة، إلا أنه مختلفًا فعلًا وقولًا، ولأني أريد بهذه الكتابة إغلاق ذكر ما كنت أردده تبريرًا لما صار. سأكتب دون تخطيط، وعليه قد يلحق نشرها الكثير من التعديلات.
قرأت معلومة قديمة عن الفرق بين العام والسنة لغويًا، مفادها بأن لفظ سنة يطلق على الأيام الصعبة والشديدة بخلاف العام عادة ما يقصد به الخير واللطف. وهنا ظهر سؤال ماذا يمكنني أن أطلق على 2022؟

2022 عام احتوى كل ما يمكن أن يحتويه أي عام لكنه كان يقفز بين الأقطاب، متذبذبًا، ومتأرجحًا، ومتناقضًا، يتراوح بين الشيء وضده. لذا لابد من كتابته واختصاره اختصارًا مفصلًا على جميع الأصعدة. رأيت فيه النور بعد العتمة، والفرج بعد الضيق، والوصول بعد الضياع، عشت كل شيء مزدوجًا، لم يأت أيًّا كان إلا ويجر خلفه نقيضه.


نفسيًا وهو الأهم:
بالكتابة عن 2022 لابد من التعريج أولًا على 2021 حيث ذروة التخبطات، والصدمات، واليأس، كانت سلسلة من الخيبات الموجعة، وهي كذلك لا لذاتها إنما لمسببها. لا يسعني الحديث عن 2021 باستفاضة، لكن ما حدث فيها أساس وجوهر ما بعدها، ظلاله امتدت واحتوت جزءًا كبيرًا من 2022. بدأتُ الحديث عن الجانب النفسي لأنه أكثر ما شغل بالي وفكري وكل محاولات فهمي كانت حوله، ولأن أثره امتد على كامل حياتي دون استثناء أو تجاوز. الإشارة الأولى وما تأكدت منه دومًا أن هناك خطب ما، أنا لست مشاعل التي أعرفها، لا يوجد استقرار نفسي، لا يوجد ذلك الهدوء الذي اعتدت عليه في نفسي ولا فكري، لم أكن في أحسن حالاتي ولم أجد إلى ذلك سبيلا إلا مؤخرًا. ما استغربته حقًا، النفسية الحادة وإن لم تظهر، لكني أعيشها داخليًا، وكثرة التناقضات وسرعة حدوثها، والتخبطات، والترددات، والتراجعات، ولفترة ليست قصيرة حتى أفسرها بأمر عارض، لا بل كادت أن تكون سمة، كنت كالطفل في بداية سيره، يمشي لكن سقطوه أكثر من خطواته، ومشيه غير ثابت، ويبدو غير متأكد من الخطوة التالية أين ستكون. كنت أحاول على الدوام الإمساك بطرف خيط يقودني إلى الصواب، إلى العودة، كنت بحاجة للفهم. مضت مدة وأنا على هذا الحال، وربما أسوأ، إلى أن توصلت إلى أن ما أمر به ببساطة هو صدمة نفسية، نعم. هذا هو ما اقتنعت به، وبناء على ذلك بدأت العودة للوراء ولملمت خيوط ما كان، هنا رأيت بوادر نور *وتهدينا الحياة أضواء في آخر النفق*، التقيت رشا وأفضت كل واحدة بما لديها، اقترحت لي جلسة مجانية مع مركز يقدم استشارات نفسية، لم أتردد لأن هذه الخطوة لابد منها الآن أو لاحقًا، مقتنعة تمامًا بأني إن لم أعالج نفسيتي بطريقة صحيحة حتمًا سيبقى عالقًا بها كل ما كان، سيبقى كنتوء وإن توارت عن الأنظار وهذا بالطبع ما لا أريده، لا أرغب لاحقًا بترديد: تنكئين الآن جرحًا كنت أحكمت وصيده! لا أرغب أن أتحاشى أشخاص أو كلمات أو مواقف لأني ما زلت عالقة بجرح تسببه لي، لا أحبذ الهروب، أحب المواجهة بهدوء ودون آثار جانبية. حجزت موعدًا للقاء المجاني، بدأنا الحديث.. شكرتني في البداية على اتخاذي الخطوة، ثم في أول اللقاء طلبت مني تخمين ما أمر به، قلت لها تبعات صدمة نفسية، ومضى اللقاء ما يقارب أربعين دقيقة، قالت لي في آخره: مشاعل، أنا في أول اللقاء شكرتك لاتخاذك خطوة، الآن أشكرك لأن تشخيصك صحيح 100% أشكرك مرة ثانية لوعيك بما تمرين به! أتذكر جيدًا، سردت لها كل ما أعتقده سببًا ونتيجة، القديم والجديد، لكن القديم أقل حدة، هي أمور روتينية كلنا نمر بها، إنما الجديد هو محور كل شيء، في الحقيقة، لم أتخذ بعد هذا اللقاء أي خطوة علاجية منتظمة مع أخصائية أو غيره، لكن ربما أكون قد قفزت خطوات نحو التشافي، السر يكمن في معرفة العلّة، في التشخيص، والأهم عدم الاكتفاء بردمها دون معالجتها، لأنها ستظل باقية هناك ولن تجعل منك شخصك المفضل لنفسك والذي تعرفه جيدًا، سيكون شعور الغربة مرافق ومزعج. والأمر برمته أشبه بارتداء نظارات بعدسات مختلفة، أول العام كانت عدسة معتمة ترافقها رؤية غير واضحة وبمرور الوقت كانت تتبدل هذه العدسات، مرور الوقت كان كفيل بالتحسن لكن هذه المرة لم يكن وحده يكفي. أنا الآن لست كما كنت في أول 2021 ولا أول أو منتصف 2022. مع جميع ما سبق كان يلزمني كغيري الاستمرار في مهام الحياة الأساسية والرئيسية والمضافة! تأثرت جودة عملي في المدرسة، وتأثرت دراستي في المستويات الأخيرة، وقبل هذا شعوري الداخلي كان مزعج، هناك شيء في غير محله، كنت منزعجة وأحاول التخفيف، وكان ينقصني الفهم، فهم ما أمر به، أسبابه ومحاولة تحليله. كانت فترة صعبة، ليست أصعب من 2021 لكنها لم تكن سهلة على الإطلاق، الحمدلله انقضت ووصلت إلى الجهة الأخرة سالمة بأقل الأضرار.


على الصعيد الشخصي:
كانت سنة زاخرة بالتجارب، خضت خلالها ثلاث تجارب عمل جديدة ومختلفة، إحداها لم تستمر إلا ما يقارب سبعة أسابيع وهي أكثرهم غرابة، كانت مرهقة لدرجة متقدمة، وبانتهائها بدأت تجربة أخرى في مجال مفضل، وختامها كان مع تجربة البيع في معرض الكتاب. اجتماعيًا، انكمشت كثيرًا واقتصر تواصلي كما لم يحدث من قبل إلى دوائري الأقرب والأصغر، أي ما يقارب ثمان صديقات، لم يكن ممكنًا بجوار جميع ما سبق أن أوسّع حياتي الاجتماعية لتشمل أكثر من المقربات، هن اللواتي أكون معهم بكل عفويتي وطبيعتي، ولعلمهم بما أمر به، يُختصر الكثير. في الشهور الأخيرة استعدت بعضًا من قدراتي الاجتماعية، ووسعت اللقاءات، استطعت خوض حوارات ومحادثات طويلة إلا أن الجزء الأكبر كان كما قلت لأقل وأقرب وأصغر دوائري وهو الأنسب. تخرجت والحمدلله، ولا أنسى رحلة حضور حفلة التخرج إلى الرياض برفقة زينب، بحد ذاتها تجربة عميقة، ماذا يعني أن أسافر وحدي مع صديقتي إلى الرياض من أجل حضور حفل تخرج؟ جربت مقاهي وأنواع قهوة جديدة في جدة، وقرأت كتبًا ممتعة، عشت لحظات عميقة من امتنان تجاه أشياء عدة، كثير منها متعلق بالتعلم أو التعليم، استعدت كذلك حبي لحضور مناقشات كتب، وملتقيات أدبية، وورش عمل. والأجمل هو روتين الإجازات المطولة برفقة غرفة المعلمات، فقدت أغلى ناسي وأهلي، جدي لوالدتي رحمه الله وجبر قلوبنا، اشتقت إليه كثيرًا، ولكن هذا حال الحياة! أضيف إلى فهمي الكثير حول الرزق بأشكاله المتعددة، والتسليم لله في جميع أمور حياتي شرط ألا يكون تسليمًا ظاهرًا، إنما بمعناه العميق وفهمه السليم، يأتي بعد ذلك الرضا. *لحظة تذكر* نعم، 2022 مميزة لأنها السنة التي دخلت فيها إلى عالم الثلاثين، كذلك الأمر مع 2023 هي السنة الأولى التي أبدأها بعمر الثلاثين. بالنسبة لدفاتر يومياتي، لم أكتب الكثير، لم أكتب يوميا، لكن كتبت الأهم، كتبت تفكيري، حيرتي، تساؤلاتي، غضبي، مشاعري، ضياعي، وصولي، لذا هي ظاهريًا قليلة، مجرد دفترين، إلا أنهما أحتويا زبدة السنة كما يقولون، ركزت على التوثيق بالصور ومقاطع الفيديو القصيرة، لدي منها ما يوثق أهم لحظاتي وأقلها أهمية على حد سواء.

ماذا بعد؟ بالطبع هناك الكثير ولكن هذا ما أتذكره الآن أو أود كتابته. وكما ذكرت بالأعلى، بهذه التدوينة سأقف عن ذكر أي ظروف مررت بها كمبرر لما طرأ علي من تغيرات. يكفي!

على الهامش:

بعدما انتهيت من كتابة هذه التدوينة، وجدت أنها تشبه المقالات الموسوعية التي عملت على كتابتها مؤخرًا، أمر طبيعي، ومضحك بعض الشيء.


سنة هادئة، هانئة أتمناها للجميع.

30

بلغت الثلاثين هذه المرة وأنا في غمرة الاختبارات النهائية مغمورة بتصحيح أسئلة الرياضيات. تخبرني ماما بأني جئت صباح أحد أيام الاختبارات النهائية عند الثامنة صباحًا، ولمزيد من التوضيح، أطل رأسي بينما الجميع يختبر. هل يمكنني أن أرجع حبي للدراسة لهذا السبب؟ ربما.

لم أكتب هذه المرة أي قائمة كما فعلت في السنوات السابقة 27-28-29 على الرغم من أن ما سبق يونيو هذه المرة كان كفيلًا بكتابة معلقات. والآن لا أريد توقف عادة كتابتي حتى بعد مرور أسبوع وأنا ثلاثينية.

عدت لدفاتر يومياتي منذ بداية 2022 لأرى ماذا يمكنني أن أسرق؟ اعتدت أن تكون الصفحات الأولى والأخيرة من دفاتري مختلفة، الجهة اليمنى مخصصة للاقتباسات التي أعجبتني أو تتلاءم مع ما أعبره في تلك الفترة وفي الجهة المقابلة أكتب قوائم لا أعلم ماذا أريد منها بالضبط، لكن حتمًا سأجد منها الكثير.

وبما أني كتبت تدوينة خاصة بـعمر الـ29 سأكتب الآن ما يتعلق بعمر 30 فقط. أي من بعد 27 يونيو 2021 إلى 27 يونيو 2022.

5:43م والآن لابد أن أتوقف هنا لأني على موعد مع رشا، وأمامي ربع ساعة قبل الخروج.

10:14م عودة بعد لقاء طويل هادئ تظل بعده أيام وأنت تعيد تفكيرك حول الكثير مما يشكل عليك.


سنة الثلاثين كان غربالها العلاقات، بمفهومها الواسع وكنت قد أغلقت هذا الملف من سنوات حيث الاستقرار يحيط بمعظم علاقاتي إن لم يكن كلها. لكن في هذه السنة ظهر ما قد وربما -وكل مفردات الشك- ما يمكن وصفه بـعلاقة. كانت شيء جديد ومختلف وتحيط بها الغرابة من كل مكان. كتبت حولها في دفاتري الكثير والكثير، كنت أحاول في جميع ما كتبت أن أفهم. تعذر فهمي أو تأخر أو كان ناقصًا ليس بسببي، لكن كما هو معروف لا يمكن لأي علاقة كانت أن تستقيم دون وجود أثر وبذل لطرفين، دون وجود للوضوح. الضبابية مهلكة ولن تستمر عرجاء بطرف واحد أبدًا. أردت المحافظة لكن كما كتبت في إحدى رسائلي:
“ذات مرة قالت له سأكتفي من الكتابة إليك وأستبدلها بالكتابة عنك. تكتب الآن وقد مضت مدة لو لم تكن تحاول فيها وحدها كغريق، لكانا قد وصلا إلى أرض صلبة. لكن كما ترين، وليست تعلم هل هذا واقعًا أم زاوية الرؤية تحكم الكثير. قالت كما ترين: للغريق يد واحدة، هي. هما ما زالا أو لا، هو ما زال في ذات المكان. في حين أنها من اجتازت المسافة وحيدة. هل تبدو ساذجة؟ كمن اختار سكب أفضل ما لديه على أرض لا مسام فيها؟ هل تبدو هذه العبارات مبتذلة؟ أو توحي بشخصية هزيلة؟ لا تعلم. تورطت به، هذا اعتراف خطير. وهذا التورط الحميد بالنسبة لها، بالطبع له أسبابه التي بالضرورة تختار تجاهلها لأنها ترى الأسباب توحي بضدها. أي متى ما انتفى السبب، انقضت نتيجته. ” كنت أعيش بين احتمالات لا يقين فيها، لا وضوح، لا أرض صلبة وهذا أبشع ما يمكن أن يكون دون أي محاولات للتلطيف. أفهم جيدًا اختلاف الشخصيات والظروف وما بينهما بل كل الأشياء محل اهتمام وتقدير لكن؟؟؟؟؟

وكالعادة يحق لي التنظير في تدوينة الميلاد دون غيرها، خلاصة السنة:

1- لابد من إدراك من أنت وقدرك وما تستحقين ثم لا تقبلي بالأقل.
2- أن أتبع ما يخبرني به قلبي لأنه غالبًا على حق.
3- أن أبقى أنا كما أنا أمام أي قرب، هذا الثبات والبقاء هو (الأثمر) لأنني ببساطة مشاعل كما يجب/ أريد أن أكون.
4- أن نعطي لمن يشعرنا بأنه يستحق، الذين لا يشعرونا بأننا وحدنا من يبذل ويحرص على استمرار هذه العلاقة. أي حرص على الاستمرار من الجهتين وإلا فالمغادرة حفاظًا على ما يمكن حفظه.
5- لا ندم على ود ولا لطف كان.
6- ببساطة وواقعية كلنا نستحق من يشعرنا بمكانتنا وقدرنا وأهميتنا لديه.
7- الشخصية والعقلية وطريقة التفكير ونقاط التشابه والاختلاف ومحاولات المحافظة والوضوح الوضوح الوضوح والصدق أساسيات لا يمكن التغافل عنها لأي سبب كان.
8- لا يوجد شخص مشغول 24 س لكن هناك شخص يريد وآخر لا. والتواصل مهم جدًا بأبسط أشكاله تفاعلًا على ما يكون، لا نطلب الكثير إنما أقل ما يمكن أن يطلق عليه (تواصل) على أنه من المعروف أن للتواصل اتجاهين متى ما غلب أحدهما الآخر ندرك هناك مشكلة ما.
9- البقاء في منطقة الاحتمالات هلاك، إما يقينا أو على الأقل وضوحًا وإلا فلا!
10- وقتك وتركيز واهتمامك وحرصك وشعورك كلها محل اهتمام، بذلها للشخص الصحيح – من يدرك ويقدر ويحترم- مطلب وضرورة وإلا ستكون مجرد هدر لا طائل منه. ضرورة الحفاظ على هذه الموارد 🙂

كل شخص منا يعلم من يكون، يدرك نقاط قوته وضعفه وما يميزه عيوبه وحسناته، في لحظة ما، وهي لحظة حادة وسيئة ستفكر في كل ما سبق لتدرك بأنك فعلًا تستحق من يظهر تقبله لعيوبك وأنسه بحسناتك، بك أنت كما أنت لأنك شخص رائع! نعم وبكل تواضع أنت شخص رائع والناس شهود من حولك وكفى بهم مقياسًا وقبلهم معرفتك بنفسك. والأهم البقاء على ما أنت عليه لأن محاولات التكيف والتغير ستمحو ما يميزك. أنا لا مشكلة لدي مع من تكون لكن أين كفك تساعدني؟ لا أرى يد ممتدة ومع هذا حاولت، أدركت السمات الشخصية وعلى أساسها حاولت كثيرًا وبكل الطرق الممكنة دون رجع للصدى. ما الحل المناسب في هكذا حال؟

أخيرًا، سعيدة جدًا بما خضته. سعيدة لأني بالعودة لدفاتري وجدتني كتبت الكثير. كنت أصف بدقة ثم أحلل وأفهم. تجربة جيدة تعرفت فيها على جوانب كثيرة من مشاعل. عشت تناقضات وتخبطات وهي نتيجة لعدم الوضوح والعيش بين احتمالات. لا ألوم نفسي على شيء كان، فلكل فعل سببه وقناعاته.

لدي الكثير لكن اعتقد بأن الأمر أكتمل في نفسي وأخذ ما يستحقه من كتابة وتفكير، لذا سأكتفي بهذا القدر.

همسة أخيرة: كوني كما أنت، ابذلي ما ترينه مناسبًا، توقفي عندما تظنين بأن عطائك محل إهمال، تأكدي بأنك تستحقين الأفضل دومًا. والأهم لا تندمي على ود أو لطف كان 🙂 وتذكري بأننا لسنا كاملين ولن نكون كذلك لكننا نسعى للتكامل، للتوافق ونحن مدركين اختلافاتنا الدقيقة أو الشاسعة. لا نبحث عن المثالية إنما للواقعية، للفهم والتفاهم. للوضح الذي من خلاله نواجه الكثير.

سنوات سعيدة أتمناها لكل العابرين من هنا.

على الهامش: متفائلة جدًا بفترة الثلاثينيات على الرغم من صعوبة السنوات الثلاث الأخيرة من العشرينيات. كانت جملة تحديات بمستويات صعبة لا مثيل لها وعلى جميع الأصعدة. لكن في المقابل، خضت تجارب ممتعة.
فاللهم عمرًا طيبًا ومن يريدنا بالقدر الذي نريده به أو ربما أكثر =)

أبويا

أبويا (جدي لوالدتي) حبي الأول بكل ما تحمله الكلمة من معنى، خطواتي وذكرياتي الأولى مرتبطة به، حضوره كثيف في كل سنواتي، منذ ذلك النوع من الذكرى الضبابية، مرورًا بكل مراحلي الحياتية والتعليمية. في الصباح كان يوصلني للروضة التي هي أقرب لمنزلنا منه لكنه يأتي من أجلي، كذلك الحال في المرحلة الابتدائية ولن أنسى فرحته وهو يوصلني عام ٢٠١١ لشراء كتب مقررات الجامعة من إحدى المكتبات، اختار أن يتصل بصديقه: ألو… هلا والله رايح أوصل مشاعل تشتري كتب الجامعة! مشاعل؟ ايوه..دخلت جامعة الملك عبدالعزيز هذي السنة. الله يبارك فيك.. ثم تعليقه بعد انتهاء المكالمة وضحكنا.


فترات الصباح وآخر الليل مرتبطة به وخالي تركي، كنا نقضي برفقته الكثير من أوقاتنا. نبدأ يومنا في بعض الأحيان بالذهاب معه لإحضار الفطور ثم اللعب بالورق أو مشاهدة فيلم كرتون من شريط فيديو أو مشوارنا معه لأرضه وسباقنا له بالسيارة. كنا نخبره ما نريد إذا رفض الكبار طلباتنا، أتذكر بكائي وتركي لأننا نريد شراء بيضة بيكاتشو الآن! ومحاولاته إقناعنا بأن الوقت قد تأخر ووعده لنا بذهابنا في اليوم التالي لكنّا لم نقتنع، ذهبنا بعد العشاء وقد تأخر الوقت فعلًا. حبه لتسجيل الأرقام في دفتر يلازمه، بدأت الكتابة له في عمر مبكرة وكنت أسعد في كل مرة يطلب مني ذلك. جلوسه أمام أوراقه أو ماكينة الخياطة أو أشرطة الفيديو… مشاهد كثيرة يستحضرها رأسي إذا ما أردت كتابتها لن أنتهي هو سيدها وأساسها، صوته وضحكته وخفة دمه وذكاءه.

في طفولتي المبكرة جدًا كنت أنسب نفسي إليه، يسألوني ما اسمك؟ أجيب مشاعل وألحق اسمه ليضحكوا ثم يصححوا لي وأرفض، هم يخبروني لا أتذكر هذا التفصيل جيدًا لكن الآن أعيده إلى قلبي، ربما قلبي اختاره والدًا لي لأنه يمثل دور الأب بأبهى ما يمكن. حفيدته الأولى والوحيدة لسنوات ولا أحد من أحفاده يعرفه مثلي، وأنا هنا أعي ما أقول تمامًا. لم يكوّنوا شريط ذكريات كما فعلت، ولم يعرفوه في قوته ونشاطه. جدنا واحد لكننا نعرفه بطرق مختلفة ونحفظه في ذكرياتنا بأشكال مختلفة ونختصره ونعبر عنه بكلمات قد تصل للتضاد.


والآن، ترهقني جدًا رؤيته وهو يتقدم بالعمر، أن يتبدل حاله ويلزم مكانه بدلًا من نشاطه وخروجه وحركته الدائمة. أن يحتاج لغيره بعدما كنا كلنا نلجأ ونعود إليه. أن يبقى صامتًا معظم يومه وحيدًا وإن اجتمعنا حوله. يفقد أصحابه ومعارفه ونمط حياته السابق. ويذكر جدة بحالها وما كانت عليه منذ سنوات خروجه الأخيرة. ركننا المتين ووثاق أماننا ورجل المهام السهلة والصعبة ومنقذنا، أحبه ويحزنني ضعفه ولكن هذه الحياة. ومهما كتبته لن أوفيه حقه أمده الله بالصحة والعافية.

مستثنى

-1-
أهوى لحظات أن يخبرني طفل عن معلومة جديدة عرفها، أعطيه كامل تركيزي وردة فعلي المندهشة! أتذكر دائمًا أني كنت تلك الطفلة التي تخبر من حولها بما تعلمته مؤخرًا وتراه يستحق المشاركة، لذا أنا أعي هذا الشعور، أعي جمال أن أعطي معلومة أظن بأنها جديدة لشخص يبادرني شعور الدهشة حتى وإن كان يعرفها. وهذا غالب حالنا مع الأطفال.

-2-

كيف للأماكن أن تكتسب أهمية من خلال الأشخاص في حياتنا؟ هي كانت أماكن مغيبة، لشدة هامشيتها كأنها غير موجودة ثم فجأة يظهر شخص ويتسلل إلى دائرة اهتماماتنا، أو قد يكتسب أهمية تتسرب عنها الأشياء المتعلقة به لتصبح حاضرة بل شديدة وقوية الحضور في أيامنا. نراه فيما يفضله، في الأماكن التي يرتادها، في الأماكن التي كنا فيها برفقته، بصرف النظر أكانت هذه الرفقة محادثة أو مكالمة أو رسالة أو لقاء. ارتباط الأماكن بالأشخاص أمر مدهش وعجيب. ما حفزني لتذكر هذا، أني بالأمس مررت بلوحة ترشد لمكان ما، هذه اللوحة لم أكن أبدي لها أي اهتمام وكأنها غير موجودة، في الحقيقة لم أراها من قبل وإن رأيتها فمن المؤكد أنها كانت كأي شيء عابر مضى صدفة ضمن مدى بصري. لكن بالأمس كانت المرة الأولى التي أنتبه لوجودها أو حتى أعلم أنها قائمة هناك. ذهبت إلى ذات اتجاه اللوحة، رأيت المبنى المقصود، وها هو قد اكتسب وجودًا في عيني. كنت أعبر الشارع مرارًا وتكرارًا لكني لم أولي هذا المبنى أي اهتمام، أما الآن، فهو أول ما أراه في ذلك الشارع. بمعنى: ظهور أو وجود أو اختلاف ترتيب شخص في أيامنا وارتباطه في ذات الوقت بأشياء عدة يسحب معه -إلينا- أشياء كانت بالنسبة لنا في العدم، يعطيها الوجود، يعطيها هذا الحيز والمكان وهذا الحضور الكثيف في أذهاننا.

جميع ما كتب بالأعلى، سجلته كملاحظة صوتية أثناء مشيي، أردت القبض على جزء من أفكاري وهذا ما كان.

-3-
تعجبني فكرة الاستثناء وبحثت في المعجم لأصل إلى المعنى الذي أعنيه:
استثنى الشَّيءَ: أخرجه من قاعدة عامة أو حكم عامّ.
للحظة ستعيش جمال شعور أن تكون مستثنى من كل قواعد أحدهم، أن تكون استثناؤه المقصود والمعني. أن تُغَير أشياء أو تستبدل، لأجلك ودون سبب سوى أن تكون أنت هو أنت! والأجمل أن تستثني. تكسر ما اعتدت عليه وتلوي أطرافه لأجل من يستحق ذلك. فعل بسيط لكني أراه استثنائي.

29

احترت كثيرًا ووقفت أمام بياض صفحة دفتري وملاحظة الجوال والآن هنا في المدونة، أريد أن أكتب ولكن لكثرة ما أرغب قوله فقدت القدرة على تجميع أطراف الحديث. بداية لا يتجاوز احتفالي بهذا اليوم -كالعادة- سوى كتابة بضع كلمات في دفتر يومياتي. لم أكتب في دفتري أي كلمة، لكن كنت طوال الأيام السابقة أردد ما يمكنني أن أبدأ به هذه التدوينة، واختفى الآن.

بعد المرة الأخيرة التي كتبت فيها تدوينة 28 لا أظن أنني سأكتب شيء مشابه لها، كنت أفكر حصر ما حصل لي منذ كتابتها وحتى الآن لكني سأكتب بلغة سلبية وهذا ما لا أريده أن يرتبط بكتابتي بشكل دائم لكنه ظاهر في لغتي مؤخرًا.

بداية ما زلت سعيدة لكتابتي تدوينة 28 لأنها كانت أمنية قديمة منذ أن وصلت 24 عامًا وما زلت أراها شاملة لما يمكنني أن أكتبه عن حياتي في قائمة طويلة.

أما عن 29 فسأحتفل بالرقم 9 دون 20:

  1. قبل كل شيء: أخيرًا يا طلال أستطيع قول: تسعة وعشرين عام.. ضاعت وسط الزحام.
  2. لا يمكنني تجاوز أنها كانت سنة صعبة وتضاف في كونها محورية إلى سنة 2011، لكنها بوابة عبور هكذا أجدها. حياتي قبلها كانت جميلة والحمدلله، وكلي أمل بالله أن القادم أجمل لأنه بين يديه وحده. قلت أني كنت أقسم حياتي إلى قبل وبعد 2011 والآن لدي تقسيم حديث قبل وبعد 2021.
  3. كتبت سابقًا في تدوينة صغيرة عن تجربة الفقد، هذه السنة تعلمت فيها معان قاسية بشكل عام لكن الفقد سيدهم. وهنا أتحدث عن فقدي لأشيائي كاملة، لعالمي أو لما يمكن أن يختصر في كلمة “حياة” أشياء تمثل عمري كاملًا منذ سنواتي الأولى ووعي الذاكرة أو فهم الاحتفاظ ببعض الأشياء دون غيرها. فقدي لها لم يكن سهلًا لكن إذا ما نظرت للجانب المضيء تعلمت بأقل الخسائر أن الإنسان قد يعيش جريح لفترة وإن طالت لكنه بالطبع لن يموت. قد يمضي والندوب تغطيه لكنه لن يتوقف عن “العيش”
  4. تغيرتُ كثيرًا، هذا التغير بدأ منذ أزمة كورونا وامتد حتى يومنا الحالي. عندما أقول تغيرت أعني بها تلك التفاصيل الصغيرة، مثلًا عندما أجلس وحيدة مع نفسي أو عندما أجدني أمام خيارات يلزمني المفاضلة بينها. المفاضلة تغيرت والأولويات تبدلت ومستوى المسؤولية تضخم جدًا. كل هذه الأشياء تكوّن حلقة فهي نتيجة وسبب في ذات الوقت! وأنا أندهش مع كل اختلاف ألاحظه وأتعجب! ليت لدي القدرة لأسهب حول شعوري بأني فعلًا تغيرت.
  5. أكرر: أهلي وصديقاتي نعمة عظيمة في حياتي وخلال ما مررت به كان لوجودهم الأثر الكبير.
  6. كل عبارات اليقين بالله وحسن الظن مرت بمرحلة تمحيص، كنت في مواجهة مع كل جمل المواساة التي كنت أرددها لنفسي في ظروف -رفاهية- مقارنة بما عبرت خلاله. لا شيء يثبتنا مثل إيماننا يقينا بالله، لأن في لحظة رفعت رأسي ولم أجد من يمسك يدي ليس خذلانًا ولا تهاونًا وإنما هذا هو حال الدنيا. لا أحد يحمل عنك همك الكامن في قلبك، لا أحد يخفف عنك ثقلك الذي يشدك لأسفل ولا أحد يعلم بما في قلبك سوى الله. أغلقت -حرفيًا- كل الأبواب في وجهي إلا بابه سبحانه وهو القوة الوحيدة التي سحبتني في أشد أوقاتي ضعفًا.
  7. لم أكن أتخيل أن يأتي يوم وأقول فيه بأني لدرجة كبيرة فقدت كتابة يومياتي، ما زلت بالطبع أملك دفتر وأكتب فيه لكن ليس كما كنت أبدًا وهذا يجلب لي الحزن. أتعتبر هذه طريقة اعتراض لفقدي جزء كبير من دفاتر يومياتي؟ لا أعلم لكن ما أعلمه أني سأعود مهما تأخرت.
  8. طوال يوم الأحد 27 يونيو كنت خارج الخدمة ومع ذلك استيقظت أو عندما أمسكت بهاتفي وجدت مجموعة رسائل لطيفة تهنئني بأني كبرت عامًا. كان يومي مختلفًا وبدأ الاختلاف من اليوم الذي يسبقه إلى اليوم الذي يليه.
  9. أخيرًا وبحكم خبرتي في الحياة، لن أقول متواضعة لأني لا أراها كذلك -نعود للقاعدة: يحق لي في يوم ميلادي قول ما أريد- المهم: مهما كانت أيامنا صعبة أو سيئة أو ليست كما نريد، ما هي إلا فترة وستمضي. الشكل الحالي ليس الشكل الدائم لحياتنا. نصبر ونحاول إلى أن ينقذنا الله بأمره. حتى مع ظروف مثل هذه: نستمتع ولو بأقل القليل😊



    على الهامش، تدوينات السنوات السابقة:
    27
    28 < المفضلة بالنسبة لي.

نحن فيما نقرأ

بداية:
الجملة: مجموعة الكلمات أو الألفاظ التي تكوّن معنًى أو عدّة معانٍ تامّة مفهومة في مُجملِها. 
العبارة: وَحدة لغويّة أصغر من الجملة، وتعبّر بدورها عن معنًى خاصٍّ وجيز. ومن العبارات ما يُصطلَح بالعبارة الاصطلاحيّة، وهي جزء من جملة تأتي كلماته غالبًا في نفس الصّياغة والترتيب.*

مرة في عام 2016 وجدت أني خلال قراءتي للأدب، تلفتني عبارات أو جمل يكون لها تأثيرها بمجرد قراءتها أو تعكس فكرة رئيسية أو شعور يسيطر علي أثناء تلك الفترة ويتزامن مع قراءتي لهذا العمل. ما جعلني أنتبه حينها أنني أعدت قراءة رواية ثم لفتتني تحديدات القراءة الأولى، لأنها اختلفت تمامًا عن القراءة الثانية وكنت أستغرب لماذا أوقفتني مثل هذه العبارات؟ والفرق الزمني بين القراءتين ليس قصير. كانت تحديدات القراءة الأولى باللون البرتقالي فاخترت اللون الأخضر للقراءة الثانية حتى أتتبع الفرق. القراءة الثانية كانت بعد التخرج من الجامعة وقبل الحصول على الوظيفة، بعد مرور ما يقارب سنة ونصف وحينها بدأ الملل يتسرب لجزء كبير من أيامي، كنت أقف كثيرًا أمام ما يصف الملل والسأم والضجر وثقل الأيام ورتابتها. وبعد الانتهاء من قراءة الرواية كاملة عدت للتحديدات، أتذكر جيدًا أن الفرق بينهما واضح. كل فترة تنعكس على جملها وما يهمني خلالها فأجدني أبحث عنه بين السطور وأنجذب إليه بسرعة وسهولة. لا أملك الرواية الآن وإلا كنت كتبت بعض مما حددته.

عادة التنقيب أو التتبع هذه أظنها بدأت من تلك السنة لتستمر معي إلى الآن، تزامن هذا مع إضافتي لسلسلة تغريدات في تويتر لتكون مرجعًا لما يعجبني من تراكيب لغوية وكتبت في وصفها: الجدير بالذكر أني غالبا أعجب بتركيب جملة ما أو جزء من جملة وأظل أردده، من الممكن ألا تكون جملة جديدة ولكن فجأة سمعتها بشكل مختلف ويمكن أن تكون جزءًا مبتورًا لا معنى له لكن تركيبه أعجبني، وقد تجمع بعض الأحيان الاثنين معًا: تركيبًا ومعنى. هذه السلسلة أراها -مع نفسي- من أجمل ما قمت به ونموها مستمر منذ 2016 وإلى تاريخ كتابة هذه التدوينة وصلت 280 عبارة أو جملة.

كل المكتوب أعلاه قفز إلى رأسي لأني قرأت كتاب في أثر عنيات الزيات وبعد انتهائي منه عدت لأرى ما الذي وضعت أسفله خط. بشكل واضح كنت أرى ما يشغلني في هذه الفترة من أفكار أو مواضيع ، منها:
1. الكتابة هويتها، طريقها الوحيد في البحث عن معنى.
2. تكتب بورتريهات عن ناس تعرفهم من غير أسماء.
3. “كتير بفكر إيه الفرق بيني وبينها؟ إحنا فولة واتقسمت نصين.. بس الفولة لما اتقسمت، بتاعتها مقفولة، تجتر الأفكار والآلام.. أنا بقى أقول وأضحك أو أزعق.. هي ما تعملش كده. عندي حاجة لما أخش في مشكلة تقلب معايا كوميدي، أنا بضحك لما أكون في مصيبة. أعتقد ده الفرق. هي لما تكون بتتألم ما تعرفش تقول.. تاخد وقت طويل لما تتكلم”
4. جعلني مزاجها المتقلب أحترمها أكثر، أنا لا أصدق الأفراد غير المزاجيين.
5. عنايات كانت تسجل في الصفحة الأولى من كل كتاب تملكه متى وأين حصلت عليه.
6. البوابون حرّاس الجغرافيا.
7. كانت غرّيرة ويحدوها الأمل حتى أنها تشير في يومياتها إلى نفسها بـ”هي” بدلًا من “أنا”
8. شغلت نفسها بقدر ما تستطيع.
9. التعبير الأدبي للمرأة هو أنضج معاركها من أجل الحرية.
10. الصمت حجرة مغلقة محكمة بلا نوافذ ولا أبواب ينفجر فيها الهواء بنداء استغاثة يختنق في حلوقنا، باستجابة للنداء تختنق في حلوق أعزاءنا، بكلمات مبهمة ناقصة مبتورة لا تكتمل أبدًا ولا تتشكل أبدًا، بصرخات حيوانات جريحة تحتضر في جحورها.. صرخات لا يسمعها أحد وإن سمعها لا يفهمها.
11. كانت الأوراق القليلة التي نجت نقاطًا منزوعة من نص حياة.
12. تبدأ أشياء ولا تنهيها، هناك مفرش تنقصه غرزة أخيرة، ولوحة على الحامل لم تكتمل.
13. إنها حالة فردية للبحث عن معنى.
14. هذا الصوت يضيء أكثر عندما يتكلم عن عتمة الداخل.
15. على هامش اللحظة.

والشكر موصول للإجازة وإلا فأي مزاج هذا الذي يسمح بكتابة تدوينة في الثانية ظهرًا؟ كما أنني قرأت في أثر عنايات الزيات خلال جلسة واحدة -سعيدة بذلك- وهذا يستحيل لولا الإجازة.

ذاكرة المسبح

أحب المسبح ولا مشكلة لدي في قضاء ساعات وأنا أسبح ثم أخرج لأقفز وأعيد ذلك مرات عدة، لكن إذا سئلت هل أنت متمكنة من السباحة؟ قد لا أجيب أو ربما أنفي لكن أنا جيدة جدًا في المسبح. وإن عدت لنقطة البداية أو كيف تعلمت السباحة لا أجد سوى أن والداي كانا يأخذاني أسبوعيا وبانتظام إلى مسبح بحيرة القطار منذ أن كنت في الرابعة أو الخامسة إلى عمر التاسعة تقريبًا. كنت أحاول وأجرب كل ما يمكنني من السباحة وحدي فلا معلم ولا موجه. ذاكرتي لا تحمل الكثير عن تلك السنوات سوى المشهد الأول عندما كنت خائفة كل الخوف وأنا أمشي وأنظر للمربعات في أرضية المسبح كيف لها أن تتحرك؟ ثم اللحظة الأجمل وهي ترقيتي من مسبح الأطفال ذا العمق الواحد إلى مسبح الكبار المتدرج وصاحب الزحليقة الحمراء الملتوية والأكبر على الإطلاق! كانت أشبه بلحظة تتويج لن أنسى سعادتي حينها. ثم زيارات متباعدة للحديقة المائية مع تركي ولحظات التمرد على اممم لا أعلم ما اسمها تلك أدوات الحماية من الغرق ههههه كفر السباحة وحلقات اليدين. ثم توقفت زيارات المسبح لتعود مرة أخرى ولشهر واحد في الصف السادس ضمن فقرات نادي صيفي انضممت إليه، تعلمت فيه عمل السينابون.. لكن لم يجذبني المطبخ مثل المسبح. ولصغر أعمارننا إذ أنه نادٍ متخصص بالأطفال لم تكن السباحة الحرة متاحة لنا طوال الوقت. المدربة لم تفيدني لأنها تتحدث الانجليزية وأنا في ذلك الوقت لا أعلم سوى الحروف و يس ونو.. كنت أتركها خلفي وأسبح وحدي.

غبت سنوات طويلة جدًا عن المسبح، حتى عدت مرة أخرى عندما حجزت استراحة لأهلي بمناسبة حصولي على وظيفة بداية ٢٠١٧ ثم في النادي ٢٠١٨ و٢٠١٩ وها أنا أعود مرة أخرى ٢٠٢٠. المسبح الحالي هو الأعمق من بين كل المسابح التي تواجدت بها إذ يبلغ عمقه ١٩٠سم. ومن هنا تأكدت من أني فعلًا أجيد السباحة، في البداية كنت أدور حول أطرافه، لأتمكن من إمساك البار في أي لحظة خطورة. حسنًا بعد أخذ لفتين على هذا الحال قلت لابد من الذهاب لمنتصف المسبح لكن في عمق أستطيع الوقوف فيه عند الشعور بالخطر، بعدها محاولة شق المسبح بالعرض في عمق لا أستطيع الوقوف فيه. ثم التدرب على كل الحركات التي تعيد لي توازني إذا اختل في منطقة لا تصل فيها أطراف أصابع قدمي إلى بلاط المسبح. نجحت! ما زلت للآن خائفة من القفز وعادة أقفز بوجود رفقة ويرتفع الحماس معهم لأقصاه، الآن أنا وحدي لكن أعلم من أني سأقفز قريبًا إن شاء الله.

اخترت المسبح ليكون كل جمعة، ختام لأسبوع مرهق وأيضًا بداية لآخر. ساعة ونصف مكثفة من السباحة الحرة تتخللها لحظات استرخاء تام وأترك كامل القوة للماء بأن ترفعني وتحركني كيفما تشاء في تلك الأثناء وأنا مستلقية أنظر للسماء من فوقي؟ امممم لا يمكنني وصف شعور تلك اللحظة. إضافة أسبوعية تمحي كل ما كان، بعدها أذهب للجاكوزي الذي أشعر بعده بأن عضلاتي تفككت إلى خلايا. الجاكوزي ينقسم في النادي لقسمين متجاورين ساخن وبارد، في المرة الأولى حاولت الدخول إليهما الساخن ثم البارد، الآخير لم أتمكن بارد جدًا جدًا لكن الساخن لائمني.

في الجهة الأخرى، لا أتذكر أني أحب السباحة في البحر، ملوحته لا تعجبني وكنت أخاف وأكره إحساس الشعب المرجانية أو النباتات البحرية أو لا أعلم ما اسمها من تحت أقدامي لذا كنت أدخل البحر بحذاء، دائمًا! كنت أمشي فقط دون أن أسبح. وهذا محرج لكوني كبرت في مدينة ساحلية.

28

27 يونيو من جديد:

  1. دائمًا البداية تكون لها والانطلاقة من عندها وإليها سيدة قلبي، ماما. أعيد الفضل بشكل مباشر بعد الله لها في العديد مما هو في حياتي وشخصيتي. شكلًا أكاد أكون لا أشبهها في شيء وحتى شخصياتنا ربما تصل للضد في نقاط كثيرة، مع ذلك ما أنا إلا نتاج تربيتها وتعاملي معها ورؤيتي لها ولردة فعلها في أحيان كثيرة. أصارحها وأشاركها كل شيء حتى تلك الأشياء التي يُخشى عادة أن تقال للأم، هي ركن الأمان في حياتي، المكان الدافئ الذي ألجئ إليه في كل أوقاتي، التي وإن كتبت معلقات لا أوفيها حقها وما هذه النقطة إلا لأقول أنها أول وآخر وأفضل وأغلى وأعز أشخاصي.
  2. بابا، صديقي الأول. منذ طفولتي المبكرة جدًا وأنا رفيقته في المشاوير. وأعني هنا المشاوير القصيرة قبل الطويلة، ذهبت معه إلى كل مكان حرفيا ودون مبالغة. إلى البقالة، المسجد، الحلاق، المطعم، المغسلة حتى إلى المقهى مع أصحابه. وهذه الرفقة أتاحت لي كمية أحاديث لا نهائية ولحظات ضحك عميقة أتذكرها جيدًا. كان يتحمل أحاديثي المتصلة عن كل المعلومات التي تعلمتها في المدرسة ولا أنسى حماسي وأنا أشرح له بأن هل تعلم أن جسد هي مفردة أخرى للجسم؟ وأن فناء تعني ساحة المدرسة؟ أوه يا له من اكتشاف عظيم. ولأن لغته الإنجليزية ممتازة كنت اسأله عن اسمي كيف ينطق باللغة الإنجليزية؟ بالمناسبة، حتى الآن دائمًا ما يجدني قبله لأرافقه لأي مشوار سريع وقريب وإن لم أكن يأتي ويسألني هل تأتين معي؟
  3. لا يمكنني تجاوز أني الطفلة الأولى والأخيرة، لا أخوان ولا أخوات. انعكاس هذا على شخصيتي وطبعي كبير جدًا وواضح وملموس وملاحظ. في طفولتي ومعظم وقتي في المنزل كنت ألعب بهدوء، هدوء ربما يكون مبالغ فيه. مهما قفزت وركضت وتشقلبت أظل الطفل الوحيد في المكان، كنت أتحرك بصمت تقريبًا ومعظم الأصوات في رأسي. معظم لعبي إن لم يكن كله وحدي ولست مضطرة للكلام! حين أفكر الآن في هذا أتمنى لو أني أعود للوراء بوعيي الحالي وأرى كيف كنت؟ لذا فإني عشت في بيت هادئ جدًا جدًا جدًا إن لم أكن مصدر الإزعاج فلا شيء يسمع سوى الصمت والصمت التام. حساسيتي للأصوات أو الضجيج بشكل عام مرتفعة أو أنا أتوهم ذلك. في الجهة الأخرى، حجم المسؤولية كبير، لا أحد يشاركني أو يتقاسم معي أي من المهام والاهتمام، الخوف والقلق.
  4. الطفولة تساوي ذكريات ذهابي لمسبح بحيرة القطار كل ثلاثاء ولن أنسى لحظة ترقيتي من مسبح الأطفال المنخفض جدًا إلى مسبح الكبار المتدرج في العمق. كذلك البحيرة المائية، ملاهي العائلة-الرحاب-، الأمواج، الأبراج، عطا الله، جنغل لاند واكتسابي لأثر جرح في ساقي بسبب لعبة لم ينته تصميمها لكني حاولت دخولها، الشلال -مرة واحدة لركوب قطار الموت- مركز العلوم والتكنولوجيا ورحلات المدرسة، السندباد، الريم، حديقة الأنعام. الرسم على الوجه وبالونة هيليوم لنراقبها أنا وتركي في اليوم التالي وهي تختفي في السماء.
  5. في سنوات المدرسة كنت شخصية اجتماعية قيادية، مبادرة، حماسية، مشاغبة، مزعجة ومتفوقة. كذلك لدي قدرة على التأثير والإقناع. في المرحلة الابتدائية على وجه الخصوص كانت المدرسة مكان لإخراج طاقة الصمت والهدوء التي أعيشها في المنزل، كانت متنفس لي. ثم في البيت أعود لمشاعل الهادئة.
  6. في الجامعة توحدت الشخصيتين وأصبحت هادئة أكثر، وتنازلت عن روح القيادة إن كانت تسمى كذلك  لأني مع طالبات لا أعرفهم ومسؤولية لم أرغب في تحملها. كنت أراقب بصمت وأتدخل إذا دعت الحاجة. كنت أحب أن أشرح لصديقاتي ما أشكل عليهم خصوصًا في الوقت الضائع قبل الاختبار بدقائق.
  7. إن عشت في طفولتي لحظات ربما يطلق عليها وصف “أنانية” خارج نطاق أسرتي فيعود السبب إلى عدم تعودي على مشاركة أي أحد لأشيائي أو لأني متعودة على وجود من يسمعني وحدي دومًا ولا يوجد من يزاحمني في التحدث معي فيلزمني انتظاره أو سماعه بسبب هذا كانت تنشأ بعض اللحظات المحرجة دون تعمد مني لكني تعلمت الكثير وانتهيت منها.
  8. كنت طفلة ذكية لمّاحة وبذاكرة قوية -يمكنني في يوم ميلادي مدح نفسي- هذه الصفات إن اجتمعت شكلت حيرة للطفل وإحراج للكبار. كنت أفهم كل التلميحات من حولي، وأنا هنا أعني قول “كل” أندهش وأكمل وكأني لم أفهم شيء وأحاول ألا أبدي أي ردة فعل توضح فهمي. بعض الأحيان كنت أفهم أن هناك خطب ما متعلق بأمر ما لكني لا أعي ما هو بالضبط. كان عقلي يسبق عمري. قياسا أكاد أجزم لو أن برنامج موهبة موجود خلال دراستي لاختلف الأمر جدًا.
  9. أعتقد أني محظوظة لأسباب كثيرة منها أني عشت وما زلت أتنقل بين جنوب وشمال جدة، بين أكثر أحيائها شعبية وبساطة وعشوائية وفي الجهة الأخرى أفخمها وأكثرها تنظيمًا ثم الأحياء الوسط، ما هو بين هذا وذاك. وأنا هنا أعني بأدق وصف ممكن لكل كلمة أقولها، من يعرف جدة سيتوقع أو يعلم ما أعنيه. لماذا ميزة؟ لأن ولا أحد ينكر قوة الحي بشكل كبير على سكانه وكل ما له علاقة به يشكل سبب ونتيجة، لسبب ما سواء اجتماعيا أو اقتصاديا اختار سكان هذا الحي أن يسكنوا هنا ونتيجة لسكنهم انعكست عليهم أشياء واضحة. لغتهم، سلوكهم، طبعهم، عاداتهم، طريقة تفكيرهم وأسلوب عيشهم. ما أقصده بالميزة أني تعرضت لخيارات مختلفة بشكل واسع في عمر صغيرة. وهذا طور في شخصيتي الكثير ولعل أهمهم التعامل مع الاختلاف وتقبله ومراعاة أصحابه، لا أفضل ولا تفضيل الكل متساوي ولكن مرة أخرى هو الاختلاف فقط. قد يبدو حديثي عن الحي تسطيح للناس لكن لا أعلم كيف أوصل فكرتي وأساسها التنوع الذي عشت فيه وبينه. وفي جميع جوانب الحياة: مناسبات، زيارات، أسواق، سهرات…
  10. إلى عام 2011 أي عمر 20 كانت هناك مشاعل ثم بعد ذلك وتحت ظرف قاسي تكونت نسخة جديدة معدلة من مشاعل. أكبر منعطف وليس نقطة تحول فقط حدثت لي في تلك السنة. من هنا أنا أقسم حياتي إلى قبل 2011 وبعدها.
  11. 28؟ جيد لكن داخليًا لا أعتقد بان شعوري اختلف على الأقل مقارنة بتصوري في السابق عندما كنت طفلة عن فكرة العمر وأن من تجاوزوا 25 كبار!
  12. تنقسم ذاكرتي -حتى الآن- فيما يتعلق بالبيوت إلى 3، بيت الطفولة المبكرة بمجموع عشر سنوات ثم الطفولة والمراهقة إلى آخر سنة في الجامعة بمجموع ثلاث عشرة سنة، ليأتي بيتنا الحالي من السنة الأخيرة في الجامعة وحتى الآن بمجموع خمس سنوات ثم قريبًا سننتقل لبيت العمر بإذن الله.
  13. إن كنت سأختصر حياتي في شيء واحد سيكون حتمًا ودون أي مجال للحيرة: التعلم. نعم، التعلم والتعليم وكل ما له علاقة بهما هو أكثر ما أجدني فيه. يمكنني استغراق عمرًا كاملًا في التعلم/التعليم، لذا وأنا معلمة أعيش دور مفضل في حياتي. ربما بدأت قصتي مبكرًا في سن الروضة إن كانت تحسب ضمن سنوات تعليمي وأنا أحسبها لأنها كانت تعليم جاد. الأربع السنوات الأولى من عمري ثم الثلاث سنوات بعد تخرجي من البكالوريوس الأول هي السنوات التي لم أكن خلالها مسجلة ضمن تعليم رسمي أكاديمي. أما الآن وها أنا ذا قد انتصفت في دراسة البكالوريوس الثاني أجدني أفكر ما الخطوة التالية؟ ماجستير؟ حسنًا في الفيزياء أم في الترجمة؟ ماذا عن الاثنين؟
  14. بالحديث عن محيط أسرتي وصديقاتي، اعتدت وتأقلمت على أننا لا نتقاطع في الاهتمامات أبدًا. بدأت ملاحظة أو اكتشاف ذلك في المرحلة المتوسطة، حينها بدأت تتشكل شخصيتي بشكل أوضح، اهتماماتي، طريقة تفكيري وما يجذبني. ولعل أساس ما أحب كالقراءة والكتابة مثلًا لا ينجذب لها أي ممن حولي والمقربين إليَ، بالطبع أتمنى ذلك أو كنت لكن ما يجمعنا أكبر. استبدلت تقاطع الاهتمامات بأصدقاء مواقع التواصل الاجتماعي. من السهل إحاطة نفسي بمجتمع نتشابه فيه بما نحب ونستطيع خلق نقاشات لا نهائية. وأحب تواجدي مع أهلي وصديقاتي!
  15. تركي، شخص مفضل، أساسي ومهم جدًا في حياتي. أحبه لأن طفولتنا مشتركة ولأنه أكثر شخص بعد ماما قضيت وقتي معه في بيت جدي. أيضًا لم ينقطع التواصل بيننا لأكثر من يوم، لا أحد يضحكني مثله إلا زينب. هل يمكن تخيل حجم تواجده في أيامي؟ لا.
  16. زينب. الأحب، الأقرب، لحظات -ذكريات- مشتركة لا يمكن حصرها ولعل أبرزها ضحكنا في محاضرة المهارات الأكاديمية -الآن ضحكت كذلك- ذكية وشخصيتها مميزة حضورها مختلف وأنا أحبها جدًا. تشاركنا أفراحنا وأحزاننا والكثير الكثير من لحظاتنا حتى البسيطة والصغيرة جدًا.
  17. الحديث عن صديقاتي، حديث ذو شجن لأن الصداقة تعني لي الكثير وجدًا. في كل مراحل عمري أكرمني الله بصداقات هي من أجمل ما حدث لي. كان الوفاق بيننا كبير واللحظات الجميلة عميقة وأصيلة. صحيح أن اثنتين منها انتهت بطريقة حادة وبشعة لكن ما زلت أحتفظ بجمال ما كان بيننا. ممتنة لله لأن دائمًا حياتي ممتلئة بهم. يهمني أمرهم وأحب تواجدي معهم ومشاركتهم لحظاتهم وتكوين ذكريات معهم.
  18. حبي للقراءة كاملًا يعود لماما. وجهودها التي بدأتها في سن مبكرة جدًا قبل دخولي الروضة وتعلمي الحروف. ثم استمرت بتوفير الكتب من مقر عملها بعدها صارت لي زيارة روتينية معها وبابا إلى مكتبة المأمون في مركز الكورنيش بالبلد وحتى الآن احتفظ بكتب الطفولة.
  19. عن حبي للفيزياء بدأ من المرحلة المتوسطة بالتحديد درس تحول الطاقات، وكيف يعمل الصاروخ والمكيف. في الثانوية كنت محتارة بعض الشيء بين الأحياء والفيزياء لكن لا مقارنة بين حبي للأخير لذا اخترته تخصص لي في الجامعة. ولا أنسى كيف ردة فعل من يسألني إن كنت دخلته برغبة أو أن معدلي لا يساعدني إلا لدخول كلية العلوم وأجيب حبي للفيزياء.
  20. في سنوات الجامعة بدأ يتكون لدي اهتمام واضح بمواضيع مثل: الهوية – اللغة- القومية وتأثير كل منهم على المجتمع وغيره، مواضيع لم أكن أتخيل أن يأتي يوم وتكون ضمن دائرة ما يلفتني، انعكس هذا على نوعية الكتب في مكتبتي بشكل واضح ثم استمر لينتهي بي الحال إلى دراسة اللغة الإنجليزية والترجمة.
  21. في الصف السادس الفصل الدراسي الثاني وخلال أيام الاختبارات النهائية قصصت شعري لأول مرة. قصير إلى طرف أذني، أتذكر إلى الآن كيف كنت أسرق دقائق من المذاكرة لأقف أمام المرآة مندهشة من تغير شكلي! تحول قص شعري إلى عادة سنوية. تهورت مرتين الأولى سنة 2016 وحلقت شعري على الصفر! كانت مراقبة نموه من أجمل التجارب التي عشتها. والثانية سنة 2020 حلقته على درجة 3 والآن أعيش ذات التجربة أراقبه وهو ينمو حيث أصور شعري شهريًا بين تاريخ 26-30 وأقارنه بالشهور السابقة، الفرق يجلب السعادة.
  22. 2018 سنة مميزة بالنسبة لي لسببين لكن الأهم هو حصولي على رخصة القيادة وكانت في وقت قياسي مقارنة بظروف مدرسة القيادة في تلك الفترة. كذلك يعود الفضل لبابا إذ علمني السواقة أسبوعيا سنة 2008 عندها كنت في المرحلة المتوسطة. أستطيع القول بأني من أوائل الحاصلات على الرخصة في جدة ليس فخرًا أو ربما كذلك لكن تيسيرًا من الله، أصبحت نقطة مهمة في حياتي. بالنسبة لي بشكل شخصي أو حتى لوالدي.
  23. أكتب هذه القائمة وأنا أعيش أكبر وزن لمشاعل في هذه الحياة والذي لن يستمر لكن بما أن يوم 27 يونيو جاء وأنا هكذا يحق لي أن أخبرني لأتذكر هذا لاحقًا إن شاء الله. إذًا عمر 28 بأثقل نسخة من مشاعل ههههههههه بينما الأخف كانت سنة 2012 دون الوزن الطبيعي.
  24. أميل للروتين، للثبات لا مشكلة لدي مع التكرار ولفترة طويلة، لا أميل للتغير كثيرًا. استغرق وقتًا أطول في كل شيء تقريبًا -ماما تخبرني بأني شخص بارد- على مقياس السرعة، بطيئة وغالبًا مكبرة دماغي وموفرة كل شيء لحين العوزة.
  25. كتابة يومياتي هي العادة الوحيدة التي استمرت معي لسنوات، جزء لا يتجزأ من يوم، الكتابة هي أكثر ما أفعله بعيدًا عن جودة لغتي من عدمها. كتابة اليوميات وحبي للتصوير اندمجا ليشكلا أسلوبًا بسيطًا اتبعه لتوثيق لحظاتي وأيامي.
  26. أحب أن يكون يومي مزدحم وممتلئ بمهام، أماكن وأشخاص. لكن الأهم هو أن يكون ممتلئ بما يشغلني. حالة الانتقال من مهمة إلى أخرى مختلفة وكلها أعمال مفضلة. أكتب هذا وأنا عشت حالة من الفراغ بسبب جائحة كورونا والحجر مما فرض علينا الجلوس في البيت. لا مدرسة أو جامعة لا صديقات ولا أهل. أنا وأنا في البيت فقط! وجدتني أمام ساعات طويلة لم أعتد على إدارة كل هذا الوقت دون التزامات. لذا فاليوم الذي  أكون فيه منشغلة هو المفضل. لكن من الطبيعي تأتيني أيام تكون استثناء ولا أرغب فيها بفعل شيء واحد فقط.
  27. لا يمكنني أيضًا تجاوز سنة 2020. غريبة، مختلفة جميعنا عشنا تجربة جديدة لم يسبق لنا أن اقتربنا من ظروفها أو تغيرت حياتنا بشكل مشترك إلى هذا الحد. كورونا وكيف غير العالم بأسره، حجر منزلي وحظر تجول وتعطل لكل شيء. 3 شهور و3 أسابيع منذ تعليق الدراسة وهذا أول ما تأثرت به حياتي بشكل مباشر. ثم لا رمضان ولا عيد شوال كعادة سنواتنا. لن أسهب لأنن ما زلنا نعيش في أيام كورونا.
  28. أخيرًا، وبعيدًا عن خزعبلات الأفكار إلا أني أحب الرقمين 2 و8، وسعيدة لأني أخيرًا كتبت هذه القائمة وهي فكرة مؤجلة منذ عيد ميلادي الرابع والعشرين. بكتابة هذه القائمة أستطيع القول بأني احتفلت بهذا اليوم والذي دائمًا أختصره بالكتابة.