
بدأت كتابة فبراير من اليوم الرابع، كتبت حينها ما حدث ويمكنني أن ألقي عليه اسم الشرارة. أعتقد بأن الأمور أخذت بالسير إلى الطريق المنحدرة، لم أكن أتعامل بعقلانية بما يكفي وكان الجنون يمسك زمام الأمور، كتبت كثيرًا، كتبت وكتبت وكتبت! كنت بحاجة لكل هذا.. كتبت رسائل وفي دفتر يومياتي وفي الملاحظات وفي كل مكان، كما لو أريد إفراغ رأسي كاملًا، حدثٌ جديد يؤكد لي بأن الثرثرة كتابةً هي طريقتي الأولى في التعاطي مع الأمور. كنت غزيرة وكثيفة ومندلقة للحد الذي لا أفهمه، لم يكن لدي ما يمنعني من إيصال ما أريد فوريًا ولحظيًا، وبالطبع أنا لست مع هذه الطريقة ولكن لم أملك الصبر الذي يحثني للانتظار ولو لدقائق، ليست طريقتي أو على الأقل ليست للدرجة التي وصلت إليها، وهذا لا يؤكد لي سوى أني لم أكن على ما يرام مع هذا الموضوع على وجه الخصوص، حاولت تهدئة نفسي ولكني لم أنجح، لا بأس هي أكثر ما كنت أردده، مضت الأيام سريعًا ولا أبالغ إن قلت بدت علي أشبه ما يكون بالآثار الجانبية لأعراض الانسحاب ههههه، حذفت تطبيقات التواصل لبضعة أيام، لازمني دفتر يومياتي أكثر من المعتاد، والتزمت الصمت كثيرًا، بمعنى آخر انكمشت، أعلم بأن كلامي يبدو مبالغة لكن هذا ما أقوله دومًا حول صدق ما أشعر به وأعيشه، بعيدًا جدًا عن العقل والمنطق… العفوية والصدق كانا سيدا كل المواقف.
افتكرت نصًا كتبته ذات يوم عنوانه غرق التجاوز ، ومع اختلاف دوافع الكتابة لكن طريقتي في التجاوز واحدة:
أعلم أني أستغرق وقتًا طويلًا في التجاوز، أغرق فيما أريد مغادرته إلى الدرجة التي تمكنني لاحقًا من الرحيل بهدوء وسلام دون إلحاح بالعودة. العودة تعني أن جزءًا ما زال يريد أو ينتمي، حزنًا لم يأخذ وقته، كلمة لم تقال، محاولة عبور سريعة وفاشلة أو تنهيدة عالقة. استيعاب قرار الرحيل ليس بالأمر السهل، لكن ما يهوّنه عليّ يقيني التام وإدراكي بأنه مرحلة لن تدوم مهما طالت وآلمتني. تواجدي وسط موجة مضطربة برفقة وعي عالي أمر مؤلم، أختزله في شعوري الخالص بالحزن. حزن صافي دون شوائب من أي مشاعر أخرى، والحزن ثقيل على النفس أتخيل تواجده المركز في قلبي، يثقله ويهوي به.
خرجت الأمور عن السيطرة، وهذه حال متطرفة لا أصل إليها إلا في مرحلة متقدمة، أصل لأقصاي بكل جنوني ثم أعود بالتدرج إلى حيث كنت، حينها أخرج عن كل شيء وأبقى في دوامة الأسئلة لم لا؟ ما المانع؟ ما أسوأ ما سيحدث؟ وكمية لا بأس بها من التناقضات كنتيجة حتمية للفورية التي أسكنها أو تسكنني، ما زالت الأسئلة والحيرة حاضرة لكن بوتيرة أقل إذ بدأت الأمور تتضح شيئًا فشيئًا، لاحظت ماما وصديقاتي انكماشي، وما عساي أن أقول؟ لا شيء بالطبع وكنت أعيد السبب بتهكم إما للأعراض المصاحبة لتجاوز الثلاثين أو لأني نضجت أو أي سبب بعيد كل البعد عن الحقيقة. فبراير كان شهرًا دون مشاركة مقارنة بالشهور السابقة، وأقصد هنا مشاركة يومياتي وبالتحديد ستوري سناب وإذا عرف السبب بطل العجب وهو غياب الدافع بالنسبة لي، حاولت المقاومة وكسر شرط (الوجود) بسنابات لا داع لها، وأنا بذلك عدت إلى 2020م وما قبلها. لا مشكلة لدي بذلك المهم ألا أتوقف عن التوثيق بصرف النظر عن المشاركة.
خرجت من هذه (العامين إلا شهرين) بالكثير حول مشاعل، أشياء لم أكن لأعرفها لولا خوضي هذه التجربة، كنت فعلًا متفاجئة من تفاصيل كثيرة ومحاولات الفهم هي العامل المشترك، ثم كومة من الأسئلة، كانت فترة أشبه ما تكون بالتنقيب وسبر أغوار العميق، بجوار ما حدث في العامين هذه أصلًا، أشبه ما كنت تحت مجهر أحاول فهم مشاعل من خلال ما تعبره. في أحيان كثيرة أنا أفهم، لكن هذا الفهم خلاف ما أريد أو أتمنى، فتأتي الانتكاسة، أعلم بأني في لحظات كثيرة بدوت (متناقضة) أو (غير مفهومة) بينما كنت أملك تفسيرًا أو دافعًا لكل ما يحدث، وأنا هنا لا أتحدث عن مشاعل وحدها، ما يدهشني أني أعي جيدًا تبعات الظروف، لكن تأتي لحظة يغدو فيها هذا الفهم وكأنه حائط يعيق الوصول، فتحدث انتكاسة جديدة! نحن نفهم لكننا في المقابل نريد! خرجت كذلك بأن لا يشترط أن يكون هناك مخطئ، إنما سياق الظروف والأحوال وطرق الاتصال لا تخدم بحال! ونستوعب أن ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، حتى مع وجود العذوبة، والفهم والمراعاة، والاستيعاب… أهو الطمع؟ طمع بمزيد من الجمال؟ ربما. الشيء المزعج الوحيد بالنسبة لي هو أن ماذا لو بعد كل هذا لم أُفهم كما أنا، ولا أعلم لم هذا الهاجس؟ ربما الأمل
وكأن فبراير بكل هذا قدم لي اليقين ذاك الذي يُقطع به الشك، اليقين الذي أستطيع الاتكاء عليه بدلًا من التذبذب في لدن الشك، حتى وإن كان يقينًا خلاف الذي أريده وأتمناه لكنه على الأقل (يقين) وواحدة أخرى من: لا بأس مشمش، لا بأس. أتوقع بانتهاء فبراير تهدأ الأمور، تعود الأيام لوتيرتها الروتينية الخالية من كل تلك المحاولات.
وفي الجهة الأخرى من فبراير، قرأت: مذكرات العمى/ رحلة عبر الظلام. وبدأت: يهود بلا مال + السطحيون: ما تفعله شبكة الإنترنت بأدمغتنا. عدت للخياطة والتطريز ومحاولات حياكة حقائب قماشية والتلوين، شهر مليء بالكثير من الصور والكتابة والهواجيس، وبضع لقاءات، وفي المدرسة قضينا يومين من أجمل ما يكون، يوم التأسيس بمشاركة الطالبات وآخر يوم مفتوح للمعلمات فقط، فبراير كان شهرًا خاليًا من المشي والخطوات! ماذا أيضًا؟ بدأت أسلوب كتابة مختلف ويبدو أني متورطة بعض الشيء، الأول أسلوب موسوعي والثاني وصفي تسويقي.
اختم بما قالته روضة الحاج وكأنها كتبته عن لساني بعد كل تلك الثرثرة:
لا بأسَ
ليست تلك آخرَ طعنةٍ
فلكم أمضَّتنا مُدىً
ورماحُ
ولكم خُذلنا في الذين نحبهم
وتعاورتنا في الطريقِ جراحُ!
لا بأسَ
قد تعتادُ يا قلبي الذي
أعياه رغمَ بيانِه الإفصاحُ
فاصمتْ فقد يُنجيك حرفٌ أبكمٌ
ويجيرك الإضلالُ
لا الايضاحُ
أتعبتني وتعبتَ
هذا عمرُنا يذوي
متى يا صاحبي نرتاحُ؟
هذي التدوينة بالذات حبيبة!💗
إعجابLiked by 1 person