من هنا وهناك:
استيقظت اليوم باكرًا وكان الطقس باردًا لذا تناولنا وجبة الفطور من أمام البحر، وطوال الأيام الثلاثة الأولى من فبراير كنت أفكر في كتابة ملخص لشهر يناير، كالعادة كانت تأتيني الأفكار بل والعبارات كاملة جاهزة ورأسي على المخدة، لا طاقة لي حتى إلى كتابتها في ملاحظة الجوال.
مع بداية العام، أضفت بعض الأفكار إلى روتيني، منها ما هو يومي، وآخر أسبوعي أو شهري، الإضافة الأولى تتعلق بكتابة ملخص عند انتهاء كل شهر ميلادي، شرط ألا أبدأ الكتابة فعليًا إلا بعد انتهاء الشهر تمامًا. والجميل في الكتابة أننا من خلالها نعطي الأشياء حجمًا إضافيًا لما هي تشغله في الواقع، بمجرد أن فكرنا الكتابة عنها. مررت بتدوينات لأشخاص يكتبون تماما كما أريد، كل حدث صغير وعادي وعابر في أيامهم قادرين على تحويله إلى نص بديع، دون مبالغة: يمارسون الكتابة عن كل وأي شيء! عن الأشخاص والمواقف والكتب والحوارات والخيبات والأفكار والمشاهد والاقتباسات …. إلخ. هذا ما أردته، وكتبت فقرات حوله في رسائلي، حتى بالعودة إلى دفاتر يومياتي، تظهر وتتكرر هذه الرغبة، وهذا ما حصل في يناير، كتبت عدد جيد من النصوص القصيرة في دفتر يومياتي، يغلب عليها أسلوب الوصف، ما زلت بحاجة للكتابة أكثر، لاقتناص كل ما يمكن توسيعه في كتابة تضفي عليه لمسة أعذب!
تجاوزت معظم الأسبوع الأول من يناير، ولم أكتب يومياتي إلا في اليوم السادس مختصرة كل ما حصل، الثالث من يناير احتوى أكثر الأشياء التي رغبتها منذ عشرين شهرًا والحمدلله، الأمر أشبه بحلم لكنه حلم واقعي. وهنا يجدر بي ذكر ما فعلته، بداية أنا لا أحب التوكيدات بفكرتها الخالصة ولا أنتمي إطلاقًا لهذا النوع من التفاعل مع الحياة، حتى أني وبكل صراحة بحثت عن حكم شرعي حولها، الأمور العقائدية مخيفة بعض الشيء، بدأت كتابة بعض مما أردده، كان الأمر محاولة إمساك بما أقوله لنفسي دومًا، الكتابة قيد وتذكير، كنت بحاجة لإعادة سماع بعض القناعات.. كتبتها وأعدت قراءتها، العجيب أن لهذا أثر جيد، أرى أساسه (التذكر) عرّضت رأسي لما هو مغيب فكانت هناك استجابة جيدة.
كتبت رسالة طويلة واحدة، بدأتها وأنهيتها خلال الأسبوعين الأخيرة من الشهر، كانت مسودة طويلة.. لكن بقاؤها كثيرًا على غير العادة جعلني أرغب في حذف أجزاء منها واختصار أخرى، ما زال يدهشني فعل المشاركة، كيف ولماذا نرغب في مشاركة شخص دون غيره؟ غريب عجيب أمر الإنسان.
يناير يعني عودتي للقراءة، قرأت خلاله مجموعة من الكتب بشهية واسعة، النص والحياة ثم ماركوفالدو ثم قراءات من أجل النسيان ثم لن تتكلم لغتي وأخيرًا إعادة قراءة كتاب أسرار صغيرة. بدأت كذلك فكرة عمل قائمة في تطبيق Google maps للأماكن التي أذهب إليها بالطبع ليست كلها إنما المميز منها مع تقييمها وكتابة شيء قصير جدًا. مشيت في يناير كثيرًا، تطبيق الخطوات يخبرني بالجزء الذي يكون الجوال برفقتي، قاربت على 140 ألف خطوة، بمعدل 5000 يوميًا، لكني بالتأكيد أمشي ضعفها.
لحظات لا تنسى:
وصفها يختصرها، هي لحظة واللحظة لغويًا: الوقت القصير بمقدار لحظ العين. لكنها لحظة تحمل معنى يفوقها طولًا وعمقًا، وهنا بعضها وليس كُلها.
- في الحادي عشر كتبت: وفي غمرة شعوري المثقل تلقيت اتصالًا من — عند الساعة 7:51م حول — كان الاتصال كالماء للظمآن.
- في السادس عشر كتبت: طلب اتصال، ثم نص جميل ومكالمة لـ 18د حركة تعني لي الكثير، وجاءت في وقتها.
- العشرون: كنت في مقهى وكتبت كما لو أنها المرة الأولى التي أواجه فيها نفسي، ساعة من الكتابة وصفتها: المكان هادئ نسبيًا، على الأقل استطعت كتابة وتفريغ كل الزحمة والفوضى التي ملأت رأسي لأيام، ما زلت أكتب وأظنني سأستغرق مزيدًا من الوقت، ملئت دفتري بالكثير من علامات الاستفهام، هذه الأسئلة هي وأفكارها ما رافقني في جميع أوقاتي طوال الأسبوعين الماضية، وبالتحديد أثناء قيادة السيارة، كنت -على غير العادة- لا أريد الاستماع إلى بودكاست أو موسيقى، لا أريد أي صوت سوى رأسي! أو كما يقول ساراماغو: لا شيء من أي شيء. انتهت فترة (التخمير) وحان وقت إخراجها للنور، كتابتها، مواجتها والوصول إلى نقاط ترضي جميع الأطراف (أنا وأفكاري*ضحكة*) على الرغم من كونها فترة مليئة بالأسئلة، لكن في الجهة الأخرى.. هي فترة هادئة، لا انتظارات ولا توقعات، إنما لحظات وأيام لتعاش، وهذا فضل عظيم فالحمدلله دائمًا وأبدا.
- في الثالث والعشرون: كتبت نصًا في لحظة شعور كثيف، لحظة مختلطة من غضب وخيبة حولتهما إلى نص أدبي كتب بطريقة لا أعلم كيف وصلت إليها، أعجبتني جدًا إلى الحد الذي يمنعني من مشاركتها في أي مكان!!! قبل هذا اليوم كنت بحاجة للاطمئنان، ولاتصال لا من أجل تبادل أي شيء سوى الحال والأخبار! وحماسي واندفاعي كانا واضحين… ثم صار واتصلت، وبعدها ماذا؟ أُغلقت المكالمة في وجهي 🙂 لحظة عصية عن الفهم! حاولت إعادة صياغة ما حصل، ربما مشكلة في الشبكة، أو انتهت بطارية الهاتف أو حدث أمر ما… لم أرغب فهم ما حصل فعلًا! ولا أريد الإسهاب لأني حتمًا سأقول ما (يزعّل) فالأمر لا يبرر لو كنت أنا لقلت ببساطة: معليه بس حابة أقفل! أي شيء به لمسة ذوق أو أدب أو احترام، قد أتفهم لكن هذه المرة بالذات أصبت بخيبة لشعوري الذي يسبق هذا الاتصال، أتفهم لكن الزعل موجود، وعوضًا عن أي فعل كتبت ما يمكنني تصنيفه إلى أجمل ما كتبت منذ فترة طويلة جدًا. نص جميل بفكرته وهو لا يشبه الحدث في شيء إنما أشبه ما يكون بانتقام لي بطريقة أدبية هههههههه.
شخصيات:
كان على خلاف ما اعتدنا عليه من البشر، يجذبه إغلاق الأبواب والنوافذ الموصلة إليه، وإعادة القادمين إليه رجوعًا قسريًا إلى حيث أتوا، يشعرهم بثقلهم وغرابتهم التي هي ربما انعكاسًا لشعور ما يسكنه. الأكيد رغم كل هذا، أن ما هو عليه الآن، ليست نسخته الأصلية، أكاد أجزم بأن هناك نسخة أفضل مخبئة في مكان ما، قد تكون الظروف تحول دون ظهورها، لكن حتمًا موجودة.