-1-
أهلًا! أكتب الآن من مساء يوم الأحد، أكتب وقد هدأت بعدما كنت أشبه ما أكون على فوهة بركان أو أن فورانه كامن بداخلي. وهذه الجملة الأخيرة يلزمها تفسير بسيط وعودة للوراء قليلًا. كانت الأمور على ما يرام إلى مساء السبت وبالتحديد الساعة الحادية عشرة مساء وأربعون دقيقة، حينها تلقيت خبرًا بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. دخلت في حالة حادة لا مجال لذكرها هنا، لكن لو كنت أكتب رسالة طويلة لأسهبت. نعود إلى القشة مرة أخرى، بينما كنت أستعد للنوم وقد تأخرت، قلبت موازيني.. حاولت عبثًا تهدئة الأمور ونفسي ولكن دون فائدة! في حالة كهذه عندما أصل لقمة شعور ما، كنت دون تفكير أتجه إلى البريد لتفريغ ما أشعر به، نقله كاملًا مني إلى حروف تحمل عني ثقل ذلك الشعور. أكتب وأكتب وأكتب دون أي اعتبار يذكر أو فلتر يمنعني إنما أطارد المعاني حتى أنقلها وأتخلص منها وحينها فقط أهدأ. وأنا هنا لا أبالغ إن قلت هذه طريقتي التي اعتمدتها لسنوات وبالتحديد من 2013.
-2-
كتابة الرسائل الطويلة شأن أساسي في أيامي وهو أمر قد تحدثت عنه كثيرًا، إلا أن رسائل مسقط أمرها مختلف تمامًا. بدأتها في منتصف سنة 2013 مع صديقة عُمانية وبالتحديد من مسقط. كنا نكتب لبعضنا في كل حالاتنا، أشدها فرحًا وحزنًا وهشاشة وقوة. ثم لسبب لا نعلمه أو ربما لا سبب سوى أن انقضت هذه التجربة الطويلة والجميلة، كانت آخر رسائلنا مع ظهور كورونا أواخر 2019 إلى منتصف 2020، سبع سنوات من الرسائل الطويلة وبمجموع 136 رسالة متبادلة! عدت إليها وأنا أكتب هذه الكلمات لإلقاء نظرة لا أكثر. حسنًا، ستبقى تجربة الرسائل المسقطية هي التجربة الخام للمراسلة. تذكرتها بالأمس وأنا أقاوم رغبة بداية كتابة رسالة تلخص حالتي وما كنت عليه، أغالبها بنوم يزاحمه أرق! فوضى. إذا هذه المرة انتصرت وبجدارة على إلحاح الكتابة ذلك الذي يأتيني في كل مرة لأقول: يلا مشاعل! هذه ستكون الرسالة الأخيرة. إلا أنه وياللعجب آخر رسالة بعثتها لم أفكر في حينها بأنها ستكون الأخيرة لكن يبدو أنها كذلك -إلى الآن على الأقل-
-3-
ولأني لم أكتب البارحة ثم نمت، استيقظت اليوم -بكل واقعية- وأنا أحمل معي ذات الشعور الذي نمت عليه. رافقني إلى منتصف النهار تقريبًا. وأعلم جيدًا لو أنني استسلمت وكتبت لما استيقظت بذلك الحال. ولكن لا بأس، لابد من نقطة توقف، لن أنكر بأنها بالنسبة لي كانت من أجمل ما كتبت. ليس على مستوى اللغة إنما الشعور والفكرة. إلا أن هذا الانطباع قد اختفى مؤخرًا. لم تعد رسائلي كما كانت، لا بخفتها ولا تنوعها ولا محتواها أي مما اعتدته فيها، ولأسباب أخرى كان لابد من توقفها. وهذا التوقف لم يكن سهلًا وحتى هذه اللحظة أخشى ظهور شعور قوي يحرضني للكتابة وأنصاع لأمره وأكتب ثم أرسل! ولكن سأحاول بكل ما أملكه من تحكم بالأمور، أن أكتفي بهذا الحد، صار وكأنه توقف ضروري أكثر من كونه اختياري.
-4-
الحصول على متلقي لرسائلي ليس بالأمر السهل، فأنا أعرف معنى أن أنسكب أمام قارئ هناك في الجهة الأخرى يطلع على أحوالي ويومياتي وتفاصيلي الدقيقة مما لا يعرفه عني أقرب ناسي وأحبابي. لم أحظى بحرية الكتابة كما كنت مع المسقطية ثم مؤخرًا منذ عام ونصف مع س. غ. وهذه الأخيرة صادف أنها شملت فترة احتوت على أحداث وتغيرات محورية في حياتي لذا كانت رسائل من العيار الثقيل جدًا. حتى الآن لم أكتب كما كتبت في هاتين التجربتين وفي الحقيقة يصعب بحال من الأحوال الوصول لمتلقي جديد، على الأقل في الوقت الحالي، كما لا أتقبل فكرة (الانكشاف) على (شخص جديد) لذا سأتوقف مؤقتًا عن المراسلة وقد يطول هذا المؤقت ولا بأس في ذلك إلى حين الوصول لمتلقي تتوفر فيه الشروط والأحكام. هذا التوقف أشبه ما يكون بحبس أو منع ماء جار عن إكمال سيره، ما الذي سيحدث؟ بالضبط هذه الأعراض الجانبية شديدة اللهجة ترافقني وعلي الوقوف أمام أي نزعات عودة وتراجع! والأمر ليس بالسهل على الإطلاق. لكن دفاتر يومياتي يمكنها استقبال تلك الرسائل لأن محتواها محال أن ينشر في المدونة، إما رسالة أو دفتر وسيكون الأخير موطنها كما كان من قبل. وٍسأكتب هنا في مدونتي ما يقبل المشركة.
أكرر، الأمر ليس سهلًا كما أنه غير مستحيل.