عودة

أهلًا، لم أكتب هنا منذ أن كبرت عامًا إضافيًا في يونيو الماضي، ويبدو في هذا دلالة على أن الكبر قد يسلبنا بعضًا من عفويتنا. حسنًا هذه بداية درامية تناسب ليلة العودة للدوامات؟ بالطبع نعم. أكتب الآن وبجواري كوب شاي منعنع، كوبي المفضل الجديد والذي بالصدفة هو الآخر رمادي اللون كسابقه. *رشفة*

في حقيقة الأمر، كنت كما هو الحال دومًا أكتب أطول التدوينات في لحظات الوسن لتختفي دون عودة . ليس لدي ما أكتبه على وجه التحديد لكنها ليلة العودة وأي عودة هذه المرة. ومثلي يحب توثيق هذه اللحظة بأقل ما يمكن: الكتابة.


أخيرًا نعود إلى الدراسة حضوريًا بعد توقف قارب السنتين. طالباتي اللاتي ودعتهن ذاك الأحد دون علم منّا بأنه سيكون الأخير، كن في الصف الثاني متوسط وغدا يقفزن إلى الصف الأول ثانوي، وطالبات الصف الرابع إلى الصف السادس وأنا معلمتهن من السنة الجامعية الثانية إلى الرابعة! يا إلهي. هذه النقلة تربك فص إدراكنا وشعورنا بالزمن.

عودة جديدة بكل ما يرافقها من قوانين وتعليمات مدرسية وصفية، نحن المعلمات وحتى الطالبات كل شيء بالنسبة لنا مختلف تمامًا. آلية الدخول إلى المدرسة والجواز الصحي وتطبيق توكلنا وشرط الجرعتين وانقسام الطالبات إلى حضوري وعن بعد والتعليم المدمج وأقل الواجبات ولا متابعة للكتب، لا أوراق عمل توزع ودروس ومسجلة والمحافظة على التباعد بيني وطالباتي.. إلغاء كل الأنشطة التي لا تحقق التباعد، لا طابور صباحي ولا وفسحة وحتى الانصراف له طريقته. والكثير من الأشياء في غير محلها المعتاد وليس بشكلها الطبيعي. كيف؟ سيبقى هذا السؤال إلى أن نباشر ونرى.

الأقسى بالنسبة لي، استبدال تدريس الصف الرابع بالصف الأول متوسط ليكون نصابي بين علوم الصف الأول والثاني متوسط. وأنا أحب تدريس رابع لكن الظروف حالت بيننا هذه السنة. أكرر، كل شيء حتى الآن ونحن ما زلنا في مرحلة الأفكار النظرية غريب عجيب، لم يتبقى لنا سوى العمل الميداني والتطبيق لنرى إلى ماذا ستؤول الأمور.

سألت بعض طلبة التعليم العام من حولي، هل تفضلون العودة حضوريًا أم عن بعد؟ والكل اختار العودة حضوريًا. ذات السؤال إذا وجه إليهم كخيار قبل سنتين أكاد أجزم بأنهم سيختارون عن بعد. أتفهم شوقهم للذهاب إلى المدرسة حتى وإن لم يكن التعليم دافعهم. المدرسة كانت وأظنها ستبقى متسعًا ومساحة جميلة في حياة كل طالب وطالبة، قد تختلف هذه المساحة لكن خروجهم يوميًا وتغيير بيئة تواجدهم لما يقارب ثمان ساعات مع زملاء دراسة وكل ما يرافقه كان له الأثر الكبير والواضح، والذي بالضرورة أدركوه أثناء فترة التعليم عن بعد. العودة كالسابق باتت الآن أشبه بالحلم مع كل هذه الاحترازات والتعليمات والقوانين والتحذيرات.

عجيب كيف أننا مستقبلا سنتشارك ذاكرة جمعية لهذه الفترة بكل ما فيها، أفكر بالأمر على مستوى جيل خاض تجربة التعليم العادي والذي تغير اسمه إلى حضوري ثم التعليم عن بعد والآن بينهما في التعليم المدمج. كيف أننا خضنا تجارب شخصية مختلفة لدرجة كبيرة حتى وإن كانت القاعدة تجمعنا. كيف أن العودة للدراسة أكثر الأمور اعتيادية تحول ليكون أقرب للسؤال. متشوقة للحضوري وأخشى أن نعود إلى التعليم عن بعد مرة أخرى. أسأل الله التوفيق والسداد للجميع.

من هناك:
تزامنًا مع بداية عام دراسي جديد، بدأت دفتر يوميات جديد أيضًا.

3 رأي حول “عودة

  1. عودًا حميدًا إلى المدونة -التي كنت أتلصّص عليها كلّ صباحٍ بانتظار مكتوبٍ جديد- وإلى المدرسة والجامعة ❤️.
    أرجو أن تكون العودة سهلة مُيسّرة، حتمًا فترة تُسجّل في ذاكرة وكتابات العالم أجمع! شعورٌ غريب، مازلت أتعجّب كيف ذابت اختلافاتنا “القاريّة” تحت احترازات الجائحة!
    سلّمنا الله منها ورفع بقدرته هذا البلاء عنا.

    Liked by 1 person

أضف تعليق