درس القياس

مقاومتي للبكاء اليوم 30 يناير 2019- هي الدافع الأول لكتابة هذه الأحرف الركيكة، لكني رغبت في كتابتها.

كتطبيق عملي لدرس القياس في مادة العلوم للصف الرابع، أحضرت للطالبات مجموعة من أدوات القياس ليطبقن أخذ القياسات بشكل سليم وقراءتها وتحديد الوحدة المناسبة لكل قيمة. وهذا يعني أن لهم حرية الحركة في الصف، يمكنني استغلال الوضع لأخبرهن بأن الحصة اليوم عبارة عن لعب!

أحضرت جميع الأدوات المطلوبة وهي بسيطة، ما نحتاجه لقياس الأطوال ومنها إلى المساحات ثم الحجوم وأخيرًا ميزان لقياس الوزن.

في كل الفصول الثلاثة تتحمس الطالبات لجميع القياسات، إلا أنه وفي كل فصل هناك من ثلاث إلى خمس طالبات يخبرنني بأنهن لا يرغبن بقياس وزنهن أو إخبار باقي صديقاتهن، أو أنا وهي فقط من نعرف وزنها لأني أطلب من الطالبة أن تقرأ وزنها بنفسها ثم تسجله في ورقة القياسات.

الرفض، هذا السلوك البسيط ينبئ عن مشكلة حقيقة لطفلة في عمر التسعة أو العشرة سنوات، الفكرة الخلفية لهذا التصرف ليست سهلة إطلاقًا بل ومؤرقة! لماذا لا مانع لديهن من معرفة أطوالهن لكن الحال يختلف مع أوزانهن؟ بدأت أتحدث إلى الجميع بأنكن جميلات بكل تفاصيلكن، جميلات بطبيعتكن وبحالكن وما أنتن عليه! ولابد من أن نختلف هل يعقل أن نكون جميعًا بذات الوزن؟ ما المشكلة في الاختلاف؟ لماذا لسنا بذات الطول لكن علينا أن نكون بذات الوزن؟ أذكرهن بأن الأهم قدرتنا على الحركة واللعب والركض بأريحية…وأن عليكن شكر الله كل يوم على نعمة الصحة التي ترافقكن.

أخيرًا الجميع اقتنع إلا واحدة، لمجرد أني بدأت أتحدث معها، أخذتها إلى جانب الفصل… أخبرتها وبشكل خاص بأن لابد أن تكوني واثقة من نفسك، من شكلك وجمالك، وبأنك رائعة ومدهشة، وأنت طالبة مميزة! ما زلت صغيرة وغدًا ستكبرين ويتغير كل شيء، لست ثابتة حتى الآن، أثناء كلامي بدأت أرى الدموع مجتمعة في عينيها، أدركت أن الموضوع شائك وربما تتعرض لتنمر أو سخرية. في تلك اللحظة حقيقة كنت أتألم من دموعها وتبدل حالها، لست مستوعبة أن هذا يحدث مع طالبات الصف الرابع! يا إلهي.

أخذتها خارج الفصل بينما الجميع غارق في القياسات، عندها أصبحت تبكي ولم يعد الأمر مجرد دموع، ما شعرت به حينها أن قلبي انغمس في معدتي، لا أستطيع وصف لحظة رؤيتي لبكائها، قاومت البكاء بشدة، غصة اعترضت حلقي.. يا الله ما الذي يجرح طفلة فيما يتعلق بوزنها، ولماذا؟

سألتها هل هناك من يؤذيك؟ في المدرسة؟ في المنزل؟ قالت: في المنزل. من؟ الجيران. كيف؟ يقولوا لي يا دبة.

احتضنتها، مسحت دموعها لكن من يمسح ذاكرة الألم بسبب وزنها؟ من يمسح أثر هذه الكلمات العالقة في ذهنها؟ من يمحو حديثها لنفسها؟ من يبدل طريقة حديثها لنفسها بصمت؟ لماذا يمكن أن تتعرض طفلة في أول عمرها لمثل هذه الأفكار؟ لماذا هذه القولبة؟ لماذا لدى أطفالنا القدرة العجيبة على إيذاء الغير؟ أين ثقافة احترام الآخرين؟ ثقافة مراعاة مشاعرهم والابتعاد عما يؤذيهم؟

حاولت حينها أن أهديها، قلت لها لا تسمحي لكائن من كان أن يهز ثقتك بنفسك! مهما كان قوله.. كوني واثقة من نفسك. تذكري هذه الجملة دائمًا. هدأت لكنها لم تغير رفضها لقياس وزنها. احترمت رغبتها رغم أني تمنيت لو أنها كسرت هذه العقدة.

لم أستطع تجاوزها، بقيت معي طوال يومي.. لدي رغبة شديدة في الجلوس معها ومحاولة معرفة مدى تألمها من هذا الموضوع.

أكثر ما أخشاه هذه اللحظات التي يعيشها الطفل في مقتبل عمره، ما هو تأثيرها عليه؟ هل سيتجاوزها أم تبقى ندوبًا غائرة!

أحزن والله.. حزنًا عميقًا لمثل هذا. لن أنسى دموعها، لن أنسى وهي تقضم شفتيها تغالب الدموع لكنها غُلبت. طفلة تبكي من وزنها! وهو بالمناسبة ليس زائدًا للحد الذي يعرضها لهذا الألم والحزن على افتراض أننا نبحث لمسوغ.

شعرت وكأني نكأت جرحًا موغلًا لديها..

ألطف يا الله بها وببنات جيلها ولكل من في عمرها يكبر وتبكر معه أفكار تبقى ترافقه وتحد من ثقته في هذه الحياة.

رأي واحد حول “درس القياس

  1. السلام عليكم

    طرح مؤلم استاذة مشاعل ولكن من وجهة نظري مبدائياً تقوية النقص اللي تشعر به الطالبه افضل من زرع الثقة بنفسها وتعليمها طريقة للرد لكل من يقول لها يا دبه بحيث تكون جمل قوية تنصفها وتشعرها بأنها تفوقت في الموقف لكل من قال لها يادبه ولو انتصرت في كل موقف واسكتت الطرف الاخر ستشعر بأن الثقه بنفسها وصلت لها دون ان نطالبها بذلك لان اساس المشكلة (هي لاتمتلك الرد او الجرئه في الدفاع عن نفسها)
    جمل الرد على كلمة يادبه
    – الدبه افضل منك يانحيف
    – الحمدلله اكل اكثر منكم وانتم ضعاف ماتعرفو تاكلو
    ويوجد جمل اكثر اسكاتاً واكثر حلاً ولكن لانريد ايضاً حل مشكلة وزرع مشكلة اخرى للطرف الاخر لصغر سنهم

    Liked by 1 person

أضف تعليق